«الشرق الأوسط» ترصد آراء سكان إحدى المناطق الأكثر تضررا

سكان بريكستون بجنوب لندن يشددون على معاقبة المتسببين ويريدون قوانين تساعدهم على مراقبة أبنائهم

سكان من بريكستون يتحدثون لـ«الشرق الأوسط» حول الشغب الذي طال منطقتهم أمس (تصوير: حاتم عويضة)
TT

بينما كان الأمن مستتبا جزئيا في بريكستون، المنطقة الواقعة في جنوب لندن والتي كانت واحدة من أكثر المناطق التي شهدت أحداث شغب وعنف خلال الأيام الماضية، اختلطت المشاعر بين السكان والمارين، ما بين الحذر والتوجس، كما بين التشاؤم والتفاؤل. كما بدا بعض المارة وكأنهم في رحلة سياحية، تتطلب المزيد من الصور للذكرى.

أفراد الشرطة كانوا يحيطون بالمنطقة من كل الجهات وسط نظرات الموجودين خوفا من حدوث أي ردود فعل، في حين حرص رجال الأمن على الدخول إلى أحد فروع متجر لبيع الأدوات الرياضية، تعرض للنهب بأكمله، ومساعدة زملائهم المكلفين أخذ البصمات من أجل الحصول على أي أدلة توصل إلى المتسببين في إضرام النار.

سكان المنطقة بدا عليهم التعطش الكبير للحديث والتعبير عن إحباطهم مما حدث، وبدا تفاعلهم كبيرا أثناء حديثهم لـ «الشرق الأوسط» التي قامت بجولة ميدانية لبعض مناطق الأحداث في لندن.

أحدهم يدعى ميرسون رأى أن الإعلام البريطاني يحاول تصوير الموضوع وكأن المتسبب الوحيد فيه هم أصحاب البشرة السوداء وهذا غير صحيح، على حد تعبيره. ويبين «صحيح هم لم يشيروا إلى ذلك في كتاباتهم، ولكن الصور التي كانت تعرض كانت تظهر فقط أصحاب البشرة السوداء، وهذا الأمر غير عادل، فمرتكبو أعمال العنف هم من طبقات مختلفة ومن البيض أو السود، هذا لا يفرق، ولكن ما نعانيه من أخطاء الحكومة هو المهم فيما حدث».

وتعود مسألة حقوق الوالدين في تربية أبنائهم مرة أخرى للظهور على السطح. وتقول جيمي، وهي أم لأربعة أطفال «هناك مشكلة قديمة ومتجددة في الوقت الراهن، وهي أن أسباب اتجاه مجموعة من المراهقين والشبان إلى أعمال العنف هو عدم تلقيهم لتربية مناسبة من أسرهم، وذلك لأن الكثير من الوالدين يفتقدون لحقوقهم الكاملة في التعامل الصارم في المواقف التي تحتاج للتعامل مع أبنائهم، لأن ذلك ممنوع في القانون البريطاني، وهذه هي مشكلة الحكومة إذن. لماذا لا تريد الحكومة مساعدتنا على تربية أبنائنا بطريقة ملائمة، فهناك مقولة مشهورة لدينا، مفادها أنك لكي تكون رحيما تحتاج لأن تكون قاسيا في بعض الأحيان، ولكن هذا ليس موجودا على أرض الواقع، فالحقوق تأتي دائما إلى جانب الأبناء أكثر من الآباء، وهذا يعني أن مشكلة المراهقين ستستمر فيما يبدو».

وكان حديث رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الذي تعهد بفعل ما يلزم لإعادة النظام، قد أخذ نصيبه من التعليقات المتهكمة أحيانا والمنتقدة أحايين أخرى. وترى إمني وهي أم لطفلين أن كاميرون غير موضوعي فيما قال. وتضيف «هو يؤكد أنه سيقوم بمعاقبة كل المتسببين في الأحداث، ألا يعلم أن هناك من هم أعمارهم ما بين الـ18 والـ14 من الذين شاركوا في الأحداث، هؤلاء لا يستحقون العقاب. هم في حاجة للدعم والتوجيه ومساعدتهم على عيش حياتهم بطريقة مرتبة، وكذلك دعم أسرهم وإعطائهم حقوقهم في التعامل مع الأبناء، وليس عقابهم كما يريد كاميرون».

ويبدو أن هذا الرأي لم يعجب كثيرا أحد سكان المنطقة الذي كان يسترق السمع عن بعد، حين تداخل في النقاش وقال «إذا تمكنت الشرطة من القبض على الشبان المتسببين في الأحداث فسأكون راضيا بذلك، ليس لأنهم مجرمون في نظري، بل هم على العكس ضحايا، ولكن لأن الحكومة تسير في تطبيق حملة تقشف، وهذا تترتب عليه أمور كثيرة.. قلة موارد الأسر، بطالة، وقوع جرائم، وهذا يكون صعبا على الأسر والوالدين خاصة في مواجهته». ويضيف «أفضل الطرق أن تقبض عليهم الشرطة، وتتعامل معهم، لتعرف مدى خطورة الاتجاه الذي تسير عليه حكومة كاميرون».

ورغم أن مفردة الحرية تأتي كمطلب لكثير من الشعوب، فإن هناك بعض البريطانيين يرون أنهم قد أحرقوا بالجانب الأسود لها، كما تصف آفريا، وهي معلمة للصفوف المتوسطة. وتؤكد «الكثير من الطلاب باتوا لا يظهرون احتراما لمدرسيهم فضلا عن آبائهم، وذلك بسبب طريقة الأنظمة البريطانية في تعامل الوالدين مع أبنائهم». وتؤكد أن بعض القوانين في بريطانيا تسير على نحو غير معقول «فصغار السن يسيرون وفق القوانين بصورة تمنحهم الحرية لفترة طويلة منذ أن يعقل الشخص بنفسه وحتى يتعدى سن الـ18، وهنا أتساءل بعد هذه الفترة الطويلة: هل يمكن أن نعاقب هؤلاء على أي رد فعل يصدر منهم، هذا أمر غير معقول، وربما صعب، ولا أود أن أكون متشائمة ولكن ربما الأيام المقبلة، ستكون أكثر صعوبة مما هي عليه الآن».

وتتطرق المتحدثة ذاتها إلى الشبان الذين قاموا بأعمال العنف فتقول «لو لاحظتم في هذه الأسواق التي أمامكم، لرأيتم أن الفكرة ليست سرقتها وجني ما تحويه، وإنما تدميرها، تماما، وإلا ما الفائدة من الحرق، وهذا يؤكد أن ذلك عبارة عن ردود فعل لما تعانيه هذه الفئة من عدم اهتمام سواء من المجتمع أو أسرهم، لأسباب تراكمية تبدأ وتنتهي من القوانين البريطانية في تربية الأبناء».

ويقول أحد الشبان الواقفين وبدا أنه يعاني من حالة مالية متدنية «قبل أن تطالب الحكومة بحقوقها، عليها أن تعطينا حقوقنا. فالإعانات المالية توقفت عن كثير من الأسر، وهذا يعني مجهودا أكثر من الوالدين في تحصيل المال وليس في تربية أبنائهم».

ولدى سؤاله حول ما إذا كانت المخدرات لها تأثير على مثل هؤلاء الفئة من الشباب والمراهقين وبالتالي توجههم للعصابات المتفرقة كعوائل بديلة، صمت الشاب قليلا قبل أن يسترسل «هذا صحيح تماما، ولكن لماذا لا نسأل ما هو سبب لجوء مثل هؤلاء الشبان للمخدرات ومن ثم للعصابات؟! إنها أنظمة التقشف». أما المعلمة شارلوت فرأت أن من بين الحلول التي ربما تخفف من وطأة الأزمة «إعطاء الوالدين حقوقا أوسع في طريقة تربية أبنائهم، والتعامل مع مشاكلهم منذ مرحلة مبكرة، لتلافيها في مراحل أكبر».

وبدورها، قالت هينغ لين وهي تستعد لإغلاق محل التجميل الخاص بها «هذا أول يوم نفتتح فيه المحل بعد إغلاق دام 3 أيام». وأضافت «ما زال الوضع غير مستقر وهذا ما يدفعنا لإغلاق المحل في الساعة الثالثة». ومن جهته أشار سايمون باكيو، وهو حارس مبنى لأحد محلات الملابس والذي يقف إلى جانب بوابة المحل المهشمة قائلا: «لم يدخل أي زبون للمحل خلال 10 دقائق، كل ما أستطيع عمله هو الابتسام لهم أمام هذا الباب المهشم».

من جهتها قالت فيونا دون لـ«الشرق الأوسط» «إن الناس في منطقة الشرق الأوسط يكافحون من أجل الحصول على حريتهم، وهنا يجري التعدي على حرية الآخرين من أجل الحصول على زوج من الأجهزة الرياضية وجهاز تلفزيون بشاشة مسطحة».