مصر.. نصف عام على ثورة «25 يناير» وتنحي الرئيس السابق

سياسيون ومثقفون لــ«الشرق الأوسط»: الثورة ما زالت في طور الولادة والتشكل والمشهد غامض

وزير الخارجية المصري أحمد محمد كامل عمر يزور احد المصابين المصريين خلال مظاهرات ميدان التحرير، في احد مستشفيات برلين امس (إ.ب.أ)
TT

بعد ستة أشهر من تلاوة نائب الرئيس السابق عمر سليمان لقرار تنحي مبارك عن السلطة وتفويض المجلس العسكري في حكم البلاد في 11 فبراير (شباط)، كتتويج لثورة «25 يناير»، لا تزال عملية انتقال السلطة في البلاد تتأرجح بين الديمقراطية الموعودة التي لا تزال ملامحها غامضة واحتمال استمرار النظام السابق تحت مسميات أخرى.

وظل مشهد بيان التنحي الذي ألقاه سليمان عالقا في الأذهان المصرية بأدق تفاصيله، حتى حارسه الذي يقف خلفه ولم تغفل عنه العين المصرية الساخرة والفاحصة في آن واحد.. واستمر المشهد متربعا على العرش حتى أزاحه مشهد أكثر إثارة لكل العالم في 3 أغسطس (آب) الحالي، حينما تابع العالم محاكمة مبارك وهو على سرير المرض داخل قفص الاتهام، وهو المشهد الذي اعتبره مراقبون الأهم خلال الستة أشهر الماضية، بل إن آخرين وضعوه ضمن أهم مشاهد القرن بأسره.

وبعد نصف عام، لم يزل الغموض مسيطرا على المشهد السياسي، فما زالت القوى السياسية تدعو للعودة من جديد إلى ميدان التحرير (رمز الثورة)، للمطالبة باتخاذ تدابير سياسية عاجلة. كما بدأت التصدعات بين الثوار من الليبراليين واليساريين والإسلاميين حول الأولى بالتنفيذ بين الانتخابات التشريعية أو الدستور الجديد.

وما زال المجلس الأعلى للقوات المسلحة (الحاكم) يواجه احتجاجات على طريقة إدارته لشؤون البلاد، فبعد أن كان يحظى بشعبية كبيرة قبل ستة أشهر، بات موضع اتهام بأنه يعرقل عملية التغيير ويعمل على إبقاء أساليب النظام السابق. وتواصل المحاكم المصرية نظر محاكمات رموز النظام السابق، وعلى الرغم من ظهور أحزاب جديدة مستفيدة من أجواء الحرية؛ فإنه لم يظهر بعد على الساحة قائد أو حزب قوي يحظى بتأييد الجماهير.

وبينما اتفق سياسيون ومثقفون على أن الثورة ما زالت في طور الولادة والتشكل، وأكدوا لـ«الشرق الأوسط» على أن الثورة أطاحت فقط بالقشرة العليا للنظام السابق.. اعتبر آخرون أن فترة الـ6 أشهر ليست كافية لتقييم التجربة المصرية.

وأكد أحمد بهاء شعبان، القيادي بالجمعية الوطنية للتغيير، على أن الثورة حققت خطوات مهمة جدا؛ لكن أمامها مرحلة مهمة في المستقبل، لافتا إلى أن الثورة أعادت للشعب المصري إرادته التي كانت مسلوبة منه خلال الفترة الماضية، وأصبح يشعر أنه صاحب هذا البلد، وقادر على تصحيح مساره، وأطاحت بواحد من أشرس الحكام غطرسة واستبدادا في العالم، وبجهاز أمن شرس جدا وعدواني، وبحاشية فاسدة.

وقال شعبان، مستطردا، لكن بشكل عام إذا قارنا المطالب الأساسية التي رفعتها الثورة وهي ثلاثة مطالب رئيسية: إسقاط النظام، ومدنية الدولة، والعدالة الاجتماعية، نجد أن المطالب الثلاثة لم يتحقق إلا قسم صغير منها، وهو الإطاحة بالقشرة العليا من رموز النظام السابق، لكن ما زال نظام مبارك قائما في بعض أجهزة الأمن وفي الإعلام وفي فلول الحزب الوطني المنحل.

وتابع شعبان: علاوة على تعرض مدنية الدولة للخطر، نتيجة بروز جماعات سلفية معادية للدولة المدنية وللحريات ولمفهوم المواطنة، ناهيك عن أن شعار العدالة الاجتماعية لم تقترب منه السلطات بشكل أو بآخر، بالعكس صدر قانون تجريم الاعتصامات، موضحا أنه بعد 6 أشهر لم تحقق الثورة غايتها أو أهدافها، وأمامها مسار طويل معقد، قابل ذلك تحرر الشعب من كل القيود وصعبت السيطرة عليه أو خداعه حتى تتحقق كل أهدافه.

في المقابل، قال المفكر القبطي الدكتور كمال زاخر إن فترة الـ6 أشهر ليست كافية لتقييم التجربة المصرية، لافتا إلى أن هذه الفترة تصلح في تقييم الأفراد لا التجارب التي تتعلق بحياة الشعوب وحركات التغيير. وأضاف زاخر، ما زالت الأمور داخل البلاد في طور الولادة والتشكل، ولا نقدر على معرفة ماذا تحقق أو ما لم يتحقق، لأن الأمور معقدة، لافتا إلى أن أبرز ما تحقق خلال الفترة الماضية هو سقوط مبارك، رأس النظام، وتقديمه للمحاكمة، وظهور تيارات مهمشة بدأت تشارك بشكل إيجابي، في مقدمتها الأقباط والتيار السلفي والصوفيون. وقال زاخر: «تلاحظ في هذه التيارات خلال الفترة الماضية انحراف بعضها عن الخط ومحاولة خطف الثورة للمربع الخاص به، ومنها من حاول أن يجد لقدمه مكانا في مثل هذا الزحام، ولذلك فإن التجربة ما زالت تتفاعل، وما زال أمامنا وقت حتى نستطيع أن نقيمها تقييما علميا».

وفي نصف العام الذي مر، شهدت مصر أحداثا عظاما كان من أبرزها المشهد الفاصل في مسلسل الأحداث يوم التاسع عشر من مارس (آذار) الماضي، يوم ترك المصريون طوابير الخبز ليقفوا في طوابير الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وهو اليوم الذي حظي بأهمية كبيرة في قلوب الكثير من المصريين كونه اليوم الأول الذي يشاركون فيه بحرية في صنع مستقبل بلادهم.. كما حظي أيضا بأهمية أخرى على مسار الأحداث في مصر، إذ اتخذه المجلس العسكري الحاكم دليلا على شرعيته، كما أصبح هذا التاريخ نهاية فترة التوافق بين كافة القوى والائتلافات السياسية، لتبدأ فترة جديدة من الشد والجذب والبحث عن المكاسب الشخصية لكل طرف بدأت بعد إعلان نتيجة الاستفتاء وما خلفها من مخاوف صعود التيارات الإسلامية بقوة على الساحة السياسية ليبدو على ميدان التحرير الحيرة من جديد بين القوى الإسلامية والقوى الليبرالية التي نظم كل منهم المليونيات تحت مسميات متعددة وأهداف متباعدة، ولكنها في النهاية زادت من قلق الجميع على مستقبل البلاد.

وحول تقييمها للوضع، أوضحت الإعلامية بثينة كامل، المرشحة المحتملة لرئاسة مصر، أن أهم شيء نستنبطه بعد 6 أشهر هو أن مصر لم يحدث بها ثورة، لأن الهدف من الثورة الإطاحة بنظام قديم والإتيان بنظام جديد، والثورة في مصر أزالت رأس النظام فقط، فالوضع في مصر مهدد باستعادة الوضع البائد، وهناك محاولات لقتل الثورة والقضاء عليها.

وأشارت بثينة إلى أن هناك تباطؤا شديدا في تحقيق أهداف الثورة، وأن هناك سيناريوهات تمارس على الشعب، مدللة على ذلك بأن هناك تباطؤا في استعادة أموال الشعب المهربة خارج البلاد، مما أدى لهروب الكثير منها وصعوبة استعادتها.

وبدورها ذكرت الكاتبة الصحافية سكينة فؤاد، نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، أن هناك مصر جديدة ولدت بعد قيام الثورة؛ ولكن ليس الثورة فقط بل لإسقاط النظام، للتمهيد لتحول ديمقراطي، يتم فيه تداول السلطة وبناء مؤسسات للدولة قائمة على الانتخاب والشرعية.

وأشارت سكينة إلى أنها من الذين يدركون حجم التحديات التي يشهدها المجتمع الوطني خلال الستة أشهر الماضية، وهناك محاولة لتفكيك الثورة والالتفاف حولها، وإيجاد عقبات تستنفد الطاقة والجهد، وترتيب إخلاء مصر من الأمن ونشر البلطجة.

أما حكومات تسيير الأعمال، فقد تعاقب ثلاث منها خلال الستة أشهر الماضية، خلاف المتعارف عليه في مصر ببقاء الحكومة فترات طويلة، بدأت بحكومة الفريق أحمد شفيق التي لم تستطع مواجهة الغضب الشعبي ضدها كونها الحكومة التي كان مبارك قد عينها قبل تنحيه، وتستقيل لتأتي بدلا منها حكومة تحمل شرعية ميدان التحرير برئاسة الدكتور عصام شرف؛ إلا أن شرف ذاته واجه انتقادات عدة، فاضطر إلى تفعيل تعديل وزاري موسع (في حكومته الثانية) شمل إقالة نائبه الدكتور يحيى الجمل وتعيين نائبين آخرين وإقالة كافة الوزراء ممن أثير حولهم الشكوك نتيجة لانتمائهم للحزب الوطني المنحل.

ومن جهته يرى الدكتور عبد الله الأشعل، المرشح المحتمل لرئاسة مصر، أن «الحكومة الانتقالية الحالية حكومة هشة لا تقوى على الوقوف على أقدامها»، مشيرا إلى أن الثورة فتحت الباب لإزالة النظام السابق، وإقامة نظام جديد، والإسراع في وقف نزيف المجتمع المصري، مضيفا أنه حتى الآن لم يلمس تقدم في أي من المجالات في المجتمع، موضحا أن هناك ثورة مضادة تقوم على قتل الثورة المصرية، وأن هناك تدخلات أجنبية تعبث بالثورة، وأن الشباب المصري يقع في مرمى جميع هذه المؤامرات.

كذلك حملت فترة الستة أشهر الماضية أحداث انفلات أمني في محافظات مصر كانت آخرها في محافظات شمال سيناء وسوهاج.. ولم يكن الاقتصاد بمعزل عما تعانيه البلاد، ليشهد مسلسلا من الصعود والهبوط وسط تخوفات بسوء الأوضاع الاقتصادية وتأكيدات من الحكومة على قدرة الاقتصاد على تجاوز الأزمة، وبين كل هذه الأحداث المتلاحقة يقف المواطن مشتت الذهن حالما بغد أفضل يخلو من القمع والتعذيب ومليء بالأمل. وهو ما أشار إليه الداعية الإسلامي الدكتور صفوت حجازي بقوله: «لا أرى سلبيات للثورة؛ إلا في الخلل الأمني وهو ليس بالصورة المبالغ فيها بوسائل الإعلام»، لافتا إلى أنه «من وجهه نظري هناك ثلاثة أشياء نعتبرها سلبيات لكنها في تاريخ الثورات شيء طبيعي، وهي: المسألة الأمنية والاقتصادية وسيطرة الفكر القديم على أجهزة الإعلام».

وأكد حجازي أن أهم ما حققته الثورة المصرية أنها أسقطت الرئيس السابق بأعوانه، وقضت على التوريث في تاريخ مصر، وحلت البرلمان المصري بغرفتيه (الشعب والشورى)، وألغت الدستور، وقضت على الحزب الوطني (الحاكم سابقا) وحلت جهاز أمن الدولة؛ لكن أهم إنجاز هو عودة الوعي والروح للشعب المصري.