تزايد الاتهامات المتبادلة في الصراع الدائر داخل ليبيا.. والمزارع تتحول إلى ساحة معارك

مسؤولون ليبيون: غارة الناتو على ماجر قتلت 85 مدنيا منهم 33 طفلا

موظف في مستودع الأموات يمشي فوق جثت أشخاص تقول السلطات الليبية إنهم لقوا حتفهم خلال غارة لطائرات الناتو على بلدة ماجر الواقعة جنوب زليتن (رويترز)
TT

في الصراع الدائر بليبيا حيث تنهال الاتهامات المتبادلة وتحولت المزارع إلى ساحة معارك، لا يوجد أي شك في سقوط خسائر بشرية أيا كانت طبيعتها وأعدادها.

«كان المشهد مروعا وفوضويا في بلدة زليتن الساحلية أول من أمس الثلاثاء بعد أن تزاحم المصورون ومسؤولو الحكومة في مشرحة صغيرة شديدة الحرارة بأحد المستشفيات مستعينين بالأوشحة أو الأقنعة الورقية لتغطية أنوفهم من الرائحة التي تزكم الأنوف»، يقول مراسل «رويترز».

كانت المشاهد أكثر سوءا بينما كان العاملون في المشرحة يخرجون عددا من الجثث من الحقائب التي كانت ملقاة بشكل عشوائي على الأرض.. أشلاء متناثرة مغطاة بالدماء والأتربة.. وقدم موضوعة من الجهة العكسية مع جثة أحد الأشخاص، ومنظر مفجع لرضيع ما زال يرتدي الحفاضة.

هذه هي حقيقة الصراع الدائر في ليبيا منذ أكثر من أربعة أشهر بعد أن بدأت دول غربية ضرباتها الجوية لمساعدة قوات المعارضة على هزيمة قوات العقيد معمر القذافي.

وزعمت حكومة القذافي أمس أن أحدث الضربات الجوية لحلف شمال الأطلسي قتلت عشرات المدنيين، مما قد يسبب المزيد من التوتر في حملة جوية غربية بدأ يتراجع عنها التأييد، ولا تظهر لها نهاية واضحة قريبة.

وسارع المسؤولون الليبيون الذين يرغبون في أن يظهروا للعالم أن عمليات القصف التي يقوم بها حلف شمال الأطلسي ضلت عن أهدافها العسكرية، بنقل المراسلين الأجانب لمشاهدة آثار الضربات الجوية في ماجر، التي قالوا إنها قتلت 85 مدنيا هم 33 طفلا و32 امرأة و20 رجلا في وقت متأخر من الليلة قبل الماضية. وقال فرج محمد، وهو أحد سكان قرية ماجر حيث ضربت منازل ريفية منعزلة على بعد نحو عشرة كيلومترات إلى الجنوب من ساحل البحر المتوسط: «الله وحده يعلم سبب استهداف هؤلاء الناس».

بالنسبة لسكان مثل محمد الذين يتذكرون جيدا التجربة الاستعمارية الإيطالية في ليبيا والمصالح الغربية في النفط الليبي لعشرات السنين، فإن مقتل هؤلاء يمثل دليلا آخر على أنه لن يتحقق أي خير من جهود القوات الأجنبية.

عندما وصل الصحافيون رأوا أن التفجيرات الشديدة تسببت في انهيار المنازل الريفية التي كانت تحيط بها أسوار عالية في وسط حقول جافة تكسوها بقايا الزرع. وفي الداخل كان يوجد وسط الأنقاض بطاطين وحشايا وكتب مدرسية ولم يكن هناك أثر للأسلحة.

وأظهرت لقطات قدمها مسؤولو الحكومة لاحقا رجالا وهم يتفقدون مواقع القصف الليلة قبل الماضية في ما يبدو وينتشلون الأيدي والأقدام وغيرها من الأشلاء من وسط الأنقاض. ووضعت جثة رضيع إلى جانب أشلاء طفل آخر.

لكن الذين تجمعوا حول مكان الضربات في اليوم التالي كانت لديهم أقوال مشوشة وتفسيرات متضاربة في بعض الأحيان. كان هناك جيران لا يتذكرون أسماء القتلى وأشخاص لا يعرفون بالضبط أعداد القتلى، وشهادات عن سلسلة من الضربات التي كان من الصعب الربط بينها.

ربما لم يفهم الناس الأسئلة التي طرحت عليهم عبر مترجمين أو التي طرحها عليهم مراسلون لا يجيدون العربية. ربما كان أقارب الضحايا وجيرانهم يعانون من الصدمة. ولم ير المراسلون أكثر من 30 جثة طوال اليوم رغم أنه قيل لهم إن باقي الجثث نقلت إلى طرابلس أو ما زالت مطمورة تحت الأنقاض.

وقال حلف شمال الأطلسي، الذي يتهم قوات القذافي بالاحتفاظ بمعدات عسكرية وسط المدنيين، إن جنودا ربما قتلوا في الغارة التي قال إنها ضربت منطقة للتخطيط العسكري إلى الجنوب من زليتن حيث يأمل مقاتلو المعارضة تحقيق تقدم في ظل جمود في مواجهة قوات القذافي.

وفي حين قالت قوات حلف شمال الأطلسي إنه ليس هناك دليل على مقتل مدنيين في الغارة، إلا أنه مستحيل فعليا بالنسبة للحلف التحقق من طبيعة القتلى في مثل تلك الهجمات.

وكان التشوش بدا أمس مثالا على الضبابية التي يتسم بها الصراع الذي تحرص قوى الحلف على عدم الانغماس فيه، وتسعى حكومة القذافي إلى تصويره على أنه حرب صليبية تستهدف المسلمين.

وتزعم المعارضة بشكل مستمر السيطرة على بلدات تقول طرابلس إنها ما زالت تحت سيطرتها. وتتهم الحكومة حلف الأطلسي بتقييد إمدادات الغذاء والكهرباء، ويقول الحلف إن القذافي يمنع شعبه من الحقوق الأساسية. وكثيرا ما يصعب على الصحافيين التحقق من مزاعم الجانبين. وتضررت في الوقت ذاته مصداقية قيادة المعارضة نتيجة حادث الاغتيال المريب لعبد الفتاح يونس، قائد القوات العسكرية المعارضة. وكان المشهد في المشرحة المزدحمة الخانقة مساء أول من أمس تذكرة أخرى بثمن هذا الصراع بينما تنزلق ليبيا إلى مزيد من العزلة مع ارتفاع أعداد القتلى من كلا الجانبين. وفي غرفة مجاورة للمشرحة بالمستشفى كان علي مفتاح حامد، وهو من سكان ماجر، يقف إلى جوار الفراش الذي ترقد عليه زوجته التي قطعت ساقها في ما يبدو في الليلة قبل الماضية.

وقالت، بينما كانت تبدو عليها علامات الفزع من هذا العدد من الصحافيين الذي تجمع عند فراشها: «كنت أجلس مع صديقتي في المنزل عندما سمعنا فجأة صوت الانفجار. ثم غبت عن الوعي». سحبت أغطية الفراش فوق رأسها، وانتظرت أن يرحل الصحافيون.