رجال أعمال كبار يبتعدون عن الأسد.. تحت وطأة العقوبات الدولية

مسؤول أميركي: تأثير الدومينو سيكون أسرع على نخبة رجال الأعمال السنة وحينها ستشتعل دمشق

صورة بثت على موقع «شام» لتشييع محمد غزال الذي قتل برصاص قوات الامن
TT

في الوقت الذي يواصل فيه النظام السوري هجومه الوحشي بلا هوادة لقمع انتفاضة مستمرة منذ خمسة أشهر، مما أدى إلى سقوط أكثر من 12 قتيلا بين صفوف المتظاهرين يوم الأربعاء، بدأت تظهر تصدعات في قيادته المتماسكة التي تمكنت حتى الآن من حشد قاعدة دعمها والاحتفاظ بجبهة موحدة، بحسب مسؤولين ومعارضين ومحللين.

وعلى الرغم من عدم وجود أي دلالات توحي بقرب انهيار النظام السوري، فإن تضاؤل حجم الدعم المقدم لنخبة رجال الأعمال في دمشق والانقسامات بين كبار المسؤولين، بل وحتى اتجاه أنصار الحكومة السابقين إلى إبعاد أنفسهم عن القيادة، عوامل تأتي جميعها في وقت تواجه فيه سوريا أيضا ما يمكن اعتباره أكبر عزلة تشهدها خلال أكثر من أربعة عقود من حكم أسرة الأسد.

«لقد بدأوا ينقسمون، وتجد أفرادا في الحكومة لديهم بالفعل شعور بالإحباط من الأسد وقواته الأمنية»، هذا ما ذكره مسؤول بإدارة أوباما في واشنطن، مشيرا إلى نظام الرئيس بشار الأسد. وأضاف المسؤول: «الأمر أشبه بزواج مفكك».

لقد أكد التحول في هيكل السلطة في دمشق على أن ثمة مخاطر تنتظر النظام السوري خلال الأشهر المقبلة. ويشير مسؤولون أميركيون وأوروبيون إلى أن لديهم وسائل محدودة للتأثير على مجريات الأحداث في سوريا، كما عجزت المعارضة المنقسمة بعمق حتى الآن عن توفير حل بديل لقيادة الأسد. ويحذر نشطاء في سوريا من احتمال أن يدفع القمع من قبل الحكومة السورية المتظاهرين السلميين إلى انتهاج العنف، خاصة في منطقة الشرق، التي تقيم بها عشائر تربطها علاقات وثيقة بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والعراق.

«إننا في مأزق الآن»، قال لؤي حسين، أحد المعارضين البارزين والذي أجرى أحاديث مع مسؤولين بالحكومة السورية في محاولة للوصول إلى حل مع النظام السياسي. وأضاف: «الحكومة تعتمد على جيشها، وقد يستغرق الأمر فترة طويلة جدا قبل أن تستنفد كل مواردها».

وأشار مسؤول دبلوماسي أميركي إلى أنه بدا من غير المرجح على الإطلاق أن يتمكن الأسد من البقاء في السلطة. ونتيجة لذلك، على حد قوله، فقد بدأت الولايات المتحدة رسم خطط لعصر ما بعد الأسد مدفوعة بالمخاوف من حالة الفوضى التي يتوقع كثيرون أن تسود البلاد حال إذا سقط نظام الأسد. وقال إن إدارة أوباما لا تستبعد احتمال قيام حرب أهلية. «ستكون هناك حالة من الفوضى الشديدة»، هذا ما جاء على لسان المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته نظرا لأن الموضوع انطوى على مشاورات داخلية.

وفي واشنطن، استمرت إدارة أوباما في زيادة ضغوطها على سوريا. فقد أعلنت وزارة الخزانة الأميركية يوم الأربعاء عن فرض عقوبة على المصرف التجاري السوري الذي تملكه الحكومة، إلى جانب فرع لشركة كائنة في لبنان، وشركة «سيرياتيل»، أكبر شركات الهواتف الجوالة في سوريا. ويملك شركة «سيرياتيل» رامي مخلوف، رجل الأعمال ذو النفوذ وابن خال الرئيس السوري، والذي كان أول من فرضت عقوبة ضده من قبل الولايات المتحدة في عام 2008. لقد فرضت الولايات المتحدة بالفعل عقوبات ضد معظم القادة رفيعي المستوى في سوريا، من بينهم الرئيس الأسد نفسه، والعديد من رجال الأعمال البارزين الآخرين الذين تربطهم علاقات وثيقة بالحكومة السورية.

وذكر مسؤولون أن الدول الأوروبية ربما تتخذ خطوة حاسمة لفرض عقوبات على صناعة النفط والغاز في سوريا هذا الشهر، الأمر الذي من شأنه أن يقوض أحد مصادر الدخل المحدودة المتبقية لسوريا، فيما يرزح اقتصادها تحت وطأة الانتفاضة. وفي واشنطن، يقول مسؤولون إنه منه المحتمل أن يعلن الرئيس أوباما عما قريب حتمية تنحي الأسد عن الحكم، وهو البيان الذي يتردد البيت الأبيض في الإدلاء به حتى الآن.

وتظل تركيا، التي كانت حليفا لسوريا من قبل، كارت لعب مؤثر، حيث يمكنها تخفيف الضغط الواقع على الأسد أو تكثيفه. وقد توجه وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو إلى دمشق يوم الثلاثاء، وصرح مسؤولون أميركيون بأنه أعطى الأسد مهلة مدتها يومان لإنهاء حملة القمع الوحشية.

وفيما أشار مسؤولون أتراك إلى أن صبرهم قد بدأ ينفد، يبدو أنه ما زال يحدوهم الأمل في أن يقوم الأسد بإصلاحات من شأنها إحداث تغييرات ديمقراطية في واحدة من أكثر الدول المقموعة في المنطقة. وهو الموقف الذي تتبناه أطراف أخرى محدودة.

«نحن لسنا متماثلين في طريقة التفكير»، هكذا أشار المسؤول الأميركي.

وفي دمشق هذا الأسبوع، اتخذ 41 عضوا سابقا بحزب البعث ومسؤولا حكوميا خطوة ربما لم تكن لتخطر على بال أنصار الحزب منذ فترة قصيرة؛ فقد أعلنوا عن مبادرة للقيام بتحول سياسي. وبقيادة محمد سلمان، وزير الإعلام السابق الذي تربطه اتصالات قوية بأقرب القيادات إلى الرئيس الأسد، حثت المجموعة على وضع حد لأعمال القمع والتنكيل الوحشية ونشر عناصر الجيش وحملة الاعتقالات المستمرة بلا هوادة. وحذرت المجموعة من أنه ما لم يحدث ذلك، فستشهد سوريا «عواقب كارثية».

ورفض بعض رموز المعارضة المبادرة باعتبارها محاولة «لتبييض صفحة الماضي السوداء». غير أنه بالنسبة لآخرين، مثلت تلك المبادرة انشقاقا ملحوظا في صفوف القيادة، حيث أتت من قبل وزراء سابقين ومسؤولين رفيعي المستوى سابقا بالحزب، ممن اعترفوا على الأقل بأن التغيير بات أمرا حتميا.

خلال معظم فترة حكمه، تمكن الأسد من إخفاء وحشية الدولة البوليسية التي أنشأها والده حافظ بعد توليه مقاليد السلطة في سبعينات القرن الماضي. ومنذ اندلاع الانتفاضة، عادت القوات العسكرية، وعلى وجه الخصوص، قوات الأمن إلى موقع الصدارة، وظلت موحدة، على الرغم من الانشقاقات العارضة التي وقعت أثناء تنفيذ حملة قمع وحشية أشار بعض النشطاء إلى أنها قد أودت بحياة ما يربو على 2.000 شخص. ويشير محللون ودبلوماسيون إلى أنه ما لم تنقلب القوات المسلحة ضد الأسد، فلن يكون هناك تهديد مباشر لحكمه.

لكن، مع لجوء الحكومة إلى العنف وحده كوسيلة لقمع الانتفاضة السورية، مما أسفر عن سقوط المزيد من القتلى يوم الأربعاء في مدينة حمص وسط سوريا، وأدلب في الشمال، ونوى في الجنوب، وضواحي دمشق، يبدو أن حالة الإحباط والشعور بخيبة الأمل تزداد لدى الحلقة الداخلية المقربة من الأسد. فقد انقلب أفراد أسرة الأسد المتعنتون - أمثال أخيه ماهر الأسد، وصهره آصف شوكت - ضد مسؤولين ظلوا على اتصال بمصادر أجنبية.

ويرى بعض المحللين والدبلوماسيين أنه يتعين على الأسد نفسه أن يقدر مدى عمق الخطر الذي تشكله الانتفاضة السورية بالنسبة لنظام حكمه. وأشار آخرون إلى أن هناك مسؤولين رفيعي المستوى ما زالوا على اقتناع بأن الانتفاضة يقودها إسلاميون مسلحون. وقال مسؤول غربي، مستعرضا روايات عديدة، إن قوات الأمن تجاوزت المدى باستخدامها المدافع المضادة للطائرات في قصف مباني المدنيين في مدينة حماه، التي سبق وأن هاجمتها قوات الجيش في 31 يوليو (تموز).

«وصل الإحباط داخل النظام السوري الآن إلى درجة غير مسبوقة»، قال محلل في دمشق على اتصال بمسؤولين سوريين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم. وأضاف المحلل: «لقد خسر النظام السوري كل أوراقه. الورقة المتبقية هي الزيادة المطردة في مستويات القمع والعنف، وأعتقد أنه سيخسر هذه الورقة بالمثل. هذه هي الورقة الوحيدة التي يحاول استغلالها الآن، لكني لا أعتقد أنه سوف ينجح في استخدامه. إذن، حينها، ماذا ستكون الورقة المتبقية؟».

لقد ظلت دمشق وحلب، أكبر مدينتين في سوريا، محتفظتين بهدوئهما، مثلما ظلت النخبة الاقتصادية في كلتا المدينتين خائفة من حالة الفوضى التي ينتظر أن تسود البلاد في أعقاب سقوط حكومة الأسد. غير أن مسؤولين ومحللين يشيرون إلى أن رجال أعمال قد بدأوا يتواصلون مع المعارضة، من بينهم شخصية بارزة من الأقلية العلوية، التي تستقي منها قيادة الأسد دعمها بدرجات متفاوتة. ويبدو أن آخرين يحاولون إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع كلا الطرفين، في انتظار معرفة أي طرف سيفوز في تلك المعركة الحاسمة، على حد قول محللين.

«لقد بدأوا يتحولون إلينا، إلى الولايات المتحدة، قائلين ‹ماذا يمكننا أن نفعل؟› كيف يمكننا احتواء الموقف؟»، قال المسؤول الأميركي. وأضاف: «سيحدث تأثير الدومينو بشكل أسرع بالنسبة لنخبة رجال الأعمال السنة، وحينها سترى دمشق تشتعل».

حتى أن بعض النشطاء، الذين طالما أصروا على أن يردد المتظاهرون «سلمية» في مظاهراتهم، حذروا من الشكل الذي يحتمل أن يتخذه أي تغيير. وفي حماه، قال الناشط صالح الحموي، إن الشباب بدوا مصرين على أخذ أهبة الاستعداد للقتال بعد هجوم قوات الجيش. وأضاف: «سمعتهم يقولون منذ بضعة أيام ‹إما أن نقتلهم وإما أن يقتلونا›».

* خدمة «نيويورك تايمز»