حكومة السودان تقاوم ضغوطا دولية وتحديات داخلية متزايدة

البشير يمنح الصين حق التنقيب عن النفط في 3 مناطق

TT

بعد شهر من سماحها بانفصال الجنوب، لم تحصد حكومة السودان المكافآت التي كانت تأمل فيها لكنها قاومت حتى الآن الضغوط الدولية والتحديات الداخلية المتزايدة.

وكانت الخرطوم تأمل في أن يتم نزع اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الداعمة للإرهاب، كما وعدت واشنطن، مقابل تعاونها خلال استفتاء تقرير المصير في يناير (كانون الثاني) الماضي الذي أدى إلى إعلان استقلال السودان الجنوبي في التاسع من يوليو (تموز) الماضي. كما كانت الحكومة السودانية تتوقع تخفيفا للعقوبات ومساعدات لخفض ديونها المتزايدة. إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث بعد، بينما أدى النزاع الإثني المستمر في ولاية جنوب كردفان الحدودية إلى تركيز الأنظار الخارجية على مشكلات السودان الداخلية، وهو ما كانت الخرطوم تريد أن تتجنبه.

وعكس تبادل الاتهامات يوم الجمعة بين الخرطوم وواشنطن، حيث تتعالى أصوات مطالبة بنشر قوات حفظ سلام لتجنب عملية «إبادة جماعية» قد تنظمها الحكومة السودانية، الشكوك العميقة بين البلدين. وقال القيادي في حزب المؤتمر الوطني (الحاكم) في السودان، إبراهيم الغندور، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «هناك اعتقادا سائدا في السودان بأن الأميركيين لا يفون بتعهداتهم وأنهم فقط يشترون الوقت من أجل الضغط على الحكومة».

وأضاف أن «الكثير من السياسيين هنا يشعرون بأن فكرة تغيير النظام ما زالت على رأس الخطط الأميركية». وفي الاتجاه المعاكس، أرسلت الصين أكبر شريك تجاري للسودان، وزير خارجيتها، يانغ جيشي، هذا الأسبوع إلى الخرطوم في زيارة استغرقت يومين للتعبير عن دعمها للحكومة السودانية واستعدادها لحمايتها في مجلس الأمن الدولي.

وقبل استقلال الجنوب، كان بعض المعلقين يتوقع مستقبلا قاتما للرئيس عمر البشير المتهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور.

غير أن البشير أثبت مجددا أن المحكمة الجنائية الدولية أخفقت في منع تحركاته الدولية عندما سافر إلى تشاد بعد أن تنقل بين الرياض والدوحة وبكين وطهران خلال الشهرين الماضيين.

لكن إضافة إلى خسارته للجنوب الغني بالنفط، هناك تحديات أخرى يواجهها نظام البشير من بينها الانقسامات داخل حزبه وارتفاع التضخم ونزاعات داخل حدود السودان، بحسب المحللين. ويقول خبير الشؤون السودانية في مجموعة الأزمات الدولية، فؤاد حكمت، إن «التحديات الداخلية هي الهم الأول للبشير وليس العزلة الدولية».

ويضيف: «حتى الآن تم الحفاظ على الاستقرار في الشمال باستخدام الوسائل القسرية، أي باستخدام القوة والعنف واستمرار الحرب في دارفور».

واعترف البشير نفسه في خطاب ألقاه أمام البرلمان بعد انفصال الجنوب أن الشمال يدخل مرحلة جديدة داعيا إلى «المثابرة والصبر» حتى تتحسن الأمور.

ويشعر المواطن في شمال السودان بالعبء بالتأكيد بعد أن أعلنت الحكومة خطة تقشف لخفض إنفاق السودان على الدعم بعد تراجع إيراداته بنسبة 36 في المائة تقريبا نتيجة خسارته نفط الجنوب.

وبسبب الخلافات مع السودان الجنوبي حول رسوم عبور النفط في أراضي الشمال، التي تأمل حكومة الخرطوم أن تعوضها خسارتها، أوقفت سلطات ميناء بورسودان تصدير شحنة نفط جنوبية الأسبوع الماضي، مما أدى إلى مزيد من التعقيد في العلاقات بين جوبا والخرطوم.

ولكن يبدو أن أكبر مؤشر على المشكلات التي يواجهها البشير هو الانقسام داخل الحزب الحاكم نفسه.

ففي نهاية يونيو (حزيران)، وقع نافع علي نافع، أهم مستشاري البشير والرجل الثاني في الحزب الحاكم، اتفاقا مع ماليك اغار، زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان في الشمال، مما بعث الأمل في حل دائم لنزاع جنوب كردفان.

وبعد 3 أيام، رفضت قيادة الحزب هذا الاتفاق بحجة أنه يتضمن اعترافات بحركة التمرد السابقة لحزب شرعي، وأنه لا يفترض أن يوقع حزب المؤتمر الوطني اتفاقات أمنية.

وبعد ذلك بقليل، أمر البشير الجيش بمواصلة القتال حتى يتم القضاء على التمرد في جنوب كردفان. ويؤكد الغندور أنه لا توجد انقسامات داخل الحزب، وأن الاتفاقية الإطارية التي وقعها نافع علي نافع رفضت لأسباب مشروعة.

وقال إن «هذا الحزب تحكمه مؤسسات، واتفاقية أديس أبابا تم توقيعها قبل أن يوافق عليها المكتب القيادي للحزب وعندما نوقشت رفضتها القيادة بالإجماع». غير أن آخرين يشككون في هذا التفسير.

إلى ذلك، أعلن السودان أنه منح الصين حق التنقيب عن النفط في 3 مناطق واعدة في السودان، بالإضافة إلى شراكة مع شركة «سودابت» المملوكة للحكومة السودانية في المناطق التي تمتلك حق امتياز التنقيب عن النفط فيها. وجاء الإعلان بعد لقاء بين وزير الخارجية السوداني، علي كرتي، ونظيره الصيني، يانغ جيشي، في الخرطوم.

وقال كرتي إن الرئيس عمر البشير «منح الشركة الوطنية الصينية للبترول 3 مربعات نفطية جديدة واعدة وشراكة مع الشركة الوطنية «سودابت» في الحقول التي تعمل فيها»، من دون أن يكشف أسماء هذه المواقع. كما تحدث عن «دخول 8 شركات زراعية صينية للعمل في تطوير الزراعة وتقانتها».

واختتم وزير الخارجية الصيني زيارة للخرطوم استمرت يومين تباحث خلالها مع كرتي ووزراء المالية والمعادن والاستثمار والنفط في السودان. كما التقى المسؤول الاقتصادي لحزب المؤتمر الوطني (الحاكم) في السودان. وقال كرتي إن البشير وجه بمنح تسهيلات للشركات الصينية العاملة في تشاد وأفريقيا الوسطى ودولة السودان الجنوبي لنقل معداتها عبر الأراضي السودانية للدول الـ3.