البصرة تحت رحمة إيران وسكانها يخشون تفريط المالكي في مصالحها

الحكومة تتغاضى عن عمليات التنقيب عن النفط في الحقول المشتركة.. وصيادو المحافظة مهددون

TT

سيزود العراق العالم بآخر برميل نفط، وهذا البرميل سيأتي من البصرة، حسب ما يقول مسؤول محلي في المحافظة.

وتعتبر هذه المحافظة الجنوبية، التي تتربع على عرش الثروة النفطية في العراق بامتلاكها 120 مليار برميل نفط غير مستغل، والواقعة بين إيران والكويت، مفتاحا أساسيا لمستقبل العراق الاقتصادي. غير أن سكانا محليين ومسؤولين قلقون من كونهم متخلفين عن دول الجوار، التي تتمتع ببنية تحتية وإمكانات لاستخراج النفط أكثر تطورا بكثير.

وفي حين يستعد الجيش الأميركي لمغادرة العراق في موعد نهائي أقصاه نهاية العام الحالي، تنتاب السكان هنا مخاوف من أن تعجز الحكومة المركزية في بغداد عن الحفاظ على مكانة المحافظة في مواجهة دول الجوار، التي تحدوها رغبة قوية في الاستحواذ على موارد الدولة الضخمة وأسواقها التي يعوزها التطوير الكافي.

وفي الأشهر الأخيرة، استضاف قادة البصرة وفودا تجارية من الصين وإيطاليا وكوريا الجنوبية، تلك الدول التي تتوق للاستفادة من ثروة هذه المحافظة، كما افتتحت الولايات المتحدة أولى قنصلياتها هنا في يوليو (تموز) الماضي على أمل إنعاش الاقتصاد الأميركي.

لكن زعماء المحافظة يشكون من أن حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي أكثر اهتماما بعقد صفقات تجارية مع إيران من اهتمامها بدعم مصالحها الداخلية. ووقعت الدولتان في الشهر الماضي اتفاقيات تعاون مشترك بينهما في جوانب متعلقة بالثقافة والعلوم والتكنولوجيا والنقل، وهي خطوة قال المالكي إنها تجسد «مرحلة جديدة من التعاون».

وعلى الرغم من ذلك، ومع هذا التعاون الاقتصادي بين البلدين، فإن المسؤولين في البصرة يعتقدون أن القادة العراقيين يتيحون الفرصة لإيران لأخذ مبادرة استخراج النفط من حقول النفط الواقعة على الحدود العراقية - الإيرانية والمتاحة لكلتا الدولتين. وأشار فريد الأيوبي، المسؤول في مجلس محافظة البصرة ورئيس لجنة النفط والغاز في المجلس، إلى أن «العراقيين كانوا في سبات عميق»، في حين بدأت إيران سرقة نفط العراق من على الحدود بين البلدين. وأضاف: «إنها قضية خاسرة».

والآن فقط بدأ العراق توقيع اتفاقات مع شركتي النفط «رويال دوتش شيل» و«بي بي» لتطوير الحقول وتوفير إجراءات أمنية كافية لمنع عمليات استخراج النفط غير القانونية عبر الحدود بين العراق وإيران، وهي تأتي بذلك متأخرة بسنوات عن إيران والكويت، بحسب الأيوبي. ورفض مسؤولون حكوميون رفيعو المستوى في بغداد طلبات بالتعليق على عمليات استخراج النفط على طول الحدود بين البلدين.

في الوقت نفسه، وعلى الرغم من محاولات من قبل بغداد لإيقاف المشروع، فإن الكويت تمضي قدما في خططها لبناء ميناء بحري بتكلفة قدرها ملايين الدولارات بجزيرة بوبيان، الكائنة في موقع يتمتع بأهمية استراتيجية حيوية على الحدود الشمالية للخليج العربي. ويقول الأيوبي وآخرون إن ميناء الكويت سوف يقيد إمكانية وصول العراق لكل من الخليج والسفن الكبرى التي يمكنها أن تجلب صفقات لميناء مماثل يعتزم إقامته في الفاو.

وفي الميناء الحالي في الفاو، تنتشر عشرات من سفن الصيد المهجورة على طول شط العرب، الذي يربط نهري دجلة والفرات بالخليج العربي. وكانت نسبة تقدر بنحو 70 في المائة من سكان مدينة الفاو تكسب قوت يومها من العمل بالصيد، لكن زيادة التلوث في النهر والخلافات مع حرس الحدود الإيراني القائم بحراسة المياه الحدودية تجبر معظم الصيادين على البحث عن عمل جديد. وقد قتل صياد عراقي الشهر الماضي على النهر من قبل حراس حدود إيرانيين، وهي الحادثة الأخيرة في سلسلة من حوادث القتل أو الاختطاف التي تشهدها البلاد منذ احتدام الخلاف على طول الحدود بعد غزو الولايات المتحدة العراق في عام 2003. وقال حسين علي كمال، وكيل وزارة الداخلية العراقية: «نحن نعتبر حادثة القتل هذه جريمة». وأضاف أن إيران «يجب أن تعي أن دم أي عراقي لا يقدر بثمن».

غير أن كمال، الذي تشرف وزارته على القضايا المتعلقة بالأمن على الحدود بين البلدين، قال إن قواته تفتقر إلى الأيدي العاملة اللازمة لتشكيل دوريات حراسة مماثلة على الحدود، كما يعوقها امتثال العراق لشروط معاهدات الحدود الدولية.

ذلك العجز عن اتخاذ إجراء أكثر صرامة يثير حنق حميد طاهر جابر، الذي قتل ابنه الصياد على يد إيرانيين قبل ثلاث سنوات. وقال: «ليس لدينا من يحمينا ويحافظ على حقوقنا ويبعد إيران عن التدخل في شؤوننا». وقال جابر إن عجز الحكومة المركزية عن حماية الصيادين يعني أنهم سوف يظلون بعيدين عن مهنتهم.

محافظ البصرة، خلف عبد الصمد، عضو في ائتلاف دولة القانون الحاكم لكنه على خلاف مع رئيس الوزراء. ومع أن عبد الصمد ذكر أنه سوف يركز على العمل من أجل جذب المزيد من الاستثمارات الدولية، إلا أنه لا يزال يتعامل مع مشكلة النقص في الكهرباء، وهي مشكلة مزمنة على مستوى الدولة يتعين على حكومة المالكي إيجاد حل لها. وتأتي النسبة الأكبر من الكهرباء في البصرة من مصادر إيرانية، وهي نقطة خلاف أخرى بين السكان الذين يتهمون إيران بتزويد العراق عن عمد بطاقة كهربائية ذات جهد منخفض لا يعتمد عليها. وللتصدي بشكل سريع لمشكلات النقص في الكهرباء، قال عبد الصمد إنه يعتزم التشاور مع مسؤولين بالبصرة لإقناعهم بإنفاق مبلغ قيمته 38 مليون دولار على شراء مولدات كهرباء جديدة ووقود. لكنه يجب أن يحصل في البداية على موافقة من المسؤولين في بغداد، الأمر الذي لم يحدث فعليا. وقال: «لقد أوشك الصيف على الانتهاء، ومنذ مايو (أيار)، ونحن في انتظار 1.000 مولد كهربائي لتزويد المحافظة بالكهرباء». وقال إنه يرغب في أن تفك حكومة المالكي قبضتها عن الشؤون اليومية وتسمح له بإنشاء حكومة إقليمية تتمتع بحكم شبه ذاتي كالحكومة القائمة في كردستان الشمالية، التي تتمتع باستثمارات يصل حجمها إلى مليارات الدولارات، معظمها من تركيا. غير أن المالكي يعرقل تلك المحاولات، متهما مؤخرا هؤلاء الذين يحثون على مزيد من السيطرة المحلية بأنهم «يزعزعون وحدة العراق واستقراره».

من ثم، سيتعين على عبد الصمد الانتظار لفترة أطول للحصول على رد نهائي. وفي بعض الأحيان، ينتظر في الظلام. ومع عرض محافظ البصرة مخاوفه على مسؤولي بغداد، انقطعت الكهرباء في مكتبه. وتساءل أحد الحاضرين مازحا «هل الكهرباء اليوم آتية من إيران؟»، مما أثار الضحكات. وظهرت على المحافظ، الجالس خلف مكتبه، علامات الغضب الواضحة، فقط ابتسم بشكل ينم عن انفعال شديد.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»