الجيش الاسرائيلي يحتال لتحصيل 620 مليون شيقل من الموازنة

رفضها شاؤول موفاز حتى لا تعتبر ضربة لحملة الاحتجاج الشعبي

إسرائيلي نائم في «مدينة الخيام» التي أقامها محتجون وسط حديقة صغيرة في القدس (إ.ب.أ)
TT

كشف النقاب في تل أبيب، أمس، عن فضيحتي خداع واحتيال، أبطالهما قيادة الجيش ووزارة الدفاع، وهما تحاولان تحصيل مئات ملايين الدولارات من الموازنة العامة بطرق ملتوية مستخدمين الكذب والتزوير.

وقد انكشف الأمر خلال بحث أمام لجنة برلمانية خاصة لشؤون ميزانية الدفاع، مؤلفة من ممثلين عن لجنتي المالية والخارجية والأمن، يرأسها النائب شاؤول موفاز، من حزب «كديما» المعارض. وكان موضوع البحث طلبا من وزارة الدفاع بزيادة ميزانيتها العادية بمبلغ 620 مليون شيكل (1.7 مليون دولار تقريبا). وعندما قرأ موفاز الطلب، راح يتساءل عن سبب صياغته بشكل عمومي فضفاض، وطلب من ممثلي الوزارة أن يفسروا له البنود ويثبتوا له أنها ليست صورية.

وموفاز كان قد شغل منصب رئيس أركان للجيش عومل كذلك وزيرا للدفاع، أي إنه يعرف كل صغيرة وكبيرة في قيادة الجيش. ولائحة الطلبات التي قدمت إليه تبدو مهينة يستخف أصحابها بمن يقرأها، حيث تم تفصيل البنود فيها على النحو التالي: 140 مليون شيكل لدائرة اللوجستيكا والتكنولوجيا، 100 مليون للإدارة والتفعيل في سلاح الجو، 80 مليونا لقيادة سلاح اليابسة، 70 مليونا للقيادات الوسطى و230 مليونا متفرقات. وقال موفاز لممثلي الجيش والوزارة: «قولوا لي بصراحة. أنتم تريدون المال لشيء آخر، لكي تسددوا الديون لرافائيل (مصانع الأسلحة الإسرائيلية)، ولكنكم تتسترون ببنود وهمية. حسنا، هل تعرفون أن هذا يسمى خداعا؟». وقال نائب آخر من حزب المستوطنين «البيت اليهودي»، أوري أرئيل، إن هذه عملية مخالفة للقانون.

ويتضح خلال تراشق الكلام في اللجنة، أن هذا الطلب بزيادة 620 مليونا، يتم باتفاق، غير مكتوب، ما بين وزارة الدفاع ووزارة المالية بمعرفة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو. وقد أبرم قبل نحو السنة، عندما تم إقرار موازنة عامة لسنتين، وتضمنت الموازنة تقليصا صوريا لميزانية الدفاع بقيمة 3 مليارات شيكل. وتعهد نتنياهو بأن يعيد هذا المبلغ بالتدريج خلال السنة، ولكنه يريد موافقة الجيش على التخفيض «على عينك يا تاجر». وقبل ثلاثة شهور حصل الجيش فعلا على زيادة في ميزانية العمليات السرية وصادق عليها موفاز في حينه. ولكنه هذه المرة وجد أن مصادقته عليها تعتبر ضربة لحملة الاحتجاج الشعبي، التي تطالب بتخفيض تكاليف المعيشة والأسعار والضرائب. لذلك رد موفاز الطلب ورفض منح أية زيادة في الميزانية.

أما الفضيحة الثانية، فقد كشفها المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، ألكس فيشمان، ويتضح منها أن الجيش يتنكر لوعوده في تسليم دائرة «إدارة أراضي إسرائيل» 29 قاعدة عسكرية مهجورة.

ويقول فيشمان إن الجيش الإسرائيلي يسيطر على 40 في المائة من الأراضي في إسرائيل، ويمنع التصرف في 40 في المائة أخرى من هذه الأراضي لأنها مجاورة لقواعده العسكرية، ومن شأن التصرف بها أن يكشف أسرارا عسكرية. ولكن مراقب الدولة، الذي فحص هذه القضية توصل في سنة 2004، إلى نتيجة مفادها أن هناك 55 قاعدة عسكرية مهجورة بالإمكان إعادتها للدولة. وقد وعدت قيادة الجيش يومها بإعادة هذه القواعد في سنة 2007، بيد أنها لم تف بوعدها وسلمت 26 قاعدة فقط، أي أقل من النصف، مع أن الحكومة منحت الجيش 22 مليون شيكل مصاريف إخلاء.

ويؤكد فيشمان، أن هذه الأراضي يمكن أن تمنح لبناء وحدات سكن تؤدي إلى تخفيض الأسعار. ويقول: «لو أنهم وفوا بوعودهم، لما كانت لدينا اليوم مشكلة نقص في وحدات السكن، ولكان بالإمكان تخفيض أسعار السكن تجاوبا مع الهبة الاحتجاجية».

وكتب المعلق السياسي لصحيفة «معاريف»، بن كسبيت، عن الفضيحتين وتبعاتهما الاقتصادية، أمس: «هذه المليارات الضائعة، إذا أضفناها إلى المليارات الضائعة التي يبذرونها في كل سنة على اليهود المتزمتين وعلى المستوطنات التي لن تبقى في تخوم إسرائيل عند التوصل إلى اتفاق سلام، يجب أن تعاد إلى أصحابها الشرعيين؛ المواطنين العاديين الذين يعملون ويكدون، والذين يمتثلون لخدمة الدولة كلما تطلب منهم ذلك على مدار السنة. ولكن مثل هذا الأمر يحتاج إلى قائد حقيقي في إسرائيل. وقائد كهذا، غير موجود».

الجدير ذكره أن غالبية المعلومات المنشورة أعلاه، معروفة للألوف من المسؤولين في الدوائر الإسرائيلية والصحافة وهيئات الرقابة، ولكن أحدا لم يجرؤ، في الماضي، على توجيه الانتقاد أو الاعتراض. ويأتي النشر الحالي ملائما للرياح الجديدة التي تهب في حملة الاحتجاج على السياسة الاقتصادية الاجتماعية في الشارع الإسرائيلي، والتي تقترب شيئا فشيئا مما اعتبر من «المحرمات»: الجيش والأجهزة الأمنية.