نتنياهو يعترف بضرورة تغيير مفاهيمه الأساسية في الاقتصاد

الجيش والمستوطنون في محاولة لمنع تقليص ميزانيتيهما

TT

اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن بعض مفاهيمه الاقتصادية تحتاج إلى تغيير جذري بسبب الفوارق الاجتماعية الاقتصادية القائمة في المجتمع الإسرائيلي. وقال إنه يبارك حملة الاحتجاج (الموجهة ضد سياسته) وسيتجاوب «مع كل ما هو ممكن من مطالب المتظاهرين العادلة». ولكن قادة احتجاج لم يتقبلوا كلماته بوصفها «اعترافا بريئا». وطالبوه بوضع جدول زمني للحوار معهم. ورفضوا محاولاته لتبرير سياسته بخطر الانهيار الاقتصادي العالمي. وفي الوقت نفسه، بدأ قادة الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع والمستوطنين في الضفة الغربية حملة لإقناع المحتجين بأن الأزمة لم تنبع من الأموال الطائلة التي يحصلون عليها.

وكان نتنياهو وبعد دخول الاحتجاجات في إسرائيل أسبوعها الخامس، قد اجتمع مع رئيس لجنة الحوار مع المتظاهرين، البروفسور منويل طراختنبرغ، وأبلغه أمام كاميرات التصوير التلفزيوني أنه سيوفر له كل الأدوات اللازمة لمعالجة الفوارق الاجتماعية وإحداث تغيير في سياسة الحكومة. وأضاف «أنا أدرك أنني يجب أن أجري تغييرا جذريا في رؤيتي ومفاهيمي الاقتصادية، وفقا للتطورات المحلية والعالمية. فأنا أصغي لنبض الشارع وآلام الناس وسأتصرف بما يلائم ذلك». ولكن حتى هذه الأقوال لم تقبل بسهولة، حيث تبين أن لجنة الحوار تحتاج إلى شهرين أو ثلاثة حتى تخرج بتوصيات. وقال عدد من منظمي الاحتجاجات إن معالجة المشاكل يجب أن تكون الآن أسرع وليس من خلال عملية تستغرق وقتا طويلا. وأعربوا عن استعدادات لتنظيم مظاهرات محلية في جميع أنحاء البلاد، متوخين أن يشارك فيها 300 ألف متظاهر، كما في الأسبوع الماضي. ونقل عن مركز المعلومات في «ثورة الخيام» في تل أبيب، أورئيل طال، قوله إنه يرحب بتشكيل لجنة الحوار، ولكن «على رئيس الحكومة أن يتذكر أن المتظاهرين لن يسمحوا له بالتهرب من مطالبنا الأساسية».

وقالت مصادر سياسية، أمس، إن نتنياهو قد اتفق مع طراختنبرغ على إجراء التغييرات بشرط ألا يتم تجاوز الموازنة الحالية. وهذا يعني أن أي مبلغ سيصرف على تحقيق مطالب المحتجين، سوف يخصم من الميزانيات الحالية. والجهات التي تشعر بأن لديها فائضا في الميزانية بدأت تشعر بأنها ستدفع الثمن، وتستعد لمحاربة هذا التوجه، كل بأسلوبها. وكان أول الخائفين مجلس المستوطنات ووزارة الدفاع وقيادة الجيش.

وقد حضر رئيس مجلس المستوطنات، داني ديان، إلى مركز «ثورة الخيام» في تل أبيب، أمس، محاولا إقناع المعتصمين فيه بأن الأموال (الباهظة) التي تدفعها الحكومة على المستوطنات (التي بلغت خلال 40 سنة الأخيرة 18 مليار دولار)، هي ليست السبب في الأزمة الاقتصادية.

وأما قادة الجيش ووزارة الدفاع، فقد بادروا إلى خطوات لكسب ود المعتصمين. من بينها: إخلاء معسكرات الجيش المهجورة القائمة في قلب عدد من المدن الإسرائيلية وتبلغ مساحتها 31 ألف دونم بغرض تخصيصها لبناء عشرات ألوف وحدات السكن (حسب تقديرات الجيش 35 ألف وحدة سكن)، وإزالة الأسباب الأمنية التي كانت تمنع بناء عمارات شاهقة الارتفاع (كانوا يمنعون هذا النوع من البناء لأنه يشوش على الرادارات التي تعمل بأشعة ليزر)، ومنح الجنود المسرحين دورة مجانية لدخول الجامعات، وزيادة المشاريع والصفقات التجارية للجيش المعطاة إلى المصالح الصغيرة والمتوسطة بحيث تصبح بنسبة 30% من المشاريع على الأقل، وتقليص مدة دفع الفواتير للمصالح الصغيرة من 60 إلى 30 يوما. وصرح وزير الدفاع، إيهود باراك، بأن هذه الخطوات وغيرها تتخذ في الجيش «لأنه الشعب الذي يتألم لألمه ويشترك في همه». ولكن في الوقت نفسه فضح أن الأهداف الحقيقية من هذه الخطوات هو إبعاد شبح تقليص ميزانية العسكر. وقال باراك في هذا الشأن: «هناك من يحسب أن ميزانية الأمن هي سلة قمح يغرفون منها متى يشاؤون. إنهم يحسبون أننا في سويسرا، ويجب أن نوقظهم».

من جهة ثانية، فاجأ نتنياهو الجمهور أمس بالإعلان عن قرار رفع الرواتب بنسبة 40% لأكثر من 6000 رجل شرطة وسجان، ممن لم تمض على عملهم في سلك الشرطة 5 سنوات. وقد فسرت وسائل الإعلام هذه الخطوة على أنها دليل خوف من أن يتمرد رجال الشرطة على الحكومة في حال انتشار الفوضى في مظاهرات الاحتجاج. فهو يلاحظ أن نساء رجال الشرطة يشاركن في المظاهرات بقوة، ويخشى أن ينضم رجال الشرطة الصغار بالذات إلى المتظاهرين.

وجدير بالذكر أن رئيس لجنة الحوار، طراختنبرغ، كشف للصحف أنه لم يقبل تعيينه في هذه المهمة قبل أن يوافق نتنياهو على شروطه. وحسب صحيفة «هآرتس» فإنه اشترط سلسلة من الالتزامات الحكومية، على رأسها التزام نتنياهو الشخصي بتمرير التوصيات في المجلس الوزاري الاجتماعي الاقتصادي والحكومة، ومنع المستوى السياسي من تمييعها كما حصل في لجان كثيرة سابقة، وضمان الاستقلالية التامة في اختيار أعضاء لجنة الحوار من الخبراء، وذلك في ظل ضغوط من وزراء لإدخال مقربين من الحكومة إلى اللجنة. كما طلب عدم الخلط بين طاقم الخبراء والطاقم السياسي، وذلك بقوله «إما الوزراء أو لجنة مهنية». وقد وافق نتنياهو على هذه الشروط.

وفي المقابل، نشر قادة الاحتجاجات في شارع روتشيليد في تل أبيب، يوم أمس، ما سموه «مبادئ العدل الاجتماعي»، وتتضمن عدة نقاط منها تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية والقومية والقطاعية، وخلق تكتل اجتماعي، وتغيير أسس الخطة الاقتصادية، وتقليص غلاء المعيشة، وتوفير أماكن عمل، ومراقبة حكومية على المنتجات الأساسية، وتفضيل الضواحي الاجتماعية والجغرافية، ومعالجة الاحتياجات الأساسية للطبقات الضعيفة، وخاصة العجزة والمسنين والمرضى، والاستثمار في التعليم والصحة والأمن الشخصي، وعرض حلول حقيقية لأزمة السكن والمواصلات والبنى التحتية العامة.