ليبيا: مصادر في المعارضة تتحدث عن ارتباك في النظام وترجح إصابة القذافي أو مقتل أحد أبنائه

طرابلس تتحدث عن مجزرة للناتو وتعلن الحداد 3 أيام.. والهوني يتساءل: أين العقيد؟

رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل يتحدث في مؤتمر صحافي في بنغازي أمس (رويترز)
TT

فيما تقول مصادر الثوار والمتمردين الليبيين إنها محاولة للتغطية على حدث جلل، ويسود اعتقاد بأن الأمر يتعلق إما بإصابة العقيد الليبي معمر القذافي نفسه، أو مقتل أحد أبنائه أو أفراد أسرته، وجه القذافي فجأة رسالة إلى رؤساء الدول الأعضاء في مجلس الأمن، حملهم فيها مسؤولية ما سماه المجزرة البشعة التي اقترفها حلف الناتو بقصفه الحي السكني في منطقة ماجر بمدينة زليتن، فجر أمس، مما أدى إلى استشهاد 85 مدنيا؛ وهي المجزرة التي لم يشهد تاريخ الحروب مثيلا لها وفقا لتعبير وكالة الأنباء الليبية الرسمية.

كما أعلنت الحكومة الليبية أمس الحداد لمدة 3 أيام على أرواح من وصفتهم بشهداء الوطن المدنيين الآمنين، بينما قال الإعلان الرسمي الذي بثته وكالة الأنباء الليبية الرسمية إنه سيتم تنكيس الرايات الخضراء، التي ترمز إلى نظام القذافي، طوال فترة الحداد، وستقوم إذاعات ليبيا ببث برامجها بما يتماشى وإعلان الحداد.

وبعد دقائق من بث هذا الإعلان، بدأ التلفزيون الليبي الرسمي وقناة «الجماهيرية» الفضائية ببث برامجهما باللونين الأبيض والأسود فقط، بينما استمرت قناة «الشبابية» الفضائية في بث إرسالها كالمعتاد دون أي تغيير.

وقالت وسائل الإعلام الليبية إن العشرات قتلوا في غارة جوية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) على قرية تقع على بعد نحو 150 كيلومترا شرق طرابلس، فيما عرض التلفزيون الحكومي صورا لجثث محترقة لثلاثة أطفال على الأقل، قال إنهم قتلوا في هجوم شنه حلف الأطلسي مساء الاثنين على منطقة ماجر كما عرض صورا لنساء وأطفال جرحى يتلقون العلاج في المستشفى.

وتقع قرية ماجر بالقرب من مدينة زليتن على ساحل البحر المتوسط، حيث تصعد قوات الناتو الهجمات على قوات القذافي.

وقال مسؤول في الحلف إن هدفا قصف في زليتن ليل الاثنين، لكنه لم يستطع تأكيد إن كان موقع القصف هو المكان نفسه الذي قال التلفزيون الليبي إنه شهد سقوط ضحايا.

وأضاف المسؤول «نتحقق من هذا التقرير، لا يمكننا تأكيد تقارير سقوط ضحايا من المدنيين لكننا نأسف لأي خسائر في الأرواح، يحرص حلف شمال الأطلسي كثيرا على تجنب سقوط ضحايا من المدنيين على عكس نظام القذافي الذي يتعمد استهداف المدنيين».

لكن عبد المنعم الهوني، ممثل المجلس الوطني الانتقالي لدى الجامعة العربية ومصر، قال لـ«الشرق الأوسط»: إن ما يجري في العاصمة الليبية طرابلس يعكس أمرا مريبا في صفوف نظام القذافي، مشيرا إلى أنه من المدهش أن يتذكر هذا النظام وقوع قتلى على نحو يستوجب إعلان الحداد الوطني، بينما هو لم يعلن الحداد لدى مقتل سيف العرب، الابن الأصغر للقذافي، وأفراد من عائلة صهر القذافي الفريق الخويلدي الحميدي عضو مجلس القيادة التاريخي للثورة الليبية مؤخرا. واعتبر الهوني أن هذا المشهد يعكس ارتباكا في صفوف القذافي، وسط شائعات ومعلومات، غير رسمية، تقول بأن القذافي نفسه ربما يكون قد تعرض للإصابة خلال إحدى الغارات العنيفة التي شنتها مقاتلات حلف الناتو على مدن ليبية عدة أول من أمس.

وقال الهوني لـ«الشرق الأوسط» ثمة معلومات غير رسمية حول أن القذافي ربما يكون قد أصيب أو أنه هرب إلى تشاد والنيجر، حيث يشرف بنفسه على محاولات جلب المزيد من المرتزقة الأفارقة في محاولة يائسة وفاشلة جديدة لإخماد ثورة الشعب الليبي، على حد قوله.

وتساءل الهوني «أين القذافي؟ ولماذا لم يظهر علانية منذ 10 أيام؟ اختفاؤه يؤكد صحة هذه المعلومات»، مشيرا إلى أن القذافي اعتاد، مؤخرا، أن يستخدم الهاتف للتواصل عبر شاشات التلفزيون الحكومي مع مؤيديه ولم يعد يجرؤ على الظهور وسط حشد جماهيري.

ورأى أن الاحتمال الثاني لربكة نظام القذافي هو مقتل ابنه خميس الذي يتولى قيادة اللواء 32، الذي يعتبر أبرز وحدات الجيش الليبي وأكثرها احترافية وتسليحا، مشيرا إلى أن خميس القذافي الذي كان يتواجد على ما يبدو في موقع متقدم بين مدينتي زليتن والخمس قد تعرض للقصف مع عشرات من الضباط رفيعي المستوى في الجيش الليبي.

وقال الهوني: لدينا معلومات مؤكدة عن أن القذافي فقد عددا كبيرا من زملائه ومستشاريه العسكريين، كلهم من رتبة اللواء في هذه الغارة الجوية.

ونفت طرابلس، مؤخرا، معلومات عن اغتيال خميس القذافي، واعتبرتها محاولة للتغطية على إقدام الناتو على قتل عائلة ليبية في إحدى غارته الجوية.

إلى ذلك، علمت «الشرق الأوسط» أن القرار المفاجئ الذي اتخذه المجلس الوطني الانتقالي المناهض لنظام حكم القذافي مساء أول من أمس بحل مكتبه التنفيذي وإعادة تشكيله مجددا، برئاسة رئيسه السابق الدكتور محمود جبريل، يرجع إلى إدانة التحقيقات الإدارية في ملابسات عملية اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس القائد العام لهيئة أركان جيش تحرير ليبيا الوطني، لاثنين، على الأقل، من أعضاء المكتب التنفيذي للمجلس بالتقصير والإهمال.

وقالت مصادر رفيعة المستوى في المجلس الانتقالي لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، من معقل الثوار ومقر المجلس في مدينة بنغازي بشرق ليبيا، إن «التحقيقات الإدارية أدانت اثنين من أعضاء المكتب التنفيذي، وهما علي العيساوي المسؤول سابقا عن الشؤون الخارجية، وسالم الشيخي، مسؤول الشؤون الدينية والأوقاف، بتحمل جانب من المسؤولية في عدم القيام بالإجراءات الإدارية المطلوبة في عملية استدعاء يونس للتحقيق.

وأوضحت المصادر التي طلبت عدم تعريفها أن عددا من أعضاء المكتب التنفيذي سبق أن تقدموا باستقالات غير معلنة من مناصبهم، تعبيرا عن رفضهم لما حدث مع يونس، ورغبة منهم في إفساح المجال لإجراء تحقيقات نزيهة تكشف كل الحقائق والملابسات المتعلقة بمصرع يونس رفقة اثنين من مرافقيه، على أيدي مجموعة من المسلحين المنخرطين في صفوف الثوار مؤخرا في مدينة بنغازي.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن من بين من تقدموا باستقالاتهم محمد العلاقي، مسؤول شؤون حقوق الإنسان بالمكتب التنفيذي التابع للمجلس الوطني، والذي يمثل ما يمكن اعتباره حكومة مصغرة تعنى بتسيير شؤون المناطق المحررة من قبضة وهيمنة القذافي وقواته العسكرية.

وقال العلاقي في خطاب استقالته، كما نقلته مصادر بالمجلس لـ«الشرق الأوسط»: «لم نقم بثورة 17 فبراير (شباط) للتخلص من طاغية وجلب طواغيت بدلا منه».

وفيما تعذر الاتصال بالعلاقي نفسه، قال مسؤول بالمجلس الانتقالي لـ«الشرق الأوسط»: إن حل المكتب التنفيذي يستهدف أيضا ترضية عائلة يونس وقبيلة العبيدات التي ينتمي إليها، وضمان احتواء السخط الذي أعلنه الجانبان مؤخرا، ومطالبتهما المجلس الانتقالي بسرعة الانتهاء من التحقيقات وإحضار الجناة إلى المحاكمة وتوقيع أقصى العقوبة عليهم.

وقال فخري العبيدي، ابن عم اللواء يونس لـ«الشرق الأوسط»: «المجلس الانتقالي شكل لجنة مكونة من 15 عضوا تمثل مختلف قبائل وعشائر ليبيا، للتأكيد على نزاهة جهة التحقيق، مشيرا إلى أن اثنين من أعضاء هذه اللجنة استقالوا بسبب صلة النسب والقرابة مع قبيلة العبيدات، وحتى لا يتم تصوير الأمر على أنه محاولة للثأر من قتلة يونس». وأضاف فخري في اتصال هاتفي من بنغازي: «هدفنا جميعا هو تحقيق العدالة والاقتصاص من القتلة أينما كانوا ومهما كانوا، والمجلس متعاون معنا في هذا الإطار، وبالتالي نحن على ولائنا له وثقتنا فيه لم تتغير».

وكان متحدث باسم المجلس الوطني قد أعلن أن المجلس قرر حل مكتبه التنفيذي بعد أخطاء إدارية في التعامل مع حادث مقتل القائد العسكري للمعارضة قبل 12 يوما.

وقال شمس الدين عبد المولى المدير الإعلامي للمجلس أن المكتب التنفيذي المؤلف من 14 عضوا ومنهم مسؤولون عن شؤون الدفاع والداخلية، تم حله، وأن محمود جبريل الذي شغل منصب رئيس المكتب كلف مجددا بتشكيل مكتب تنفيذي جديد. وقال عبد المولى: «إن أعضاء المكتب جميعا عزلوا، معتبرا أنه كانت هناك أخطاء إدارية هم مسؤولون عنها». ومع ذلك، عاد ليؤكد على أن المجلس الانتقالي لم يتأثر بحل المكتب التنفيذي وأن بعض أعضائه قد يتم إعادتهم عند تشكيل مكتب جديد.

في غضون ذلك، قال حلف شمال الأطلسي (الناتو) إن طائراته الحربية قصفت سفينة حربية ليبية راسية في ميناء طرابلس بعدما لاحظت أن أسلحة تنقل منها من المتوقع أن تستخدم في شن هجمات.

وقال المتحدث العسكري باسم الحلف الكولونيل رولاند لافوي في إفادة صحافية إن السفينة فرقاطة سوفياتية الصنع من طراز كوني وكانت راسية في الجانب العسكري من ميناء طرابلس وقد أصيبت في القصف ولحقت بها أضرار جسيمة.

وأضاف «صار واضحا أن قوات النظام ترفع أسلحة وذخيرة من السفينة الحربية بنية استخدامها من منصات إطلاق أخرى».

وخشي حلف الأطلسي أن تستخدم الأسلحة ضد المدنيين أو قواته أو السفن التي تنقل المعونات الإنسانية.

وأضاف لافوي: «كانت الضربات ناجحة ومن المتوقع أن تقلل قدرة النظام على القيام بعملية حربية».

وتابع قائلا: «حالة الفرقاطة ليست جيدة. الصور التي التقطت للفرقاطة حتى هذا الصباح أظهرت أنها لحقت بها أضرار جسيمة. أخلص إلى أن من المستبعد للغاية أن تمثل أي تهديد في المستقبل للسكان المدنيين أو لقوات حلف شمال الأطلسي».

ونتيجة للحملة الجوية لحلف الأطلسي والحصار البحري اللذين بدآ في شهر مارس (آذار) الماضي، لا تتحرك قوات القذافي البحرية من الميناء إلا في بضع مهمات تحرش بسيطة برغم تعرض سفينتين لحلف الأطلسي لقصف صاروخي غير فعال من الساحل الأسبوع الماضي.

وقال الحلف إنه دمر سفنا حربية ليبية عدة في ضربات جوية في شهر مايو (أيار) المنصرم، ومن بين السفن الحربية التي أصيبت آنذاك فرقاطة من طراز كوني وسفينة للهجوم السريع من طراز ك.