التلفزيون المصري في رمضان.. فكاهة بـ«طعم الثورة»

سيولة سياسية ومحاكمات شعبية ونكات على المسؤولين السابقين والحاليين

أحد المتظاهرين جلس ممسكا بمصحفه في وسط ميدان التحرير («الشرق الأوسط»)
TT

انعكست حالة السيولة السياسية التي تعيشها مصر حاليا على الخريطة الإعلامية الجديدة في البلاد، وبات لافتا مساحة الحرية التي تتحرك فيها برامج الرأي، وحلقات النقاش الجماعية، واللقاءات الخاصة التي تبثها الكثير من القنوات التلفزيونية، حيث اقتحمت مفردات الثورة ومفارقاتها وملابساتها أجواء هذا الفضاء الإعلامي، كما نصبت بعض البرامج من نفسها قاضيا شعبيا لمحاكمة ومساءلة بعض المسؤولين، والنكش في هوامش ضمائرهم، ودعوة الجمهور للمشاركة في هذه المحاكمة، وكأنها مساحة للتطهر وإبراء الذمة وإزالة الشوائب واللبس، تحت مظلة حياة جديدة بدأت ترسي دعائمها في مناخ الثورة.

واللافت هنا، حالة الترحاب، والاعتداد بالرأي الآخر، وحرية الاختلاف معه، من باب «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية» خاصة إذا كان تحت مظلة ثورة 25 يناير، التي أصبحت المصدر الأول والأساسي لأغلب برامج ومسلسلات التلفزيون المصري بشقيه الرسمي والخاص.

هذه الحالة تجسدت بقوة في أسماء البرامج فهذا عنوان برنامج «الشعب يريد»، اقتباسا من الهتاف الشهير «الشعب يريد إسقاط النظام»، الذي كان يتردد في المظاهرات. ويستضيف البرنامج عددا من النجوم المعارضين والمؤيدين للنظام السابق في حوار مفتوح حول شتى القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وكذلك برنامج «من أنتم» الذي يعتمد على المواجهة بين مؤيدي ومعارضي النظام السابق، في إطار من الوضوح والشفافية، وبرنامج «دستور يا أسيادنا» الذي تقدمه الكاتبة لميس جابر، تتناول فيه أحوال الشعب المصري قبل وبعد «25 يناير» بشكل خفيف وشعبي للتمكن من التواصل مع كل أطياف الشعب، وكذلك برنامج «ثورة على النفس» للداعية الإسلامي معز مسعود، وبرنامج «كل رجال الرئيس» ويقدمه الكاتب الصحافي عادل حمودة. وبرنامج «أنت وضميرك» الذي يقدمه الإعلامي مجدي الجلاد، وهو عبارة عن محاورة يجريها المضيف المسؤول مع ماضيه وحاضره ومستقبله، والأدوار التي لعبها إن سلبا أو إيجابا تحت شعار خدمة الوطن.

ومن بين الكم الكبير من الشخصيات التي برزت على هوامش ومتن هذه البرامج، لعبت شخصيات النظام المصري السابق ورموز حكومة رئيس الوزراء الأسبق الدكتور أحمد نظيف دور البطل في معظم البرامج الكوميدية الساخرة، حيث عملت الكثير من البرامج على تقليد هذه الشخصيات وعرضها في صورة كوميدية، ساخرة، وتصويرها وكأنها شخصيات كرتونية هشة وهزلية، وكأنها مجرد دمى في أصابع الماريونت.

وكانت شخصيات مثل الرئيس السابق حسني مبارك، ورجل الأعمال القيادي القوي في الحزب الوطني المنحل أحمد عز، ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، ورئيس الوزراء السابق أحمد شفيق، من أبرز هذه الشخصيات التي تم تناولها بشكل ساخر. فيعرض الآن على شاشة التلفزيون المصري عبر عدد من القنوات برنامج «حكومة شو» الذي يجسد فيه الفنان الكوميدي محمود عزب مسؤولي النظام السابق، وهو البرنامج الذي كان عزب قد قام بتصويره قبل الثورة، ولكنه منع من العرض رغم إجازة وزير الإعلام أنس الفقي تصويره دون الاقتراب للوزارات السيادية.

وفي السياق نفسه يجيء «تكنوقراط»، وهو أحد البرنامج الكوميدية التي تقوم بتقليد عدد من الإعلاميين والسياسيين والفنانين من رموز النظام السابق، والسخرية على أغلب الأحداث السياسية المصرية المشهورة. كما تناول البرنامج أيضا الشخصيات السياسية البارزة في الثورات العربية الأخرى مثل شخصية الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، التي أصبحت ثمرة الكوميديا الأولى في التلفزيون المصري.

لا يخلو المشهد أيضا من شخصية «المرشح الرئاسي» المحتمل لرئاسة مصر، وتهافته على الشعب للوصول إلى المنصب، حتى إن هذا المشهد بات يشكل عاملا مشتركا في عدد من البرامج التي تعرض فظهر برنامج «مطلوب رئيس»، الذي يتناول كل المرشحين وبرامجهم بشكل ساخر وربما حاد جدا.

وكعادة شهر رمضان وبرامجه حيث تكثر البرامج الحوارية، فقد احتل شباب الثورة والسياسيون الجانب الأكبر من هذه النوعية من البرامج بدلا من الفنانين، وسيطرت قصص الثورة والمظاهرات على حوارات هؤلاء الضيوف.

ورغم أنه جرت العادة على توقف جميع البرامج «التوك شو» السياسية عن العرض في شهر رمضان، فإن معظم هذه البرامج استمر في العرض بسبب سخونة الأحداث السياسية التي لم تتوقف خلال هذا الشهر أيضا.

وكعادتهم لم يتخل المصريون عن روح المزاح والدعابة وخفة الدم التي اشتهروا بها، فأطلقوا سيلا من النكات والتعليقات الساخرة على قدوم شهر رمضان في ظل أجواء الثورة، مثل «انقسامات في صفوف الصائمين على أولويات مائدة الإفطار، فريق يرفع شعار قمر الدين أولا.. وفريق آخر يرفع شعار الخشاف أولا»، في تهكم على الصراع الدائر في الشارع حول «الدستور أولا أم الانتخابات أولا». و«الشعب يريد تدميس الفول». وأخرى تقول «لا نية لفض الخيام الرمضانية بالقوة.. والشيشة حق مكفول لكل مصري». و«البلطجية تقتحم إحدى موائد الرحمن وتستولي على حلة اللحمة المسلوقة».

وحملت مسحة رمضانية رسالة للمجلس العسكري تقول فيها صاحبها: «بعد تأجيل الانتخابات قررنا تأجيل عيد الفطر المبارك لأجل غير مسمى مع الاحتفاظ بشرعية الصوم، والله الموفق».

كما لم يسلم رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف من روح الدعابة فتصور ناشطون على «فيس بوك» استطلاع رأي يقول فيه شرف للمواطنين على صفحته بالموقع الاجتماعي: «تفضلوا رمضان يبقى كام يوم السنة دي؟». وتساءل «هل استنشاق الغاز المسيل للدموع يبطل الصيام».