عشائر دير الزور تتظاهر نصرة لبقية المدن السورية بعد إذلال أهلها

تنتج أكثر من 460 ألف برميل نفط يوميا.. وأبناؤها يعانون من البطالة

صورة مأخوذة من أحد مواقع المعارضة السورية على الانترنت تظهر دبابة وحولها عسكريون في منطقة البوكمال في دير الزور أمس
TT

ساهمت مدينة دير الزور، وفق ناشطين معارضين، في إنقاذ انتفاضة الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد من التمركز الجغرافي، فبعد أن انتقلت الاحتجاجات من درعا مهد الثورة السورية، إلى الساحل السوري، وتحديدا إلى بانياس واللاذقية، نزل أهالي دير الزور، شرق البلاد، في مظاهرات حاشدة تنادي بإسقاط النظام وتطالب بالحرية والديمقراطية.

وتظهر مقاطع فيديو عدة موضوعة على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» تحول المدينة بشكل تدريجي في الشهور الماضية إلى بؤرة ضخمة للاحتجاجات الشعبية، حيث شهدت ساحتها الرئيسية اعتصامات مسائية متواصلة وكرنفالات استعراضية وأغنيات تفنن أبناء المدينة في تلحين كلماتها المنددة بالرئيس الأسد والداعية لرحيله تمهيدا لانتقال سلمي نحو الديمقراطية. كل ذلك دفع الجيش السوري الأسبوع الماضي إلى محاصرة المدينة بأكثر من 250 دبابة كما أكد شهود عيان. ويقول ناشط من المدينة المحاصرة إن الأهالي سعوا بعد الكثير من موجات الاعتقال التي استهدفت الكثير من الشباب المشارك في المظاهرات ونتيجة التخوف من الاقتحامات التي تعرضت لها مدن سورية كثيرة كحماه وحمص ودرعا إلى إغلاق المدينة عبر وضع حواجز ترابية تمنع رجال الأمن من التغلغل في أحيائها. ويشير الناشط إلى أنه «بعد حدوث الانشقاق الكبير في صفوف الجيش السوري المرابط عند تخومها وإيواء حي الجورة الواقع على مشارف الدير لأكثر من مائة جندي من المنشقين، قامت مدفعية الجيش السوري بقصف الحي وإحداث أضرار كبيرة فيه، كما نفذت مروحيات عسكرية إنزالا جويا في منطقة البوكمال التي تبعد نحو 130 كلم عن دير الزور لعدم استطاعة عناصر الأمن الدخول إلى المدينة وملاحقة المنشقين».

ويلفت الناشط إلى أن «أسباب نزول (الديريين) إلى الشوارع ومطالبتهم بالحرية كثيرة ومختلفة، لكن أبرزها نصرة بقية المدن التي تم إذلال أهلها وقتلهم وتعذيبهم وانتهاك أعراضهم ونهب أموالهم وتخريب ممتلكاتهم»، لافتا إلى أن «البنية القبلية والعشائرية في هذه المنطقة التي تقدس مناصرة الأخ ومعاضدته في محنه لعبت دورا أساسيا في المشاركة بالمظاهرات الشعبية». ويشير مراقبون لواقع المدينة في السنوات الأخيرة إلى أن «دير الزور عانت طيلة سنوات من الإهمال والتهميش، فمنذ عام 1998 تم منع الزراعة وحفر الآبار في معظم الأراضي التي كانت تطعم جميع المدن السورية بمحاصيل القمح والذرة، باستثناء أراض قليلة على ضفاف نهر الفرات، يدفع أصحابها الرشاوى والإتاوات للمسؤولين ليسمح لهم بزراعة أراضيهم». وتصل درجة الحرمان إلى حد عدم توفر خدمات الكهرباء والمياه والهاتف في بعض القرى التابعة للمدينة، حيث لا يزال أهاليها يعيشون وكأنهم في العصور البدائية بسبب التهميش الذي يفرضه النظام عليهم.

وتؤكد إحدى الدراسات أن المدينة تنتج يوميا أكثر من 460 ألف برميل من النفط لا يستفيد من عائداتها أبناء دير الزور، الذين يعانون من البطالة وقلة فرص العمل، إذ يتوزع في أنحاء مختلفة منها نحو 800 بئر نفطي أهمها حقلا العمر والتيم. وتقوم شركة «الفرات للنفط» التابعة للقطاع العام بمشاركة شركات بلغارية وروسية وهنغارية باستخراج البترول من باطن الأرض، «لتعود الفائدة المالية على أركان النظام الحاكم الذين يستولون على إدارة شركة (الفرات)، فتدخل جميع العائدات النفطية إلى حساباتهم المصرفية عبر صفقات يبرمونها مع الشركات العالمية»، كما يؤكد ناشطون.

ويتوزع سكان المدينة، الذين يقدر عددهم بأكثر من مليون ونصف مليون نسمة، على عشيرتين كبيرتين هما البكارة والعكيدات ويتفرع عنهما الكثير من الأفخاذ كالعنيزة، وبني خالد، والطي وسواهم. ويعرب مراقبون عن اعتقادهم بأن المعارضة الشرسة التي أبداها الشيخ نواف البشير، كبير مشايخ عشيرة البكارة طوال الفترة السابقة من حكم البعث، لعبت دورا في معاقبة المدينة واتباع سياسة منهجية لتفقير أهلها. وكان الأمن السوري استبق دخوله إلى دير الزور باعتقال البشير قبل أسبوعين تقريبا، وهو يعتبر أحد أبرز المعارضين للنظام السوري وعضو تكتل إعلان دمشق. وتؤكد مصادر مقربة من البشير لـ«الشرق الأوسط» أن «النظام السوري عمد إلى شراء ابن عم الشيخ المعارض ويدعى هاجم البشير بمبالغ مالية كبيرة مقابل أن يظهر على شاشة التلفزيون الرسمي ويعلن تبرؤه منه»، نافية في الوقت عينه أن «يكون لتصريحات هاجم أي تأثير على أهالي دير الزور لأنه لا يتمتع بقاعدة شعبية فيها».

أما العشائر القليلة التي كان يحظى رؤساؤها بامتيازات من النظام الحاكم مقابل التزام الصمت، فيبدو أنها لم تعد قادرة على الاستمرار بالنهج عينه، نتيجة الدم الذي سفك على يد الأمن السوري، ما سبب إحراجا لمشايخها أمام عشائرهم وجعلهم يغيرون مواقفهم تدريجيا ويعلنون معارضتهم للنظام الحاكم.

ويلفت أحد الأهالي ممن استطاعوا النزوح عن دير الزور قبل اقتحامها من الدبابات السورية أن «المدينة كان يحكمها بشكل فعلي رئيس جهاز الأمن العسكري جامع جامع الذي تدور في فلك سلطته معظم الأجهزة الأمنية الأخرى المتواجدة في المدينة». ويوضح أنه «حين تم تعيين هذا الرجل في مدينة دير الزور تحولت إلى ثكنة أمنية، تدور في شوارعها طوال الوقت سيارات دفع رباعي تحمل رشاشا ثقيلا، أراد فرض هيمنته على السكان وزرع الرعب في نفوسهم لحظة وصوله إلى منصبه، فقام بحملة اعتقالات واسعة وأشرف على تعذيب أبناء الدير والتنكيل بهم»، لافتا إلى أن «المدينة عاشت أياما جحيمية في عهد هذا الرجل، فقد فرض إتاوات على المزارعين والتجار وشيوخ العشائر، وصار يتدخل في كل شيء حتى في امتحانات الشهادة الثانوية».

ويشير الرجل الخمسيني إلى أن «ممارسات جامع جامع وانتهاكاته المهينة بحق الناس قد تكون أسهمت في تسريع انتفاضة سكان الدير ومشاركتهم الكبيرة في المظاهرات، إذ إن الناس هناك لم تعد تحتمل أن يحكمها ضابط مخابرات لا يحترم أي تقاليد أو قيم إنسانية».