الحق في حذف المعلومات الشخصية من الإنترنت.. ممكن في أوروبا وصعب في أميركا

دعاوى ضد «غوغل» في عدة بلدان أوروبية.. وجدل حول التوازن بين حرية التعبير والخصوصية

فرناندو بيريس ناشر صحيفة حكومية إسبانية: «بعض المعلومات قد تكون قيمتها خلال فترة زمنية محددة» (نيويورك تايمز)
TT

يريد 90 شخصا حذف البيانات الخاصة بهم من شبكة الإنترنت، بينهم ضحية للعنف المنزلي كانت قد اكتشفت أنه يمكن العثور على عنوانها بكل بسهولة من خلال البحث على محرك البحث «غوغل»، في حين اعتقدت سيدة أخرى في منتصف العمر أنه ليس من العدل أن يتم الكشف أنه تم القبض عليها عندما كانت تدرس بالجامعة بمجرد الضغط على مفاتيح الكومبيوتر. ربما لم يتم الاستماع إلى حجج هؤلاء الأشخاص في الولايات المتحدة التي يوجد بها مقر شركة «غوغل»، ولكن هنا، وكما هو الحال في أماكن أخرى في أوروبا، تبرز فكرة أن الأفراد ينبغي أن يكون لهم الحق في أن يطالبوا بحذف بياناتهم الشخصية من شبكة الإنترنت.

وتؤيد الحكومة الإسبانية هذه القضية الآن، حيث طلبت من شركة «غوغل» أن تتوقف عن فهرسة المعلومات الخاصة بالتسعين شخصا الذين قدموا شكاوى رسمية إلى «الوكالة الإسبانية لحماية البيانات الشخصية». ويتم تداول هذه القضية في المحاكم الآن، ويتم مراقبتها عن كثب في جميع أنحاء أوروبا لمعرفة الكيفية التي يمكن أن تؤثر على سيطرة المواطنين على المعلومات التي يقومون بنشرها أو المعلومات التي تم نشرها عنهم على شبكة الإنترنت.

ومهما يكن الحكم الصادر في القضية الإسبانية فمن المتوقع أيضا أن ينضم الاتحاد الأوروبي في خريف العام الحالي إلى اللوائح الجديدة التي تتعلق بحق الأفراد في حذف البيانات الشخصية من الإنترنت. وقد قدمت فيفيان ريدينغ، وهي المفوضة الأوروبية لشؤون العدل، تفاصيل قليلة عما يدور في ذهنها، غير أنها أكدت عزمها إعطاء المزيد من السلطات للهيئات المختصة بحماية خصوصية الأفراد. وقالت ريدينغ الشهر الماضي: «لا يمكنني أن أقبل أن لا يكون للأفراد سلطة على البيانات الخاصة بهم بمجرد إطلاقها في الفضاء الإلكتروني». وأضافت أنها سمعت بالمناقشات التي تقول إن من المستحيل فرض مزيد من السيطرة، «لكنني لا أوافق على ذلك».

ويؤكد الخبراء على وجود اختلاف كبير بين أوروبا والولايات المتحدة في ما يتعلق بهذا الموضوع. ويقول فرانز ويرو، الذي ولد وترعرع في سويسرا، وهو الآن أستاذ القانون في جامعة جورج تاون: «ما يوجد حاليا هو في الحقيقة صراع عبر الأطلسي، حيث لا تسير الثقافتان في نفس الاتجاه عندما يتعلق الأمر بحقوق الخصوصية».

في الولايات المتحدة، مثلا، حسب تصريحات ويرو، تؤكد المحاكم باستمرار على أن الحق في نشر الحقيقة عن أي شخص يبطل أي حق في الخصوصية، في حين يرى الأوروبيون الأمور بشكل مختلف. ويقول ويرو: «في أوروبا ليس لديك الحق في أن تقول أي شيء عن أي شخص، حتى ولو كان ذلك صحيحا». ويؤكد ويرو على أن أوروبا ترى ضرورة في تحقيق التوازن بين حرية التعبير وحق الشخص في الخصوصية أو الكرامة، وهي المفاهيم المنصوص عليها في القوانين الأوروبية في كثير من الأحيان. وقد تشكل المنظور الأوروبي نتيجة للطريقة التي تم بها جمع المعلومات واستخدامها ضد الأفراد في عهد الطغاة مثل هتلر وفرانكو وفي ظل الشيوعية، حيث تقوم الوكالات الحكومية بإعداد ملفات عن المواطنين بشكل روتيني كوسيلة من وسائل المراقبة. وقد كانت هناك قضايا كثيرة حول هذه الأمور في المحاكم في أنحاء كثيرة من أوروبا. ففي ألمانيا مثلا يقوم كل من وولفغانغ ويرليه ومانفريد لابور، اللذين أدينا في قضية قتل ممثل ألماني عام 1990، بمقاضاة ويكيبيديا لحذف المادة المنشورة عنهما. وتقضي قوانين الخصوصية الألمانية بمنع نشر الهويات الجنائية في الأخبار ما دام الشخص قد وفى بدينه للمجتمع. ويؤكد محامي القاتلين على أن المجرمين لديهم الحق أيضا في الخصوصية. وقد تم رفع دعاوى قضائية كثيرة ضد شركة «غوغل» في الكثير من الدول، بما في ذلك ألمانيا وسويسرا وجمهورية التشيك، بسبب محاولتها تجميع صور للشوارع والميادين لتدخل هذه الصور في قواعد البيانات لخدمة «ستريت فيو فيتشر»، ولكن الأمر مختلف في الولايات المتحدة، حيث يملك أي شخص الحق في التقاط الصور لأي شيء في الشارع.

ورفضت شركة «غوغل» مناقشة القضايا الإسبانية، وبدلا من ذلك أصدرت بيانا قالت فيه إن الطلب من محركات البحث أن تتجاهل بعض البيانات «سيكون له تأثير مروع على حرية التعبير دون حماية خصوصية الأفراد». وفي رسالة على إحدى المدونات، ناقش بيتر فلايشر، وهو مستشار شركة «غوغل» للخصوصية، هذا الموضوع تحت عنوان «التفكير الضبابي حول الحق في حذف البيانات الشخصية». وأوضح أنه يتحدث بالنيابة عن نفسه وليس عن شركة «غوغل»، غير أنه جعل القارئ يشك في أنه يعتبر الجهود الأوروبية الرامية إلى التوصل إلى صياغة جديدة لحقوق الخصوصية محددة بطريقة غير واضحة ومضللة، وهو ما أثار الكثير من الأسئلة القانونية والتقنية المعقدة.

في الواقع يتم استخدام عبارة «الحق في حذف البيانات الشخصية» للتغطية على مجموعة من القضايا، بدءا من تلك الموجودة في الحالة الإسبانية وحتى سلوك الشركات التي تسعى لكسب المال من خلال المعلومات الخاصة التي يمكن جمعها من شبكة الإنترنت. ويشعر خبراء أوروبيون أنه يجب وضع قواعد جديدة للعبة على أي حال. ويقول ويرو إن الكثير من الأوروبيين، بمن فيهم هو نفسه، لا يشعرون بالراحة تجاه طريقة حصول محركات البحث على المعلومات الشخصية واستخدامها في التجارة.

وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه الاتحاد الأوروبي أن معظم الأوروبيين يتفقون على ذلك، حيث أعرب ثلاثة من بين كل أربعة أفراد عن قلقهم من كيفية استخدام شركات الإنترنت للمعلومات الخاصة بهم، وعبروا عن رغبتهم في حذف البيانات الشخصية في أي وقت. ودعا 90% من المستطلعين الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراء بشأن الحق في حذف بياناتهم الشخصية.

وتعتقد «الوكالة الإسبانية لحماية البيانات الشخصية»، التي أنشئت في التسعينات من القرن الماضي، أن محركات البحث قد غيرت العملية التي يتم بها حذف معظم البيانات، وبالتالي أصبحت هناك حاجة إلى إجراء تعديلات في هذا الشأن. وأشار خيسوس روبي، نائب مدير الوكالة، إلى الجريدة الرسمية للحكومة التي تصدر يوميا وتنشر الكثير من الأخبار مثل مزادات الإفلاس والعفو الرسمي والأشخاص الذين اجتازوا امتحانات الخدمة المدنية. وسرعان ما يتم وضع هذه الجريدة التي تحتوي في العادة على 220 صفحة من الورق الفاخر على الأرفف ويتساقط فوقها الغبار والأتربة، وتظل هذه الجريدة تحتوي على تلك المعلومات، ولكن لا يمكن الوصول إليها بسهولة.

ومنذ عامين أطلقت هذه الجريدة الذي يمتد تاريخها على مدار 350 عاما موقعا إلكترونيا خاصا بها، مما جعل من السهل الحصول على تلك المعلومات. وقال روبي: «القانون يحتم علينا وضع هذه المعلومات في الجريدة الرسمية، ولكنني متأكد من أنه إذا تمت صياغة القانون اليوم فسيوافق المشرعون على نشر هذا، ولكن لا ينبغي أن يتم الوصول إليها عن طريق محرك البحث».

وقال ناشر الصحيفة الحكومية، فرناندو بيريس، إنه كان من المفترض أن يؤدي ذلك إلى تعزيز الشفافية، فقوائم الفائزين بالمنح الدراسية، مثلا، تجعل من الصعب على المسؤولين الحكوميين توجيه كل الأموال لأولادهم. وأضاف: «لكن ربما يكون هناك بعض المعلومات التي يكون لها قيمة في فترة زمنية محددة».

ويقول الخبراء إن «غوغل» ومحركات البحث الأخرى ترى أن بعض هذه القضايا تمثل اعتداء على مبدأ من مبادئ القانون القائم بالفعل، وهو أن محركات البحث ليست مسؤولة في الأساس عن المعلومات التي تقوم بتجميعها من الإنترنت، وتأمل أن توافق المحكمة الإسبانية على ذلك. وتعتقد الشركات أنه يتعين رفع القضايا على أولئك الذين قاموا بنشر المواد على الإنترنت وليس على محركات البحث.

وعلى الجانب الآخر يعتقد خبراء في أوروبا أنه ربما ينبغي كبح جماح محركات البحث. وقال خافيير دي لا كويفا، وهو محامٍ متخصص في العلاقة بين القانون والتكنولوجيا: «يقولون إنهم لا يقومون بنشر المعلومات، ولكنهم في الحقيقة هم من يقومون بنشرها، فمن دونهم لن يتمكن أحد من العثور على تلك المعلومات».

* ساهم في كتابة التقرير راشيل غوندلر.

* خدمة «نيويورك تايمز».