أحداث لندن تثير مسائل غياب المساواة وخفض الإنفاق والبطالة.. والصحف تبحث في جذور الشغب

باحث بريطاني: ارتفاع معدلات البطالة إلى جانب الخفض في «أدوات الدمج» أوجدا بيئة يشعر فيها السكان بأنهم غرباء داخل مجتمعاتهم

TT

فرضت أحداث الشغب التي انتقلت من لندن نحو مدن بريطانية أخرى عدة تساؤلات، مثل: هل كان مقتل مارك دوغان برصاص الشرطة هو السبب الحقيقي وراء اندلاع أعمال العنف، أم أن هناك أسبابا أخرى لا علاقة لها بالحادث وهي التي تحرك أحداث الشغب وتوسع دائرته في بريطانيا؟

الباحثون ووسائل الإعلام والصحف البريطانية حاولوا الإجابة عن هذه التساؤلات، فصحيفة الـ«ديلي تلغراف» في عددها الصادر أمس عرضت أن بعض المعلقين يقولون إن الأحداث مبررة ومفهومة، وآخرون يقولون إن اندلاع أحداث العنف كان نتيجة لارتفاع نسبة البطالة والفقر في المناطق التي اندلعت فيها.

أما صحيفة «الغارديان» فقد حاولت البحث في «جذور الشغب» من خلال مقال كتبته نينا بور بعنوان «أعمال الشغب في لندن مرتبطة بشيء لا يمكن إنكاره». وتقول الكاتبة إنه «منذ وصول الائتلاف الحكومي إلى السلطة شهدت بريطانيا عدة احتجاجات، كان السبب وراءها مختلفا، لكن المشترك بينها جميعا كان أنها ضد التقليصات في الميزانية التي نجمت عنها سياسة تقشف فرضتها الحكومة. وتدرك الحكومة أن في سياستها مقامرة، وأن هناك احتمالا لأن تثير احتجاجات جماهيرية بحجم لم نشهده من قبل منذ بداية ثمانينات القرن الماضي». وترى الكاتبة أن السياسات الحكومية التي شهدها العام الفائت بينت الشرخ بين ذوي الامتيازات والمعدمين، لكن «حالة التململ الاجتماعي لها جذور أعمق من ذلك».

وفي افتتاحية صحيفة «الإندبندنت»، تشير الكاتبة إلى أنه في توتنهام، المنطقة التي اندلعت فيها شرارة الاحتجاجات، توجد رابع أعلى نسبة للأطفال الفقراء في لندن، كما أن نسبة البطالة تبلغ 8.8 في المائة، أي ضعف المعدل في البلد. وتحث الكاتبة من ينتقدون أحداث الليالي الفائتة على أن يسترخوا قليلا ومن ثم ينظروا إلى الصورة الكلية، وسيرون أن 10 في المائة من سكان البلاد أغنى بمائة مرة من الفقراء.

وقد عكفت بريطانيا بشكل غير مسبوق على خفض الإنفاق في محاولة للحد من عجز الميزانية، وخفضت المجالس المحلية مجموعة من الخدمات من رعاية المسنين إلى المكتبات. وخفضت ميزانية خدمات الشبان في هارينغي إلى 75 في المائة هذا العام في إطار خفض مزمع قيمته 84 مليون جنيه إسترليني يعتزم المجلس المحلي إجراؤه على مدى السنوات الثلاث القادمة، حسب «رويترز».

والى جانب البطالة بين الشبان فمن العوامل الأخرى المثيرة للقلق البطالة طويلة الأجل التي زادت بشدة في بريطانيا أيضا ووصفها مركز أبحاث بأنها «مرتفعة لدرجة تبعث على القلق». وقال جيسون 26 عاما وهو من سكان توتنهام، وترك المدرسة وعمره 16 عاما ويعاني من البطالة منذ ذلك الحين «نحتاج من يساعدنا.. لا نحصل على المساعدة ثم يتساءلون بعد ذلك لماذا يحدث هذا». وأضاف «أغلب أصدقائي في مثل وضعي عاطلون.. هذا ليس جيدا.. على سبيل المثال لا يوجد مكان لنا نتجمع فيه».

وفي بريكستون بجنوب لندن التي شهدت بعضا من أعنف أعمال الشغب خلال الثمانينات نتيجة توترات عرقية بين الشرطة وسكان المنطقة في وقت ارتفعت فيه البطالة، فإن الصورة لا تختلف كثيرا. قال مايكل 31 عاما وهو عامل بناء عاطل «لدي مهارات في رص طوب البناء واستخدام الجص، لكن في كل مكان أسأل فيه يقولون لا توجد وظائف شاغرة.. أتوجه إلى مركز للتوظيف ولا يمكنهم توفير وظيفة لي.. وهو وجد لهذا أصلا». وأضاف «لا أتعاطف مع الصبية الذين يحطمون الممتلكات، لكن الناس لا يعلمون كيف يعني أن يشب المرء في منزل من دون أب، أو أن يكون الوالدان عاجزين عن الحصول على وظيفة». وقال إن سكان المنطقة عانوا بشدة من إغلاق مراكز الشباب. وأضاف «مثل تلك الأمور تؤثر على الشبان.. بريكستون واحدة من أفقر المجتمعات».

ومن غير المرجح أن يتحسن قريبا وضع البطالة خاصة لمن لديهم مؤهلات محدودة، مما يعني أن الظروف سانحة لتكرار اضطرابات السبت في مناطق ترتفع فيها معدلات البطالة والكثافة السكانية.

ولم يحقق اقتصاد بريطانيا نموا يذكر على مدى الأشهر التسعة الماضية، ويرى الاقتصاديون الذين استطلعت «رويترز» آراءهم أن النمو سيبلغ 1.3 في المائة عام 2011 مرتفعا إلى 2 في المائة عام 2012.

وفي وقت سابق من العام الحالي، طالب ديفيد لامي عضو البرلمان عن توتنهام بالاهتمام بدائرته الانتخابية التي تعاني من صعوبات جمة بعد أن أظهرت إحصاءات أن بها أكبر معدل للبطالة في لندن وعاشر أعلى معدل على مستوى بريطانيا كلها، حسبما جاء في «رويترز».

والأسبوع الماضي ثبتت صحة وجهة نظره، وإن لم يكن بالطريقة التي كان يتمناها، بعد أن تحول احتجاج بسبب قتل الشرطة بالرصاص رجلا أسود عمره 29 عاما أثناء محاولة اعتقاله لواحدة من أعنف أعمال الشغب في العاصمة البريطانية منذ سنوات. وسارع الساسة ومنهم لامي إلى إلقاء اللوم في أعمال الشغب والنهب ليل السبت وتفشي العنف في أماكن أخرى من لندن يوم الأحد الماضي على مجموعات صغيرة من المجرمين.

لكن سكان المنطقة ومعلقين يحذرون من أن ارتفاع معدلات البطالة طويلة الأجل خاصة بين الشبان وخفض الخدمات مثل مراكز الشباب في أماكن منها هارينغي وهي المنطقة التي توجد بها توتنهام، يمثلان وضعا متفجرا. وكان لامي يأمل فى تحويل توتنهام إلى منطقة مشاريع لاجتذاب الاستثمارات. وقال مايك هاردي المدير التنفيذي لمعهد تماسك المجتمع الذي يجري أبحاثا ويضع سياسات لدمج المجتمعات «هارينغي واحدة من أفقر الأماكن في بريطانيا.. في قلب لندن الصاخبة». وأضاف «الأمر لا يتعلق بالعرق أو العقيدة أو الطبقة بشكل محض. من أقوى العوامل من يملك ومن لا يملك.. الأمر يتعلق بالمهمشين».

ويحصل نحو ستة آلاف شخص في توتنهام أو ثمانية في المائة من البالغين على إعانات البطالة، أي أكثر من ضعف المتوسط في بريطانيا. ونحو خمس من يحصلون على هذه الإعانات دون سن 24 عاما، حسب «رويترز».

وقال هاردي إن ارتفاع معدلات البطالة، إلى جانب الخفض في «أدوات الدمج» مثل الرياضة والمجموعات المجتمعية، أوجدا بيئة يشعر فيها السكان بأنهم غرباء داخل مجتمعاتهم. وواصل «تعلم الناس العيش خارج المعايير... حيث لا توجد لديهم اعتبارات لأي كيانات رسمية كما نتوقع».

وسعت أكثر المجتمعات حرمانا في بريطانيا جاهدة لتشكيل شبكات دعم داخل المجتمعات ومع الكيانات الرسمية مثل الشرطة عقب أعمال الشغب خلال الثمانينات منها واحدة في توتنهام عام 1985. وفي ذلك الوقت قتل ضابط شرطة خلال أعمال شغب أشعلها مقتل امرأة كانت الشرطة تفتش منزلها.

وقد ألقى البعض باللوم على الشرطة لبطئها وعدم الإصغاء بما يكفي لزعماء المجتمع الذين حذروا من العنف المحتمل لكن مسؤولين محليين وجماعات مجتمعية تقول أن عدم الثقة في الشرطة لم يكن العامل الرئيسي وراء الاضطرابات.

وكتب لامي يقول في عمود صحافي «العلاقات بين قوة الشرطة المحلية والمجتمع تحسنت بصورة كبيرة منذ أعمال الشغب في برودووتر فارم قبل 26 عاما». وأضاف «أصبح أي رجل أمن محلي على معرفة باسم كل مراهق في منطقته وهم يعرفونه». والسكان يقولون إن القضية الأكبر هي الافتقار إلى الهدف وعدم وجود وظائف.

وقالت إريكا لوبيز، وهي طالبة جامعية عمرها 19 عاما ومتطوعة في شبكة «يانغ بيبول امباورد» التي تعني بتمكين الشبان في منطقة هارينغي «هذا غير مقبول. كان يجب ألا يبدأوا في النهب». لكنها رسمت صورة موحية لمنطقة تواجه فيها الخدمات المزيد والمزيد من الخفض مع الحد من كل الأنشطة التي يشارك فيها الشبان مثل الطهي والموسيقى والرياضة. وتابعت «خاصة خلال الصيف ليس لدينا ما نفعله.. تشعر وكأنهم أخذوا منك الأشياء التي لها أهمية».

وفي حين أن سكان توتنهام تحصنوا داخل منازلهم في مواجهة العنف الدائر بالشوارع، كان رئيس الوزراء ونائب رئيس الوزراء ووزيرا الداخلية والمالية يتمتعون جميعا بقضاء عطلاتهم في أماكن مثل إيطاليا وسويسرا وكاليفورنيا. كما أن رئيس بلدية لندن كان في عطلة.

وقال تيم هاردي من مدونة «بياند كليكتيفيزم» اليسارية لـ«رويترز»: «أعتقد أن هناك غضبا حقيقيا من الطريقة التي تسير بها الأمور، بينما يقضي زعماؤنا عطلات صيفية فاخرة لدرجة مشينة».