الصين تجد صعوبة في تثبيت مرشحها لخلافة الدالاي لاما

اختارت شابا عمره 21 عاما منافسا «قوي» له والمؤسسة البوذية التيبتية تبدي تحفظات عليه

بانتشين لاما (رويترز)
TT

كان اسمه يتردد على شفاه الرهبان ومالكي الفندق القلقين والسائحين الذين شقوا طريقهم إلى هذه المدينة المنعزلة الواقعة بين جبال مقاطعة غانسو، والجميع يتساءل هل سيحضر إلى شياهي، كما تحدثت التقارير التي لم تتأكد صحتها، وكم سيمكث؟

كانت التساؤلات حو بانتشين لاما الذي اختارته الصين، كثاني أهم شخصية دينية في البوذية التيبتية. لكنه برغم رفعة مكانته، فإن وجوده لم يكن موضع ترحيب أبناء الطائفة البوذية، في معبد لابرانغ الأبيض الحوائط الذي يمتد حتى واد كهفي هنا، على الإطلاق.

ومع انتشار الشائعات خلال الأسابيع الأخيرة من أنه قد يعود للدراسة في المعبد أمل رجال الشرطة الصينية سواء الذين يرتدون الزي الرسمي أو الشرطة السرية، في القضاء على المشكلات في مكان لا يخشى فيه المواطنون التيبتيون في التعبير عن عدائهم للحكم الصيني.

ويقول راهب بالغ من العمر 26 عاما: «لم يطلب منه أحد أن يأتي، لكنه سيحضر برغم ذلك، نحن نحس أننا عاجزون».

والمشكلة الرئيسية هي أن بانتشين لاما، 21 عاما، هو واحد من شابين يزعمان أنهما اللاما القادم، الأول اختاره مسؤولو الحزب الشيوعي عام 1995 وكان اسمه قبل تلقيب نفسه ببانتشين لاما، غيالتسين نوربو، وعادة ما يشير إليه السكان المحليون بـ«بانتشين لاما الصيني». أما الآخر فهو غيدون تشويكي نيما، الذي يبلغ من العمر 22 عاما الآن، ابن الراعي الذي باركه الدالاي لاما الزعيم التيبتي المنفي.

ولا يزال غالبية التيبتيين يدينون بالولاء لذكرى غيدون تشويكي نيما، رغم أنه لا يزال مفقودا منذ قيام السلطات الصينية بنقله هو وعائلته إلى الحجز الوقائي منذ أكثر من 16 عاما.

ويشير تسرينغ ووزر، الكاتب التيبتي والمدون، إلى أن صورة غيدون تشويكي، وهو طفل في الخامسة من العمر معلقة في المنازل والمعابد. ويقول: «نحن نأمل في أن يكون ما زال حيا، نحن ما زلنا ننتظره».

وخلال انتقال غيالتسين نوربو من المراهقة إلى البلوغ تواجه السلطات الصينية مأزقا حول كيفية تلميع صورته. فموقفه سيتواصل في المعاناة إذا ما ظل بعيدا عن رهبان التيبت والمخلصين، لكن المسؤولين يخاطرون بإلهاب المشاعر عبر تقديمه إلى مجتمع لا يزال متشككا تجاهه بعمق.

وفي السنوات الأخيرة، حاول الحزب الشيوعي عبر شتى الوسائل الترويج له بين الناس. فقد تم ترشيحه لمنصب نائب رئيس الاتحاد البوذي الذي تديره الدولة وتم تعيينه في المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، وهو عبارة عن هيئة استشارية تلتقي سنويا في بكين. لكن حتى الآن لم تترك تصريحاته التي أدلى بها انطباعا جيدا لدى التيبتيين. وقال في تصريح له في الأول من مارس (آذار) الماضي: «نحن نعيش في مجتمع يحكمه القانون في الوقت الذي تنضوي فيه الممارسات الدينية تحت فئة النشاط الاجتماعي، ومن ثم فعبر إدارة يحكمها القانون نستطيع أن نضمن تطورا مستقرا ومتناغما للشؤون الدينية».

وقد توصل الموظفون الحكوميون الذين أشرفوا على شؤون التيبتيين إلى استنتاج متجذر في التاريخ، وهو أن تواجده في معبد هام يمكن أن يعزز من أوراق اعتماد بانتشين لاما الدينية، بحسب علماء ورجال دين محليين.

ويقول هو شيشينغ، الباحث في المعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة في مقابلة عبر الهاتف من لازا عاصمة التيبت: «التيبتيون يحترمون أداء وإنجازات البوذي الجيد».

ويتوقع أن تدخل جهود الحكومة الصينية لشرعنة بانتشين لاما بين أطياف التيبتيين أخطر مراحلها في أعقاب وفاة الدالاي لاما، الذي قال إنه سيسمي خليفته. ولا يزال الدالاي لاما، 76 عاما، موضع توقير بين غالبية التيبتيين رغم سنوات الدعاية القوية التي وصفته بالانفصالي الذي يخلق المشكلات، وهو الأمر الذي ينفيه ويصر على سعيه للحصول على الحكم الذاتي للتيبت.

ورغم كونه ملحدا، فإن الحزب الشيوعي يؤكد أن لديه السلطة لاختيار القادة الروحيين الذين هم بحسب الفكر الديني التيبتي يبعثون من الشخصيات الدينية الميتة. ولم تؤت المحاولة السابقة لتحسين شخصية بانتشين لاما في عام 1998 ثمارها المرجوة منها فبعد أن سعى المسؤولون إلى إقران الصبي بكاهن معبد كومبوم، الدير الذي يحظى بسمعة طيبة في إقليم كوينغي، سارع الكاهن أرجيا رينبوتشي إلى الفرار من الصين وطلب اللجوء السياسي في الولايات المتحدة الأميركية، وقال آرجيا في مقابلة هاتفية من ولاية إنديانا حيث يعيش الآن: «كان قرارا صعبا للغاية، لكني لم أرغب أن ينظر إلي على أنني متواطئ مع الحكومة الصينية».

وبحسب الكثير من التيبتيين سواء في الصين أو في الخارج هناك توقعات كبيرة بأن السلطات ربما تكون قد تراجعت عن خططها في أن يقضي بانتشين لاما شهورا في الدراسة في دير لابرانغ، أحد أهم مراكز تعلم البوذية ـ فقد حفزت مشاهد الاحتجاجات الأخيرة ضد الحكم الصيني أعمال الشغب الإثنية في لاسا والتي أسفرت عن مقتل الكثير من الأفراد.

ويقول أحد المفكرين المقيمين في كينغاي، والذي قال إنه تحدث إلى عدد من اللاما البارزين في لابرانغ في السنوات الأخيرة وأشاروا إلى أن الكثير من الرهبان في المعابد عبروا عن قلقهم من أن يجلب بانتشين لاما معه حراسا أمنيين وكاميرات مراقبة بل وحتى مزيدا من القيود أكثر من التي تحكم حياة أكثر من ألف راهب في المعبد. وقال المفكر، الذي طلب عدم ذكر اسمه لحماية نفسه من الاضطرابات المتوقعة: «هناك سابقة لتثبيت بانتشين لاما في لابرانغ، لكن الأهم من ذلك أنهم يخشون من أن تتحول لابرانغ إلى سيرك وليس معبدا».

وأشار آخرون إلى أن شياهي تم اختيارها عن عمد لأن رمز الطائفة الدينية الأكبر كان متعاونا مع بكين على نحو خاص. والعامل الآخر الهام في ذلك ربما يكون أن أحد المعلمين الذين يدرسون للبانتشين لاما في منزله في بكين يتحدر من لابرانغ.

لكن الدير يتضمن أيضا مجموعة من الرهبان المستقلين الذين قد يثيرون القلاقل أمام بانتشين لاما.

فبعد أشهر قليلة من الاحتجاجات العنيفة التي هزت المشهد التيبتي في عام 2008 انطلق 15 راهبا خارج الدير وهم يحملون في أيديهم أعلام التيبت الممنوعة يلوحون بها خلال زيارة لصحافيين أجانب قامت بتنظيمها الحكومة. وقالوا للصحافيين الأجانب قبل أن يفرقهم الرهبان الأكبر سنا: «لا يوجد هنا حقوق للإنسان». (ثلاثة منهم فروا إلى الهند خشية العقاب) تم سجن راهب بارز فيما بعد لستة أشهر بعد نشر فيديو على الإنترنت يتحدث فيه عن التعذيب خلال الاعتقال السابق.

وعلى الرغم مما قد يبدو عقبات لا يمكن التغلب عليها إزاء منح الشرعية لباتشين لاما أشار عدد من الخبراء إلى أن الاستراتيجية الحكومية بعيدة المدى ربما تعطيه على الأقل بعض المصداقية. وحتى وإن كانوا غير سعداء بالترتيبات، فإن التيبتيين يدركون أن على قادتهم الروحيين التوصل إلى اتفاق مع السلطات. ويرى آريجا رينبوتشي أنه إذا ما أظهر بانتشين لاما إشارة يوما ما إلى استقلال التيبت فسوف يحظى بالاحترام.

وقال: «يقول الناس إنه حتى وإن لم يكن نتاج تناسخ أرواح حقيقي فهو على الأقل تيبتي حقيقي، وربما عندما يكبر يؤمن بالدالاي لاما ويقوم بعمل ما لصالح التيبت».

بيد أن التوقعات في الوقت الحالي لزيارة شياهي تثير الذعر، ليس بين الرهبان وحدهم. فيشير الكثير من الموظفين الحكوميين من العرقية التيبتية إلى أنهم تلقوا تهديدات بالفصل من العمل وقطع الرواتب إذا استقبلوا بانتشين لاما بأذرع مفتوحة.

وقبل أن يقاطعه صاحب شركة صيني من عرقية الهان، اعترف راهب في منتصف العمر بالامتعاض الواسع، لكنه يميل إلى منافس بانتشين لاما. ويقول: «لن أسمح لهذا بأن يؤثر علي. سأواصل الدعاء وأراقب الأوضاع عن كثب».

* خدمة «نيويورك تايمز»