موراتينوس لـ «الشرق الأوسط»: يجب إيجاد حل سياسي ودبلوماسي عاجلا أم آجلا في ليبيا.. وليس بالضرورة عسكريا

وزير خارجية إسبانيا السابق: الجنوب لن يقبل بعد الآن بتلقي إملاءات من الشمال بشأن ما يجب عليه فعله

ميغيل أنخيل موراتينوس (إ.ب.أ)
TT

ميغيل أنخيل موراتينوس، وزير خارجية إسبانيا السابق، قال إنه يتم التحضير لعقد منتدى مختلف ومغاير في الإمارات العربية المتحدة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، يروم التفكير في الرهانات الكبرى لمنطقة الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن المنتدى لن يعرف مواكبة صحافية، وزاد قائلا: «يمكن أن يحضر فيه صحافيون كمشاركين وليس لحضور المؤتمرات الصحافية».

وزاد موراتينوس قائلا: «سبق أن قلنا في إطار هذا المسلسل إنه يجب تعميق الديمقراطية، وتقوية دولة القانون، وإقامة منطقة تبادل حر، بالإضافة إلى تطوير ظروف المعيشة في الضفة الجنوبية للمتوسط، وتوسيع دور المرأة ومشاركتها الاجتماعية والثقافية، وهذه كلها أشياء موجودة في تحليلات مسلسل (برشلونة)، لكن المشكلة تكمن في أن الحوار على المستوى الرسمي والإداري كان يجري في ظل وجود نقص في الشرعية السياسية، أما الآن، وبفضل حركة الشعوب والمواطنين العرب في شمال أفريقيا، صار بإمكاننا أن نتذاكر ندا لند»، معتبرا أن الجنوب لن يقبل بعد الآن أن يتلقى إملاءات من الشمال بشأن ما يجب عليه فعله.

وتحدث موراتينوس عن الإصلاحات الدستورية التي عرفها المغرب مؤخرا، وقال إن المغرب قام بخطوة إلى الأمام، فعلى الرغم من أنه لم يكن تحت ضغط اجتماعي وشعبي فقد قرر المضي إلى الأمام. إلى ذلك، قال موراتينوس إنه ليس بالضرورة أن يكون الحل في ليبيا عسكريا، مشددا على ضرورة إيجاد حل سياسي ودبلوماسي عاجلا أم آجلا. واعتبر أن الوضع الراهن في منطقة الساحل يتطلب تحركا إقليميا من لدن دول المنطقة نفسها وبعد ذلك يجب انخراط المجموعة الدولية، وخصوصا الاتحاد الأوروبي الذي توجد لديه مصالح استراتيجية وتاريخية في المنطقة.

وكشف موراتينوس أنه تم إرجاء النظر في الوضع بمنطقة الساحل جراء اندلاع الأزمة الليبية، وقال إنه يجب العودة إلى بحث هذه المسألة لأن الحل في ليبيا يمر عبر توطيد الاستقرار في الساحل. وفي ما يلي نص الحوار.

* تعدون مع مجموعة من وزراء الخارجية السابقين والحاليين لمؤتمر في الإمارات العربية المتحدة خلال شهر نوفمبر المقبل فهل يتعلق الأمر بـ«دافوس» جديد؟

- أنه منتدى مختلف ومغاير، له رغبة في التوجه نحو اتجاه محدد، ونريد من خلاله ضمان التميز، ونوعية الشخصيات المشاركة التي تمثل أحسن رجال السياسة وخبرائها، ولكننا نريد أن نحتفظ بالبعد الذي يبقى قابلا للتسيير، في اتجاه مشاركة الجميع. بمعنى أنه بعد لا يتجاوز الموائد المستديرة لآلاف الأشخاص. أما العنصر الثاني في هذا المنتدى فيكمن في عدم وجود الصحافة، بحيث يمكن أن يحضر فيه صحافيون كمشاركين وليس لحضور المؤتمرات الصحافية، وكل هذا سيتم في إطار ترتيبات لوجيستية مقدمة من لدن دولة الإمارات العربية المتحدة، ونحن سنكون جزءا من نواة التنظيم حتى نتمكن من المضي قدما في التفكير في الرهانات الكبرى لمنطقة الشرق الأوسط.

* ما هو بالضبط الهدف من هذا المنتدى؟ وهل تنوون من خلاله تقديم استشارات وتوصيات لزعامات العالم؟

- هناك مشاركة عدد كبير من وزراء الخارجية، وكثير من أصحاب القرار السياسي، وبالتالي سيتم استخلاص الخلاصات التي يمكن أن تصبح في ما بعد عملية إذا ما قام أصحاب القرار بعد ذلك بالتعامل المباشر مع المشكلات والقرار السياسي المتطابق معها.

* تم مؤخرا تعيين أمين عام مغربي للاتحاد من أجل المتوسط، والملاحظ أن مشروع الاتحاد لم يتقدم جيدا نحو الأمام. فكيف ترون ما له في ظل الوضعية الحالية لبلدان الضفة الجنوبية للمتوسط (حرب في ليبيا، ومشكلات في تونس، واضطرابات وتوترات في سوريا)، بينما في الضفة الشمالية نجد أزمة اقتصادية في اليونان وإسبانيا والبرتغال.. فما هي أولويات هذا الاتحاد، وما هي الآليات المطلوبة للدفع بهذا المشروع إلى الأمام؟

- لقد تلقينا برضا كبير تعيين صديقنا يوسف العمراني، أمينا عاما للاتحاد من أجل المتوسط، ولقد كنت حاضرا في حفل تنصيبه إلى جانب نظرائي في فرنسا والمغرب ومصر. وقد أثرنا آنذاك أهمية الاتحاد، وبخاصة الفرصة التي يتيحها لكل هذه الأوضاع الاستراتيجية المطروحة الآن. وأعتقد أنه إذا لم يكن الاتحاد من أجل المتوسط موجودا فإنه يجب أن نخلقه. إن الاتحاد من أجل المتوسط هو وريث مسلسل «برشلونة» الذي أشارت تحليلاته إلى الكثير من الأشياء التي تحدث اليوم. فقد سبق أن قلنا في إطار هذا المسلسل إنه يجب تعميق الديمقراطية، وتقوية دولة القانون، وإقامة منطقة تبادل حر، بالإضافة إلى تطوير ظروف المعيشة في الضفة الجنوبية للمتوسط، وتوسيع دور المرأة ومشاركتها الاجتماعية والثقافية، وهذه كلها أشياء موجودة في تحليلات مسلسل «برشلونة»، لكن المشكلة تكمن في أن الحوار على المستوى الرسمي والإداري كان يجري في ظل وجود نقص في الشرعية السياسية، أما الآن، وبفضل حركة الشعوب والمواطنين العرب في شمال أفريقيا، صار بإمكاننا أن نتذاكر ندا لند. فالجنوب لن يقبل بعد الآن أن يتلقى إملاءات من الشمال بشأن ما يجب عليه فعله. ففي إطار هذه العلاقة الجديدة، وفي ظل هذا التوازن الجديد بين شمال وجنوب المتوسط يجب أن يتم اقتسام الأدوار، لا سيما لجهة التقدم السياسي والاستراتيجي للمتوسط. أنا متفائل إزاء ذلك، لقد تحدثنا عن الأزمة السياسية في الجنوب والأزمة الاقتصادية في الشمال. يمكن قول نعم مثلما يمكن قول لا، ذلك أن الأمر الآن لا يتعلق بأزمة سياسية في حد ذاتها بقدر ما يتعلق بأزمة سياسية من أجل التقدم إلى الأمام. أي أزمة سياسية تقدم قدرات جديدة لشعوب ومواطني الجنوب من أجل التقدم إلى الأمام. وبالنسبة للأزمة الاقتصادية في شمال المتوسط، يمكننا الحديث عن أزمة اقتصادية في إسبانيا واليونان لكن يجب أن لا ننسى أن إسبانيا هي دائما القوة الاقتصادية التاسعة في العالم. فإذا كنا في إسبانيا في أزمة فماذا سنقول عن باقي الدول؟ إننا بصدد القيام بتقويم اقتصادي لما كان تنمية اقتصادية واجتماعية، وكذلك الأمر في اليونان وآيرلندا، لكن ما أراه الآن هو أن المستقبل السياسي للجنوب يقدم إمكانات ضخمة اقتصادية وثقافية واجتماعية للشمال، وهذا ما علينا فعله معا بحيث يتماهى الشمال في الجنوب، والعكس بالعكس، ويصبحان على قدم المساواة، وهذا هو الاتحاد من أجل المتوسط. وأعتقد أن الاتحاد من أجل المتوسط عرف تقدما حول الحوار الاستراتيجي، والآن يجب أن نترك أمانة الاتحاد للعمل على مشاريع ملموسة، وفي الوقت نفسه إضافة رهانات جديدة مثل تلك التي قمنا بمناقشتها هنا في أصيلة من قبيل الطاقات المتجددة، وهي رهانات تعطي قدرات كثيرة لتنمية المنطقة كلها.

* أنت خبير كبير بشأن الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط. لقد كنت مبعوثا سابقا للاتحاد الأوروبي إلى المنطقة، ووزيرا للخارجية الإسبانية. كيف ترون الشرق الأوسط الجديد؟

- أعتقد أننا بصدد معايشة استقلال سياسي واجتماعي واقتصادي جديد لكل المنطقة. صحيح أن لكل بلد تاريخه الخاص وظروفه الخاصة، وكذلك أحلامه وأجنداته، لكن هذا المسلسل لا رجعة فيه. وما نريده هو شرق أوسط لديه قدرات، ومعطيات، ورضا لدى مواطنيه الممثلين والمشاركين في المهام السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأظن أننا يمكننا التقدم إلى الأمام، فكل المنطقة العربية الإسلامية في الشرق الأوسط هي بصدد التغيير في الاتجاه الصحيح، لكن عليهم هم أن يبادروا بالتحرك. وبالنسبة لنا نحن، سنرافقهم ونشجعهم وندعمهم ونساعدهم، ولكن ليس مطلوبا منا القيام بإملاءات أو إعطاء الدروس لأي كان.

إن شعوب المنطقة هي التي رفعت راية الديمقراطية والحرية، وهذا ما يجب علينا دعمه وتقويته حتى يترسخ على أرض الواقع.

* هل لك أن تقدم لنا قراءتك للأوضاع في تونس ومصر بعد قيام الثورة فيهما، وأيضا قراءتك لما يحدث في سوريا أيضا؟

- هناك مسلسل التغيير والانتقال، وأنا أعتقد أن لكل بلد معوقاته وواقعه، وبالتالي فإن كل شعب هو بصدد رد الفعل. وأنا متفائل بالنسبة للجميع، وعموما لكل وتيرته وقدراته. فتونس هي التي بدأت، إنها معدة بشكل جيد لذلك، فهناك طبقة متوسطة، وهناك دور المرأة، خصوصا في المجال التربوي. بمعنى أن هناك نقاط قوة كثيرة. أما مصر فهي بلد أدار المرحلة الانتقالية بطريقة سلمية. فكلا البلدين لديه الدرس الكبير للتاريخ الذي يجب أن يظل راسخا في الذاكرة الجماعية للمجموعة الدولية. فحينما نتمكن من القيام بالتغيير بطريقة سلمية دون وقوع خسائر بشرية فهذه الرسالة يجب أن تمر عبر كل الاتجاهات. وفي هذا السياق، فإن المغرب قام بخطوة إلى الأمام، فعلى الرغم من أنه لم يكن تحت ضغط اجتماعي وشعبي، فقد قرر المضي إلى الأمام. لذا؛ يجب التقدم إلى الأمام. وأتمنى أن يتم كل هذا من أجل صالح هذه الشعوب.

* بخصوص المغرب، يعتبره الكثير من المراقبين استثناء، فالملك محمد السادس تجاوب بسرعة مع مطالب شعبية، وركب موجة الإصلاحات، وقدم دستورا جديدا. هل تعتقد أن المغرب بإمكانه أن يكون نموذجا يحتذى به في المنطقة؟

- الملك محمد السادس كان واضحا، وكانت لديه نظرة ثاقبة إزاء المستقبل بالنسبة للمنطقة وبالنسبة لبلده، وكانت لديه الشجاعة لاتخاذ قرار تاريخي، وكان على موعد مع التاريخ، وهذا الموعد مع التاريخ سجل تغييرا دستوريا، وفي هذا السياق، أقول نعم لقد كان المغرب نموذجا لأنه لم ينتظر حتى يطلب منه الآخرون ويلحون عليه القيام بما قام به. لقد تحرك الملك وأيد الشعب تحركاته، بمعنى أن كل السلسلة السياسية المغربية تتبع الوعي بالتغيير، وهذا ما يجب الإشادة به وتشجيعه، وفي هذا السياق أقول «نعم» إن المغرب حالة استثنائية، وهذا أيضا راجع لكون المغرب تطور منذ مدة وكانت هناك تغييرات، لكن النضج السياسي والديمقراطي للمغرب يبرز أنه كان جاهزا للقيام بهذا التغيير.

* الملاحظ أن تنظيم القاعدة يتمدد في منطقة الساحل، ونرى أن هناك مواجهة بين موريتانيا ومالي والتنظيم. كيف يمكن وقف تمدد القاعدة في المنطقة؟

- بالنسبة للساحل، وخلال الشهر الأخير من مهامي على رأس وزارة الخارجية الإسبانية قمت مع صديقي ونظيري الفرنسي برنار كوشنير بإثارة انتباه السيدة كاثرين أشتون, وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي بشأن استراتيجية الاتحاد الأوروبي إزاء الوضع في منطقة الساحل، وهي منطقة حيوية واستراتيجية، تظهر حقيقة التقلبات والأخطار التي تتفاعل في المنطقة. لقد أشرتم إلى وضعيتي موريتانيا ومالي لكن الأزمة الليبية أظهرت أن جنوب ليبيا ليس مؤمنا، بحيث إننا لا نعرف كيف تتلقى «القاعدة» الأسلحة، وكيف تجهز نفسها بكل أنواع التجهيزات العسكرية، وكل هذا يتطلب تحركا إقليميا من لدن دول الساحل نفسها، وبعد ذلك يجب انخراط المجموعة الدولية، وبخاصة الاتحاد الأوروبي الذي توجد لديه مصالح استراتيجية وتاريخية في المنطقة. ولقد أثرنا هذه المسألة مع أشتون، إلا أنه تم إرجاء النظر فيها جراء اندلاع الأزمة الليبية، لذا تجب العودة إلى بحث هذه المسألة نظرا لأن حل الأزمة الليبية يمر عبر توطيد الاستقرار في منطقة الساحل.

* رغم حملة «الناتو» المتواصلة على ليبيا فإن القذافي ما زال في مكانه. هل تعتقد أن الحل العسكري هو الحل الوحيد للأزمة الليبية؟

- أنتم تعرفون أن قرار الأمم المتحدة يهدف إلى حظر الطيران الليبي لتجنب الهجمات وقتل المدنيين، ومن هنا جاءت مشاركة «الناتو»، ومشاركة إسبانيا، وانطلاقا من هنا يجب بوضوح إيجاد حل للأزمة في أقرب وقت ممكن لأن الأوضاع أصبحت غير محتملة، وهناك الكثير من الخسائر البشرية، ومعاناة الشعب الليبي، وهناك أيضا رغبة في التركيز على المشكلات الكبرى التي تواجه «الربيع العربي»، وهي مشكلات تم التأخر في معالجتها جراء الأزمة الليبية. لذا يجب في أقرب وقت ممكن إيجاد حل ليس بالضرورة أن يكون عسكريا، يجب إيجاد حل سياسي ودبلوماسي عاجلا أم آجلا.

* كيف ترون إسبانيا مع الحزب الشعبي؟

- هناك انتخابات عامة في الأفق. ويجب الانتظار إلى حين يقرر الشعب الإسباني من سيفوز بالاقتراع. أنا لدي اليقين أن حزبي (الاشتراكي العمالي) سيواصل تحمل زمام الأمور.. فأنت تعرف أنه في السياسة هناك دائما التحقيقات والتقديرات، لكن التقدير الوحيد يظل هو يوم الاقتراع لذلك يجب الانتظار، ولننظر ما سيحصل. فأنا أحب دائما أن أرى بلدي مسيرا من لدن حكومة اشتراكية.

* هل ستترشح للانتخابات المقبلة؟

- أنا الآن نائب في البرلمان، وسأرى لاحقا ما أريد القيام به.