بريطانيا تنعم بالهدوء أخيرا.. وتبدأ مرحلة «الحساب» مع مثيري الشغب

كاميرون لا يستبعد خيار الاستعانة بالجيش وحظر التجول وطرد المتورطين من منازل البلديات * إيران تعلن استعدادها لإرسال قوات حفظ السلام

شاب يجري تفاديا للصحافة بعد أن قررت محكمة إطلاق سراحه بكفالة بتهم تتعلق بالشغب في لندن أمس (رويترز)
TT

كشف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أمس عن تدابير جديدة لإنهاء أسوأ أعمال عنف شهدتها البلاد منذ عقود، وأقر بأنه يدرس احتمال استخدام قوات الجيش لإنهاء أعمال العنف.

وأعلن كاميرون خلال جلسة طارئة للبرلمان أنه أعطى قوات الشرطة صلاحيات إضافية، بما في ذلك الطلب من الشبان الملثمين الذين يشتبه في قيامهم بأنشطة إجرامية إزالة أقنعتهم. وكان عدد من الأشخاص الذين قاموا بأعمال النهب وأشاعوا الذعر في الأيام الماضية في مدن بريطانية عدة، أخفوا وجوههم مما عقد عملية التعرف على هوياتهم من خلال كاميرات المراقبة.

وأضاف كاميرون أنه إزاء أعمال الشغب التي أوقعت أربعة قتلى، تفكر السلطات أيضا في فرض حظر التجول ولم يستبعد استخدام قوات الجيش في المستقبل. وكان كاميرون أعلن في مطلع الأسبوع نشر تعزيزات كبيرة من الشرطة واحتمال استخدام خراطيم المياه لتفريق مجموعات الشباب في الشوارع. وقال كاميرون «إن البعض أثار موضوع الجيش، ومسؤوليتي تكمن في الحرص على بحث أي احتمال بما فيها المهام التي يمكن للجيش أن يقوم بها وتفسح المجال أمام الشرطة للاهتمام بخط الجبهة». وقال كاميرون أيضا إن قاطني المنازل التي توفرها البلديات بأجور أرخص نسبيا، يطردون منها، في حال اتضح أنهم متورطون في أعمال الشغب.

وفي كلمة شديدة اللهجة قال كاميرون، الذي قطع إجازته يوم الثلاثاء الماضي وعاد إلى بريطانيا «إنه إجرام بحت، لا أعذار له بأي شكل كان. الأمر لا يتعلق بالسياسة، ولا التظاهر بل بالسرقة والنهب». وأضاف «لن نتحمل هذا في بلادنا. الجريمة لها خلفيات. وهي ليست مشكلة فقر بل ثقافة. ثقافة عنف وعدم احترام السلطة». وتابع أن مقتل رجل برصاص الشرطة الأسبوع الماضي في لندن «استخدمه غوغائيون انتهازيون ذريعة، في البدء في توتنهام (حي شمال العاصمة) ثم في لندن ولاحقا في مدن أخرى». وقال أيضا: «قبل عام من موعد دورة الألعاب الأولمبية علينا أن نثبت بأن بريطانيا ليست دولة تخرب بل دولة تعمر ولا تستسلم، دولة تواجه ولا تنظر إلى الوراء بل دائما إلى الأمام».

وأكد رئيس الوزراء البريطاني أن ضحايا أعمال الشغب سيتلقون التعويضات. وقال «إذا تضرر مصدر رزقكم أو ممتلكاتكم فسنعوضكم»، معلنا عن إنشاء صندوق من 20 مليون جنيه (32 مليون دولار) لمساعدة التجار من ضحايا أعمال العنف. وستتجاوز كلفة أعمال العنف عتبة 200 مليون جنيه إسترليني (320 مليون دولار) بحسب الأرقام المؤقتة التي وضعتها أمس شركات التأمين.

كما أقر كاميرون بوجود عدد «قليل جدا» من الشرطيين في بداية أعمال الشغب. لكنه قال إن «الرد كان جيدا» في النهاية، مشيرا إلى الهدوء الذي ساد الليلة قبل الماضية في البلاد. وقال: «لن نتوقف ما دام الأمن لم يستتب بالكامل في شوارعنا»، مضيفا أن الأشخاص الذين يدانون بالمشاركة في أعمال الشغب «عليهم توقع الدخول إلى السجن».

وقال مصدر حكومي أمس إن بريطانيا تبحث إمكانية تعطيل شبكات التواصل الاجتماعي وخدمات الرسائل عبر الإنترنت مثل خدمات رسائل «بلاك بيري» وموقع «تويتر» خلال أوقات الاضطرابات. وكانت الشرطة قد قالت إن مثيري الشغب استخدموا شبكات التواصل الاجتماعي في التنسيق لعمليات نهب خلال الاضطرابات التي اجتاحت إنجلترا هذا الأسبوع.

وردا على الانتقادات التي وجهتها طهران إلى لندن، قالت بريطانيا لإيران، أمس، إنها سعدت بمناقشة تعاملها مع أعمال الشغب في الشوارع وذلك بعدما اتهم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الشرطة البريطانية باستخدام أساليب «وحشية» ضد المتظاهرين.

وفي خطاب موجه إلى وزارة الخارجية الإيرانية، قالت كبيرة الدبلوماسيين البريطانيين في طهران إنها تأمل أن يشجع مثل هذا الانفتاح طهران على السماح بدخول محقق عينته الأمم المتحدة للنظر في مزاعم انتهاكات لحقوق الإنسان في إيران.

وقالت جين ماريوت القائمة بالأعمال البريطانية في طهران «أذكركم بأن المملكة المتحدة وجهت دعوة مفتوحة إلى كل المقررين الخاصين التابعين للأمم المتحدة لدخولها وسهلت زيارات عدد من هؤلاء المقررين إلى المملكة المتحدة في السنوات القليلة الماضية». وأشارت إلى أن أحمدي نجاد دعا الأمم المتحدة إلى إدانة أداء الشرطة البريطانية مع أعمال الشغب.

وأضافت «أحث الحكومة الإيرانية على التصرف بكياسة مماثلة مع المقرر الخاص الذي عينته الأمم المتحدة لجمهورية إيران الإسلامية أحمد شهيد لتمكينه من تهدئة مخاوف المجتمع الدولي الخطيرة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة في إيران».

وانتقدت ليبيا رد بريطانيا على أعمال الشغب، ودعت رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى التنحي عن السلطة.

لكن طهران استمرت في توجيه انتقاداتها اللاذعة لحكومة كاميرون، حيث أعلنت إيران عن استعدادها لإرسال قوات حفظ سلام إلى بريطانيا على خلفية الاضطرابات هناك، منتقدة صمت مجلس الأمن إزاء الأحداث الجارية هناك.

وأعرب قائد قوات التعبئة الإيرانية (الباسيج)، العميد محمد رضا نقدي في خطاب ألقاه في اجتماع قاده قوات التعبئة (الباسيج)، عن استعداد كتائب عاشوراء والزهراء للتوجه إلى بريطانيا للحفاظ على الأمن والاستقرار في هذا البلد، وذلك حسبما ذكرت وكالة «مهر» للأنباء.

وانتقد قائد «الباسيج» بشدة تعامل الشرطة البريطانية مع المتظاهرين، قائلا إنه من المؤسف أن الحكومة البريطانية التي تدعي الديمقراطية والحرية تعامل الناس الفقراء والمتظاهرين العزل بقسوة لا مثيل لها.

كما انتقد قائد «الباسيج» مجلس الأمن بسبب صمته إزاء الانتهاكات في بريطانيا، قائلا: «مجلس الأمن يدين الدول الفقيرة ويصدر قرارات لصالح الدول الاستكبارية، ومن هذا المنطلق لا أحد يتوقع من هذا المجلس أن يقف إلى جانب الناس الفقراء والمتظاهرين العزل في بريطانيا».

ميدانيا، وللمرة الأولى منذ اندلاع أعمال العنف السبت، لم يسجل أي حادث مساء أول من أمس في بريطانيا حيث يبدو أن انتشار أعداد كبيرة من قوات الأمن وهطول أمطار غزيرة حالا دون وقوع أعمال عنف لليلة خامسة. لكن الشرطة التي اعتقلت في جميع أنحاء البلاد أكثر من 1200 شخص استمرت أمس في توقيف مشاغبين. وفي لندن نفذت منذ ساعات الفجر الأولى مداهمات تطبيقا لنحو 100 مذكرة توقيف بحسب «اسكوتلنديارد». وفي غضون ذلك، بدأت الإجراءات القضائية تجاه بعض الموقوفين. وبقيت المحاكم مفتوحة طوال الليل للتمكن من محاكمة العدد الكبير من الأشخاص الذين مثلوا أمامها. ومثل أمام المحكمة فتى في الـ11. وفي لندن وحدها، وجهت تهم تتعلق بزعزعة النظام العام إلى 371 شخصا حتى الآن، وكان أصغر هؤلاء المشتبه بهم الذين مثلوا أمام المحكمة يبلغ من العمر 11 عاما أقر بسرقة حاوية نفايات قيمتها 81 دولارا.

وفي الأحياء التي تضررت نتيجة أعمال العنف الأسوأ التي شهدتها البلاد منذ عقود عادت الحياة تدريجيا إلى طبيعتها أمس. ففي حي إيلينغ السكني في غرب لندن فتح مقهى كسرت واجهته أبوابه. وقال صاحب المقهى حسين حق إن «الحي يسعى إلى إصلاح الأضرار بسرعة».

لكن رغم هذه البوادر التي تشير إلى العودة إلى حياة طبيعية ما زالت مخاطر خروج الوضع عن السيطرة قائمة. وهذا ما حمل رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم أمس على تأجيل مباراة توتنهام وضيفه إيفرتون المقررة السبت المقبل في المرحلة الأولى من الدوري المحلي لكرة القدم بسبب أعمال الشغب في العاصمة لندن.

ولمواجهة الشغب، اجتمع التجار والسكان في بعض المناطق لحمايتها من النهب والسرقة، إلا أن الشرطة اشتكت من أن قيام الناس بالحراسة يعقد مهمتها وطلبت منهم البقاء في منازلهم. وشهدت مدينة برمنغهام توترات أيضا أمس بعدما داست سيارة ثلاثة رجال مسلمين من أصول آسيوية حاولوا حماية الممتلكات العامة. ولكن الوضع في المدينة ظل هادئا نسبيا بعدما طالب والد أحد الضحايا، ويدعى طارق جاهان، بعدم الانتقام. وألقي القبض بهذا الشأن على رجل، 32 عاما، وبدأ التحقيق معه بتهمة القتل.

بدوره، قال حزب العمال المعارض، الذي يريد من الحكومة أن تخفف من طريقة مواجهتها لأزمة قياسية في الميزانية، إن خفض ميزانيات الشرطة ساهم في أعمال العنف. وقالت إيفت كوبر المتحدثة باسم حزب العمال للشؤون الداخلية «إن حجم خفض النفقات الحكومية يزيد من صعوبة قيام الشرطة بعملها وتوفير الأمن لنا». وتمت الإشارة إلى عوامل من بينها توتر قديم بين الشرطة وشبان وقلة الفرص أمام أبناء المناطق الفقيرة وتفاوت واضح بين من يعيشون في منازل فخمة ومن يعيشون على بعد أمتار قليلة في عقارات المدينة المتواضعة. وتصاعدت التوترات في بريطانيا لبعض الوقت، ويكافح الاقتصاد للخروج من ركود يعاني منه منذ 18 شهرا ويعيش واحد من بين كل خمسة في بريطانيا بدون عمل، ويضغط التضخم المرتفع على الدخول ويعاني منه الفقراء.