طهران تصور «شغب لندن» كإحدى ثورات الربيع العربي وتعرض إرسال لجنة لتقصي الحقائق

البرلمان الإيراني دعا السلطات البريطانية إلى تسهيل اللقاء بـ«المعتقلين السياسيين»

سكان يتطوعون لتنظيف حيهم في منطقة كلابهام جانكشن جنوبي لندن أمس بعد شغب الليلة قبل الماضية (أ.ب)
TT

صب المسؤولون الإيرانيون ووسائل إعلام الجمهورية الإسلامية اهتمامهم بشكل لافت، أمس، على أحداث الشغب التي تشهدها بريطانيا، العدو اللدود لإيران بعد الولايات المتحدة، واتخذت تصريحات المسؤولين الإيرانيين وكذلك صيغة التغطية الإعلامية أسلوب «التشفي والتهكم»، وعرضت الأحداث وكأنها إحدى ثورات «الربيع العربي»، ووصل الأمر إلى حد توجيه دعوة من قبل نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) حسين إبراهيمي لإرسال لجنة تقصي حقائق لبريطانيا «للتحقيق في انتهاكات الشرطة البريطانية ضد المتظاهرين»، الذين وصفهم بـ«المعتقلين السياسيين»، بينما نصح مقرر حقوق الإنسان بالبرلمان الإيراني «النظام الملكي في بريطانيا بأن يحترم حقوق شعبه بتحاشي التصرفات الوحشية»، كما دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية السلطات البريطانية إلى «ضبط النفس» في التعامل مع المتظاهرين الغاضبين.

وترفض إيران، التي لديها سجل حافل في مجال انتهاكات حقوق الإنسان، بشكل قاطع الانتقادات التي يوجهها الغرب إليها في هذا المجال وتعتبرها تدخلا في شؤونها الداخلية، وتحاول في خط مواز انتهاز أي فرصة تسنح لها لتوجيه تهم لأميركا وبريطانيا ودول أوروبية بـ«انتهاكات» مزعومة لحقوق الإنسان في تلك الدول.

ولم تفوت إيران فرصة أعمال الشغب في بريطانيا التي بلغت ذروتها أول من أمس في أسوأ موجة تشهدها البلاد منذ أعوامها، والتي كانت قد اندلعت مساء السبت - الأحد إثر مقتل المواطن (مارك دوغان) برصاص الشرطة في حي توتنهام شمال العاصمة وامتدت إلى أحياء عدة في لندن ثم أوصل لهيبها إلى مدن أخرى بريطانية مثل ليفربول وبريستول وبرمنغهام، وأسفرت عن مقتل شخص واحد واعتقال المئات فضلا عن الخسائر المادية الناجمة عن عمليات السلب والنهب وإحراق السيارات والمباني، واعتبرت السلطات في المملكة المتحدة أن الأمر تجاوز الاحتجاج على مقتل المواطن، بل تحول الأمر إلى هجمات تنظمها عصابات إجرامية لسرقة المحال التجارية والتخريب.

وأعدت وكالات الأنباء الإيرانية، أمس، تقارير مفصلة عن الأحداث في لندن وجعلتها قصتها الرئيسية، وبثت تقارير مصورة مطولة عن الحرائق التي التهمت المباني وتكسير زجاج النوافذ والاشتباكات بين الشرطة والمحتجين. وفي تقرير مصور واحد بثت وكالة «مهر» الإيرانية، شبه الرسمية، 36 صورة، تحت عنوان «الاضطرابات تعم المدن البريطانية»، بينما تحدثت وكالة أنباء «فارس» التي تعبر عن لسان حال الحرس الثوري الإيراني عن «احتجاجات عارمة» تجتاح مدينة ليفربول البريطانية، وأفادت في تقرير بأن السلطات البريطانية عززت الشرطة بـ16 ألف عنصر «لقمع الاحتجاجات». وقالت الوكالة، التي جعلت الخبر تقريرها الرئيسي أيضا، إن «الاحتجاجات كانت قد بدأت بصورة سلمية، ليل السبت، بتجمع نحو 30 من أصدقاء وأقارب (مارك) دوغان، أمام مركز شرطة توتنهام احتجاجا على مقتله على يد الشرطة، الخميس؛ لكن جوبه هذا التجمع السلمي بعنف من قبل قوات الشرطة، مما أدى إلى تصاعد التوتر في بريطانيا». وجاء ذلك بينما نقلت شبكة «برس تي في» الإخبارية الإيرانية عن نائب رئيس البرلمان الإيراني أمس، تصريحات لوكالة «فارس» بأن طهران «على استعداد لإرسال لجنة حقوق إنسان لبريطانيا للتحقيق في انتهاكات الشرطة البريطانية ضد المتظاهرين»، وتابع قائلا إن «الشرطة البريطانية اعتقلت العديد من المتظاهرين الغاضبين تجاه مقتل شاب على أيدي الشرطة»، وطالب الحكومة البريطانية وسفارتها في طهران «بتسهيل زيارة الوفد الإيراني لحقوق الإنسان لتقصي الحقائق دون إبداء أسباب ضعيفة تمنع الزيارة». وقال إبراهيمي إن «لجنة حقوق الإنسان من المقرر أن تلتقي المعتقلين السياسيين وتجري حوارات معهم، وذلك لإصدار تقرير للجهات الدولية حول المعاملة التي تم التعامل بها مع المتظاهرين».

ومن جانبه، دعا المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمان باراست الشرطة البريطانية إلى ضبط النفس في التصدي ومواجهة المتظاهرين في حي توتنهام شمال لندن.

وذكرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إرنا) أن مهمان باراست دعا الحكومة البريطانية إلى «وقف أية مواجهة متسمة بالعنف للمتظاهرين» وأكد «ضرورة عودة الهدوء من خلال إجراء الحوار ودراسة مطالب المتظاهرين». واندلعت أعمال الشغب بعد مقتل مواطن برصاص الشرطة في حي توتنهام، مما أشعل فتيل الغضب.

وأعرب مهمان باراست عن «أمله أن تؤدي عملية تحقيق مؤسسات حقوق الإنسان المستقلة إلى الكشف عن كيفية مقتل هذا الشاب الأسود في إطار الالتزام بالحريات الفردية وحقوق المواطنين بالكشف عن ملابسات هذا الحادث».

وكانت العلاقات الدبلوماسية بين لندن وطهران شهدت توترا ملحوظا في أعقاب الانتخابات الرئاسية الإيرانية المتنازع عليها في عام 2009 وتبادل البلدان طرد الدبلوماسيين والاتهامات عن المسؤولية في أعمال العنف بعد الانتخابات، حيث قمع النظام بقسوة الاحتجاجات التي اندلعت على خلفية إعادة انتخاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد التي اعتبرتها المعارضة «مزورة». ويتهم الغرب والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان، الجمهورية الإيرانية بانتهاك حقوق الإنسان واعتقال المعارضين واستهداف الناشطين، فضلا عن انتهاك حقوق النساء، ومنع حرية التعبير عن الرأي، وفرض الرقابة على وسائل الإعلام.

كما اقتنص النائب الإيراني سيد حسين ناكفي، مقرر لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى (البرلمان)، الفرصة للانتقاص من الحكومة البريطانية وطرق معالجتها أزمة الاحتجاجات، ودعا أمس إلى التوقف عما سماه «استخدام وسائل عنف ضد المحتجين» في البلاد، وقال إن لندن يجب أن « تحترم حقوق الشعب البريطاني».

ونسبت وكالة أنباء «فارس» الإيرانية إلى ناكفي القول: « ننصح النظام الملكي في بريطانيا بأن يحترم حقوق شعبه بتحاشي التصرفات الوحشية»، وأضاف: «يجب أن يستعد النظام البريطاني لمواجهة أيام أكثر قسوة».