العبارات المستعملة في وصف «مثيري الشغب» في الاعلام تثير جدلا بين البريطانيين

الـ«بي بي سي» تواجه انتقادات بسبب التسميات التي استعملتها خلال أحداث الشغب

صحافيون يلتقطون صوراً أمام سيارة سجن أثناء مغادرتها محكمة في وستمنستر بلندن، تزامناً مع بدء محاكمة المتورطين في الشغب، أمس (أ.ب)
TT

أثار استعمال الـ«بي بي سي» لفظة «المحتجين» في وصفها لمثيري أعمال الشغب في بريطانيا على امتداد اليومين الأولين، عاصفة من الانتقادات, وجدلا بين المدونين على المواقع الاجتماعية مثل «تويتر» و«فيس بوك»، في محاولة لتحديد التسميات المناسبة.

وحول هذا الموضوع نشرت صحيفة الـ«غارديان» مقالا لجون هنلي، يتحدث فيه عن التسميات المختلفة للمشاركين في أعمال الشغب في لندن , وافتتح الكاتب مقاله قائلا: «عندما يعتبر رجل إرهابيا قد يعتبره آخر محاربا في سبيل الحرية»، على قول جيرالد سيمور. وأكد الكاتب أن الحكم على الأشياء ينطلق من وجهة نظر خاصة, وتساءل عن التسميات التي يمكن إطلاقها على الذين أحدثوا أعمال الشغب لطيلة أربعة أيام في المدن البريطانية.

والـ«بي بي سي» بدأت السبت بتسميتهم بـ«المحتجين»، وذلك، حسب تبريرهم، لأن البداية التي كانت من توتنهام كانت عبارة عن مجموعة من المحتجين الذين لم يلقوا إجابة مرضية عن أسئلتهم التي وجهوها للشرطة حول مقتل مارك دوغان. وتواصل استعمال التسمية نفسها ليومين، لكن بدأت حملة انتقادية للـ«بي بي سي» على استعمالها على «تويتر»، حيث سألت إحدى المدونات، وهي لندا كين: «لماذا تصر الصحافة على تسميتهم بالمحتجين؟ إنهم لا يحتجون على أو من أجل أي شيء». واتفق معها عدد من المدونين وتوجهوا مباشرة بطلبهم للـ«بي بي سي»، ومنهم إيدي جيرستنير الذي كتب: «توقفوا عن تسميتهم بالمحتجين, إنهم مجرمون, متسببون في الشغب، لكنهم ليسوا محتجين». ولكن مسؤولة قسم الأخبار في الـ«بي بي سي»، فران أنسوورث، حسب صحيفة الـ«تلغراف»، اعترفت أن استعمال لفظ «محتجين» كان خطئا، وأنه قد صدر أمر للصحافيين بالتوقف عن استعماله. وأضافت: «أعتقد أنه كان معقولا يوم السبت عندما بدأ الحادث باحتجاج سلمي ضد مقتل مارك دوغان في توتنهام، لكن منذ ذلك الحين كان يجب علينا عدم استعمال هذا اللفظ». وأضافت: «كانوا بالتأكيد محدثي شغب وناهبين، وهذه طريقة أحسن بكثير لوصفهم».

ووسط اتهامات حول التصحيح السياسي ظهرت تساؤلات حول ما إذا كانت الـ«بي بي سي» تعتبر «العنف والنهب» و«الإجرام الصرف» مرادفا للاحتجاج الشرعي، لكن مؤسسة الـ«بي بي سي» ردت أن مراسليها استعملوا أيضا عبارة «مثيري الشغب»، وأن المؤسسة لم تضع أي خطوط أو شروط على التسميات خلال التغطيات الأخيرة, على عكس ما وقع سنة 2005 يوم تفجيرات لندن في 7 يوليو (حزيران) عندما أصدرت المسؤولة في قسم الأخبار حينها، هيلين بودن، مذكرة لجميع المراسلين تقول: «إن استعمال كلمة (إرهابي) بذاتها ستكون حاجزا أكثر منه لفظا مساعدا على فهم الأمور» لهذا عليهم تجنبها.

وقد اتفق البعض على أنه في حالة الأحداث الأخيرة لم يكن من السهل اختيار العبارات المناسبة؛ لأن معظم محدثي الشغب «يعانون من الضرائب المرتفعة, والدخل الضعيف, والبطالة وارتفاع الأسعار.. فهل يجب تسميتهم محتجين أو مثيري الشغب؟»، كما كتب أحدهم على «تويتر».

لكن الأغلبية عارضوا وبشدة لفظة «محتجين»، وآخرون لم يتقبلوا حتى لفظة «مثيري الشغب»، وطلبت دي مودي على موقعها تسميتهم بـ«الانتهازيين والهوليغنز»، وفي الوقت نفسه رفض كريس سات كليف كل التسميات وطلب من الجميع: «ابدؤوا استعمال الاسم الصحيح.. إنهم إرهابيون».

وأضاف الكاتب أن اختيار الألفاظ المستعملة في الغالب يتطلب حكما موضوعيا, وضرب مثلا على ذلك بتحفظات الـ«غارديان» حول استعمال لفظة «إرهابيين»، التي يمكن استبدال «مقاتلين», «أصوليين» أو غيرهما من الألفاظ التي قد تكون مناسبة أكثر، بها. كما بين كاتب المقال أن المشكل أن ما قد يراه أحدهم «مبالغة وإفراطا» قد يراه آخر «مناسبا»، وضرب مثالا بالبند الخاص بتحديد مفهوم الإرهاب لدى الأمم المتحدة، الذي يقول: «أعمال.. صممت لخلق حالة من الرعب في عقول مجموعة من الناس أو الجمهور العام، لأسباب سياسية أو أغراض اجتماعية»، كما حددت الأمم المتحدة أنه إذا تم هذا العمل من أجل غاية نبيلة فهذا لا يمثل فارقا.

وبين الكاتب أن الناس الذين تعرضوا للنهب والعنف في كرايدن أو إيلنغ أو مانشيستر، سيختارون الألفاظ المناسبة لأوضاعهم أكثر، التي تتماشى مع مشاعرهم.

الصحف الأكثر رواجا في بريطانيا تراوحت تسمياتها للمشاركين في أعمال الشغب بين «الأغبياء»، «الفوضويين»، «الحمقى»، وغيرها، وبعض السياسيين لم يتوانوا عن استعمال لفظة «مجرمين», وديفيد كاميرون وصفهم بأنهم «بصراحة مرضى»، كما استعمل البريطانيون مختلف التسميات كل حسب مشاعره. كما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي استحداث عدة كلمات جديدة للتواصل بين محدثي أعمال الشغب أو المعلقين عليها.

وفي السياق نفسه نشرت صحيفة الـ«تلغراف» البريطانية مقالا حول آخر الإجراءات التي تم اتخاذها عند تغطية الأحداث الأخيرة من طرف الـ«بي بي سي»، حيث أصدرت المؤسسة قرارا باستبدال كلمة «إنجلترا» بكلمة «المملكة المتحدة»، عند تناول موضوع الشغب، نظرا لحساسية الموضوع، وعدم مشاركة سكان اسكوتلندا، ويلز وآيرلندا الشمالية في المسألة. وقال متحدث باسم الـ«بي بي سي» إنه «عندما كانت أحداث الشغب والعنف تقع في إنجلترا, كنا نقدمها على أساس وقوعها في المملكة المتحدة ككل, فمثلا عودة رئيس الوزراء من عطلته ودعوته لاجتماع البرلمان.. ولكن مع انتقال الأحداث لعدة مدن في إنجلترا وليس في اسكوتلندا وآيرلندا الشمالية, واستجابة لآراء مشاهدينا فإننا نستعمل الآن عبارة (أحداث الشغب في إنجلترا)».