الصحف العالمية تواصل البحث في الأسباب الحقيقية وراء أحداث بريطانيا والصحف البريطانية تركز على نقل وتحليل الوقائع

صحف أوروبية: الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية هي الدوافع الحقيقية لأعمال العنف والشغب

اثنتان من الخبراء المكلفين بأخذ البصمات تتبادلان الحديث أمام موقع تعرض للنيران في حي بريكستون جنوب لندن أمس (تصوير: حاتم عويضة)
TT

تصدرت أحداث الشغب التي تشهدها بريطانيا لليوم الخامس الصحف البريطانية، وشغلت حيزا مهما من الصحف العالمية. وأهم ما تداولته الصحف الصادرة في عدد الأمس هو محاولة البحث في الأسباب الحقيقة لما أسموه بـ«الأزمة» في بريطانيا، التي تراوحت في الأساس بين أسباب اجتماعية واقتصادية، وخاصة الفروق التي توسعت بين الأثرياء والفقراء.

صحيفة «لوموند» الفرنسية عنونت مقالها بـ« لندن نموذج الاختلاط العرقي الذي أصبح هشا بعد الأزمة الاقتصادية». وتبحث الصحيفة في الأسباب الحقيقية التي أوصلت الأوضاع لما هي عليه في لندن منذ السبت الماضي, وحاولت حصرها في عدة عوامل، أهمها الفقر, والتهميش الاجتماعي, وغياب السلطة الأبوية, وسلوك الشرطة. كما أوضحت الصحيفة أيضا أن أعمال العنف لم تتم في الأحياء الأكثر فقرا في لندن، لكن في مناطق مثل توتنهام, هاكني, كلافم, كرايدن وانفيلد، التي كانت مسارح الأعمال الأكثر عنفا, وهي المعروفة بأنها الأكثر اختلاطا وتجمع أعراقا مختلفة، وهي مناطق معتدلة اقتصاديا، وتجمع بين مزيج تقليدي بين أثرياء وفقراء، الذي، حسب الصحيفة، لم يعد يشهد توافقا خلال الأزمة الاقتصادية. وقارنت «لوموند» لندن بمدن أخرى أوروبية تجمع الكثير من الأعراق، ونقلت عن توني ترافيرس، أستاذ السياسة المحلية في معهد لندن للاقتصاد، الذي قال للصحيفة: «إن لندن مدينة تعيش توسع المسافة بين الأثرياء والفقراء، ولا إحساس بالفروق العرقية كما في نيويورك، بل على العكس تعتبر نموذجا جميلا للانسجام الاجتماعي». والمشكل حسب الصحيفة هو اقتصادي واجتماعي بحت، وليس عرقيا كما يحاول البعض تفسيره. كما عرض الباحث وجها ثانيا للأزمة، وهو النفوذ الكبير لشرطة لندن التي تعتبر القوة الأولى للمملكة، وتضم 30 ألف عنصر، وقد تأسست سنة 1918 لتكون دولة داخل الدولة.

ولم يختلف موقف «إل موندو» الإسبانية عن أحداث الشغب التي تشهدها عدة مدن في بريطانيا عن «لومند»، حيث كتبت الصحيفة اليسارية الليبرالية في عددها الصادر أمس: «التجاوزات في بريطانيا بدأت في الأحياء الفقيرة، وهذا يعني أن وراء ذلك نزاعا مجتمعيا، فالبطالة وغياب الفرص المستقبلية وعدم المساواة الاجتماعية، شكلت برميل بارود انفجر الآن، فهذا ما يفسر أعمال الشغب، لكن لا يبررها».

ورأت الصحيفة أن صور العنف وعمليات السلب والنهب في بريطانيا لا تنم عن مطالب اجتماعية أو احتجاجات، بل عن جرائم.

وكتبت الصحيفة: «يتعين على الحكومة البريطانية تغيير سياستها والاهتمام بشكل أكبر بالمجموعات المظلومة، لكنها ينبغي أن لا تفعل ذلك تحت ضغط عمليات التخريب». حسب وكالة الأنباء الألمانية.

ورأت الصحيفة أن رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، «ليس مسؤولا عن هذا الوضع، لأنه تولى مهام منصبه منذ 15 شهرا فقط».

أما الصحف البريطانية فقد ارتكزت تغطياتها على نقل أهم الأحداث التي شهدتها بريطانيا، وكيفية تعامل الشرطة معها، وتحليل المواقف السياسية التي صدرت عن الحكومة وخاصة رئيس الوزراء.

واهتمت صحيفة الـ«إندبندنت» البريطانية بنشر مقالات إخبارية وتحليلية عن الوقائع التي غمرت البلاد منذ السبت الماضي, وأبرزت الصحيفة على صفحتها الأولى صورة ليلية لمجموعة من رجال الشرطة وقد بدت النيران مشتعلة من خلفهم، حملت عنوان «الشرطة: سنحارب النار بالنار».

وحاولت الـ«إندبندنت» أن تبرز في صفحتها الأولى كذلك أهم الأحداث التي شهدتها بريطانيا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، التي لخصتها في ثلاث نقاط هي: صدور الأوامر للشرطة باستخدام الرصاص البلاستيكي, ووقوع المزيد من أعمال الشغب في مدن بريطانية, واستدعاء البرلمان للانعقاد من قبل رئيس الوزراء ديفيد كاميرون.

كما خصصت الـ«إندبندنت» في صفحاتها الداخلية مقالا عن دعم البريطانيين لاستعمال خراطيم المياه في مواجهة الشغب. وخصصت الصحيفة كذلك مقالا للحديث عن عودة رئيس بلدية لندن من عطلته وانتقاله الميداني ليعبر عن تضامنه مع السكان, كما أبرزته الصحيفة في صورة وهو يحمل مكنسة خضراء في يده في تعبير عن رغبته في المشاركة في تنظيف وتصليح المدينة، لكنه ووجه من قبل أصحاب المحلات الساخطين بعبارات ناقدة، مثل: «ماذا تفعل هنا؟» و«لقد تأخرت كثيرا».

الـ«غارديان» قامت كذلك بتغطية كبيرة امتدت على عدة صفحات، وتحدثت في أحد تقاريرها عن الإجراءات الجديدة، وعن أن الشرطة البريطانية أمرت عناصرها باستخدام «كل قوة ممكنة»، بما في ذلك الرصاص البلاستيكي لوقف أعمال الشغب.

وأضاف التقرير أن لندن شهدت انتشار 16 ألف عنصر من الشرطة، وهي أكبر قوة أمنية يتم نشرها في تاريخ العاصمة البريطانية، حسب الصحيفة.

وأشار التقرير إلى أن قوات الجيش البريطاني تسهم بدور متزايد «على الرغم من أنه غير مباشر» في احتواء هذه الأحداث، وذلك مع تزايد الضغط على قوات الشرطة.

وتقول الصحيفة إن الشرطة البريطانية وصفت هذه الموجة من أعمال الشغب بأنها «أسوأ أحداث عنف تشهدها المدن البريطانية في التاريخ الحديث».

صحيفة الـ«ديلي تلغراف» البريطانية واصلت في السياق نفسه وتحدثت عن انتشار أعمال العنف داخل بريطانية، وكيفية تعامل الشرطة مع المتظاهرين, كما خصصت بعض المقالات تناولت فيها حالات خاصة عكست شعور أولياء شارك أبناؤهم في أعمال الشغب. كما ضمت الصحيفة صورة كبيرة لمجموعة من سكان كلافم وهم يرفعون المكانس قبل إطلاق حملة تنظيف لمنطقتهم قاموا بها بأنفسهم، وقد حملت هذه الصورة الكثير من التفاؤل، وبدت مميزة وسط المجموعة الكبيرة من الصور التي ملأت الصحف التي تعكس المباني والسيارات المشتعلة وتعكس وجوها ساخطة.

أما صحيفة الـ«فايننشيال تايمز» فقد اعتبرت أن الأحداث الأخيرة فيها «إذلال» للندن, كما ترى أن هذه الأحداث «لطخت سمعة المدينة (لندن) في العام السابق لاستضافتها الألعاب الأولمبية».

وتضيف الـ«فايننشيال تايمز» أن «رد فعل قوي من قبل الشرطة» هو أمر مطلوب للقضاء على أحداث العنف, وأن تحديد «القواعد الدقيقة» للتعامل مع أحداث العنف هو أمر متروك تقديره للحكومة والشرطة، مع مراعاة أن بعض الوسائل مثل الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه يجب أن يؤخذ استخدامها بعين الاعتبار أكثر من الرصاص البلاستيكي.