دير الزور: نقص في الوقود والخبز وفرار شبه جماعي من المدينة

النخبة التجارية في دمشق بدأت تتهيأ لسقوط الحكومة

TT

تحدت القوات السورية الإدانات المتصاعدة وشرعت في شن هجوم جديد ضد واحدة من أكثر مناطق البلاد اضطرابا أول من أمس، حيث نشرت عشرات الدبابات والمركبات المدرعة في أجزاء مدينة تقع شرق سوريا حرصت القوات السورية منذ أمد بعيد على عدم استثارتها، حسبما أفاد نشطاء وسكان بالمدينة. وأسفر الهجوم عن مقتل العشرات وفرار الآلاف، حسبما أضافت المصادر.

وجاء الهجوم الذي وقع قبيل الفجر على مدينة دير الزور بعد أسبوع من مهاجمة القوات السورية لحماه الواقعة وسط البلاد والتي نجحت بدرجة كبيرة في تخليص نفسها من قبضة سيطرة الحكومة هذا الصيف. ومثل حماه، تحولت دير الزور، وهي منطقة منتجة للنفط والغاز الطبيعي، لساحة مظاهرات ضخمة، مع خروج مئات الآلاف إلى الشوارع، لكن المؤسسة العسكرية، التي يساورها القلق من عشائر المدينة القوية والمسلحة جيدا، حرصت على البقاء معظم الوقت على أطراف المدينة.

وشكلت المدينتان معا، وهما من كبرى المدن بالبلاد، أكثر المناطق صلابة خلال فترة الانتفاضة المستمرة منذ 5 شهور ضد حكم عائلة الأسد المستمر منذ 4 عقود.

وبعد أسبوع من الانتقادات الحادة من قبل مجموعة متنوعة من الأصوات الدولية، من الأمم المتحدة حتى البابا، أكد الهجوم المتجدد على ما اعتبره الكثيرون إصرارا من قبل حكومة الرئيس بشار الأسد على البقاء في السلطة اعتمادا على العنف، وطبقا لتقديرات بعض منظمات حقوق الإنسان، فإن أكثر من 2.000 شخص قتلوا في الحملات التي تشنها الحكومة حتى الآن. وقد ظهرت مؤشرات أخرى على تعرض الحكومة لضغوط، ربما أهمها مؤشرات توحي بأن النخبة التجارية في دمشق بدأت تتهيأ لسقوط الحكومة. شكلت هذه النخبة منذ أمد بعيد أحد أهم أعمدة القيادة السورية، خاصة أثناء الانتفاضة الإسلامية عام 1982.

من جهته، علق محلل مقيم في دمشق طلب عدم ذكر اسمه: «النظام هو أسوأ أعداء نفسه، ولا يمكن إنقاذه من نفسه. لقد أصبح مهيأ للسقوط، لكن يبقى السؤال ما الذي سيدفع هذا السقوط ومتى».

ويقدر سكان بدير الزور أعداد القتلى بـ42، وقال أحدهم إن أسرة مؤلفة من 6 أفراد ـ زوجين وأبنائهما الأربعة ـ كانت تحاول الفرار سقطت في عداد القتلى. وذكر نشطاء أن الكثير من سكان المدينة غادروها خلال الأيام الأخيرة. وقال أحد أبناء المدينة اسمه مأمون إن شاحنات تحمل كل منها نحو 25 امرأة وطفلا كانت تفر من المدينة قاطعة طريقها عبر شوارع مهجورة.

وقال إن هناك نقصا في الوقود والخبز. وأشار سكان آخرون إلى أن مستشفيات خاصة أغلقت، بينما تشعر الأسر بالتردد حيال نقل أبنائها المصابين إلى مستشفيات حكومية خشية إلقاء القبض عليهم. بحلول المساء، قال مقيم بالمدينة إن القوات السورية دخلت دائرة مرورية بقلب المدينة كان يطلق عليها من قبل ميدان الأسد وأعيد تسميتها الآن ميدان الشهداء.

وقال مأمون خلال محادثة هاتفية معه بينما كانت أصوات دفقات مدفعية واضحة في الخلفية: «لم تشهد المدينة قط يوما كهذا».

خلال عطلة نهاية الأسبوع، تصاعدت الدعوات لضبط النفس. وأعربت جامعة الدول العربية عن «قلقها المتزايد»، أول من أمس، داعية السلطات لوقف الهجمات ضد المتظاهرين. وفي اليوم ذاته، دعا البابا بنديكتوس الـ16 الأسد للاستجابة لـ«التطلعات المشروعة» للشعب السوري. وأعلنت تركيا أنها ستبعث وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو لدمشق، الثلاثاء، برسالة مشابهة.

ووصف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أعمال العنف بأنها غير مقبولة، وقال إنه استدعى السفير السعودي من دمشق.

على مدار أسابيع، توقع نشطاء سوريون أن يحمل شهر رمضان المقدس لدى المسلمين معه تصعيدا في الانتفاضة، مع احتشاد المتظاهرين كل ليلة بالمساجد، ثم تنظيمهم مظاهرات. بدلا من ذلك، اختارت الحكومة هذا الشهر لشن هجوم شامل ضد المدن التي بدا أنها الأكثر تصميما على التخلص من نير القوات الأمنية.

الملاحظ أن دير الزور وحماه تمثلان هدفا للقمع وتحملان مخاطر خاصة في سوريا.

عام 1982، سقطت حماه ضحية لواحدة من أكثر اللحظات دموية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، عندما سحقت القوات العسكرية انتفاضة إسلامية وقتلت 10.000 شخص على الأقل.

وأجج الهجوم الذي وقع الأسبوع الماضي، وتسبب في قتل أكثر من 200 شخص، المشاعر بمختلف أرجاء سوريا.

ربما تمثل دير الزور مشكلات لا تقل عن الأخرى المرتبطة بحماه من منظور الحكومة، لكن لأسباب مختلفة. تتميز دير الزور بعشائر كبيرة مسلحة وتتمسك باستقلاليتها بشدة، وتربطها صلات بقبائل عبر شرق سوريا وغرب العراق. في الأيام الماضية، تعهد بعض زعماء العشائر بالتخلي عن المظاهرات السلمية وحمل السلاح حال شن القوات السورية هجوما. إلا أنه لم ترد الأحد تقارير عن سقوط ضحايا في صفوف القوات الحكومية.

كما تعج المدينة بمشاعر السخط جراء إهمال الحكومة، وهي مشاعر تفاقمت نتيجة الاعتقاد بأن السكان لم يتمتعوا بعد بنصيب في عائدات النفط والغاز الطبيعي الصادرين عن المنطقة. وأعلن زعيم إحدى العشائر أشار لنفسه باسم محمد العقيدي أنه: «يمكنني القول بأن الساعة لن تعود أبدا للوراء».

على مدار أيام، اضطرت المؤسسة العسكرية لحشد قواتها على أطراف دير الزور. وقدر زائر مر بالمدينة مؤخرا أن نحو 150 دبابة و200 مركبة مدرعة و200 شاحنة تحمل مدافع جرى نشرها حول المدينة. وذكرت لجان التنسيق المحلية، وهي مجموعة تحاول توثيق وتنظيم المظاهرات، أن الهجوم بدأ قبل الفجر، مع اجتياح القوات العسكرية 9 أحياء.

وقال سائق أشار لنفسه باسم أبو عمر: «نحن محاصرون تماما».

وجاء التمهيد للهجوم مألوفا. ورغم أننا لم نعاين وجود أسلحة خلال زيارتنا لحماه قبيل فرض حصار عليها، ادعى مسؤولون عسكريون أن القوات العسكرية عادت إلى هناك لمحاربة إسلاميين مسلحين أرهبوا المدينة البالغ عدد سكانها 800.000 نسمة.

وقدمت، السبت، خطابا مشابها بخصوص دير الزور التي يصل عدد سكانها إلى 500.000 نسمة. وقال تقرير لوكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» إن زعماء العشائر هناك دعوا الجيش لدخول المدينة «لحماية المواطنين والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة».

في المقابل طرح سكان بالمدينة أجرينا اتصالات هاتفية معهم رؤية مغايرة تماما. مثلا، قال عمار، 26 عاما، ناشط من دير الزور: «تجري إدارة سوريا الآن على أيدي ضباط صارمين، ولم يعد هناك صانعو قرار سياسيون. أخشى أن تكون البلاد في طريقها نحو كهف مظلم وينتهي الأمر بخسارة الجميع. وسيكون الرئيس الأسد ونظامه أول الخاسرين».

كانت التوترات قد تصاعدت داخل دير الزور منذ الشهر الماضي، عندما ألقت القوات الأمنية القبض على الشيخ نواف البشير، إحدى الشخصيات القبلية البارزة هنا. وتفاوض زعماء العشائر وضباط أمنيون وعسكريون سوريون لأيام، لكن يبدو أن هجوم الأحد يشير لعزم الحكومة إعادة السيطرة على المدينة بالقوة، حسبما أفاد نشطاء.

وقال عمار: «كانت الحكومة شديدة الحذر حيال بدء عملية عسكرية في منطقتنا لأن معظم أفراد القبائل مسلحون ببنادق كلاشنيكوف، وأسلحة أخرى، وهم على استعداد للقتال وعدم السماح للنظام بتكرار ما فعله في حماه أو درعا»، وهي المدينة التي بدأت منها الانتفاضة في مارس (آذار).

وأضاف: «إذا هاجم النظام دير الزور، فإن هذا يعني أن جميع القبائل في المناطق الأخرى ستتظاهر ضد نظام الأسد».

وقد تواترت أنباء عن حدوث انشقاقات في صفوف القوات العسكرية في دير الزور، وإن كانت هذه العمليات لا تزال محدودة على ما يبدو ولا تشكل تهديدا مباشرا على الأسد الذي ورث السلطة منذ عام 2000. وأعلنت لجان التنسيق المحلية أن مزيدا من الجنود انشقوا، الأحد. وأضافت: «يحاول الجنود المنشقون حماية السكان من اجتياح المدينة». ولم يرد تأكيد فوري على هذا الخبر من جانب سكان المدينة هناك.

ولم تكن دير الزور وحدها في الهجوم الحكومي الأخير، وإنما هاجمت القوات السورية أيضا حولة، الواقعة قرب حماه في وسط سوريا، وإدلب في الشمال الغربي. وأعلنت اللجان أن 12 شخصا لقوا مصرعهم في حولة، بينهم 3 أطفال.

وجاء نطاق وشدة الهجوم الراهن لتلقي بظلال سريالية على التعهدات الحكومية بإجراء إصلاحات. كان آخر هذه الوعود تصريح وزير الخارجية وليد المعلم، السبت، حول إجراء انتخابات برلمانية تعددية، هي الأولى من نوعها في ظل حكم عائلة الأسد، ستعقد في نهاية العام. وأوردت «سانا» قوله: إن الانتخابات ستكون «حرة وشفافة».

* هويدا سعد أسهمت في التقرير من بيروت، وموظف لدى «نيويورك تايمز» ساهم من دمشق بسوريا