ساركوزي على متن حاملة الطائرات شارل ديغول: ماضون بمهمتنا في ليبيا حتى النهاية

الرئيس الروسي يوقع مرسوما لتطبيق عقوبات الأمم المتحدة ضد نظام القذافي.. وبان كي مون قلق من أعداد القتلى

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يوقع تذكارا لعنصر من طاقم حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول في ميناء بمدينة طولون الفرنسية أمس (رويترز)
TT

المسافة القصيرة نسبيا الفاصلة بين منتجع «كاب نيغر» على الشاطئ المتوسطي حيث يمضي عطلته الصيفية، ومرفأ طولون العسكري حيث رست حاملة الطائرات شارل ديغول، العائدة من مهمة طويلة مقابل الشواطئ الليبية، قطعها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قبيل ظهر أمس بطوافة عسكرية حطت به على مدرج هذه الحاملة التي تعمل بالدفع النووي والوحيدة من نوعها التي تملكها البحرية الفرنسية.

وحرص الرئيس الفرنسي على استقبال حاملة الطائرات والسفن المواكبة لها ليس مرده فقط قرب المسافة الجغرافية، بل إنه يحمل بالدرجة الأولى رسالة سياسية تتعلق بالدور الفرنسي في ليبيا، وبالتساؤلات التي أخذت تتردد في الوسطين السياسي والإعلامي، فضلا عن الرأي العام حول مآل الحرب في ليبيا والمدة «الإضافية» التي ستتواصل فيها، خصوصا حول «مصيرها» بعد أن تحول هدفها من حماية المدنيين الليبيين من بطش العقيد الليبي معمر القذافي إلى الإطاحة به. ووفرت عودة حاملة الطائرات الفرصة للرئيس الفرنسي ليؤكد على ثوابت السياسة التي تنتهجها بلاده بخصوص ليبيا. فهذه الحاملة هي أضخم قطعة بحرية «حليفة» شاركت في الحرب. وبحسب الأرقام التي كشف عنها الرئيس الفرنسي، فإن حاملة الطائرات التي عملت في منطقة العمليات خمسة أشهر، وفرت 2500 انطلاقة، و20 ألف ساعة تحليق نصفها ليلي. وقامت طائرات الحاملة شارل ديغول بـ770 عملية قصف و356 عملية استطلاع. ويتعين إضافة ما تقوم به الطوافات الفرنسية العسكرية من عمليات «حساسة» فوق ليبيا خصوصا لجهة استهداف الدبابات والناقلات التي يصعب استهدافها من مسافات بعيدة.

ما هي الرسالة التي أراد ساركوزي توصيلها في الكلمة التي ألقاها على متن حاملة الطائرات وطاقمها المؤلف من 1800 رجل؟ أراد ساركوزي بداية أن يؤكد على أن التزام فرنسا في ليبيا «ثابت» رغم سحب حاملة الطائرات لأسباب تتعلق بأعمال الصيانة من جهة وتبديل الطواقم من جهة أخرى، وذلك بعد تسعة أشهر من المهمات العسكرية في بحر العرب والمحيط الهندي، لدعم القوة الدولية في أفغانستان ثم في المتوسط، لتنفيذ عمليات القصف في ليبيا. وكانت هذه الحاملة وطائراتها من طراز «رافال» و«سوبر أتندار» تشكل عصب القوة الفرنسية المشاركة في العمليات الجوية. واضطلعت هذه القوة بنحو ثلث المهمات العسكرية فوق ليبيا فيما الثلث الثاني قامت به الطائرات العسكرية البريطانية. وللتعويض عن سحب «شارل ديغول» قامت القيادة الجوية الفرنسية بإرسال طائرات بديلة إلى قاعدتين للأطلسي في صقلية الإيطالية وجزيرة كريت اليونانية للتعويض عن الطائرات العشرين التي تحملها شارل ديغول.

وقال ساركوزي في خطابه «أريد أن أقول إن فرنسا، إلى جانب حلفائها، ماضية حتى النهاية في مهمتها (في ليبيا)، إذ إن إرادتنا لا تلين وليس لنا الخيار ولا الحق (في عدم الاضطلاع بها)، فنحن ملتزمون بالدفاع عن الشعب الليبي الذي له الحق في الحرية بعد 41 عاما من الديكتاتورية». ولذا، وفيما التساؤلات تتكاثر عن مصير الحرب وكلفتها، فقد شدد ساركوزي على أن الجهد العسكري الفرنسي «سيبقى ثابتا».

وحيا الرئيس الفرنسي طواقم حاملة الطائرات والجهود التي قاموا بها بهدف «منع الانتهاكات التي كان يتوعد بها ديكتاتور (العقيد القذافي) شعبه»، بحيث إن «أنهر الدماء التي وعد بها العقيد القذافي لم تسل». وتوجه ساركوزي للضباط والجنود وإلى جانبه وزير الدفاع جيرار لونغيه بقوله «يتعين على كل منكم أن يقول إنه بفضله تم إنقاذ آلاف الضحايا البريئة التي كان سيفنيها في بنغازي ديكتاتور مجنون».

إلى ذلك، وقع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف مرسوما، أمس، حول بدء تطبيق عقوبات على ليبيا تبنتها الأمم المتحدة في مارس (آذار)، خصوصا حظر التعاملات المالية مع نظام القذافي، حسبما ذكر الكرملين. وجاء ذلك بعد يوم واحد من إعلان الاتحاد الأوروبي رسميا عن هوية الشركتين الليبيتين الجديدتين اللتين طالتهما العقوبات، وهما شركة «الشرارة للنفط والغاز» والهيئة المكلفة بتطوير المراكز الإدارية.

وأعلن الكرملين أمس عن توقيع ميدفيديف على مرسوم لتطبيق العقوبات على ليبيا، وقال «إنها تدابير حول تطبيق القرار 1973 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في 17 مارس 2011».

وتحظر الوثيقة تحليق طائرات ليبية وطائرات متجهة إلى ليبيا في المجال الجوي الروسي، باستثناء تلك التي تنقل مساعدات إنسانية أو تقوم بهبوط اضطراري. وبحسب المرسوم، أجيز للأسطول الروسي تفتيش سفن شحن متوجهة إلى أو قادمة من ليبيا. وتنص أيضا على فرض عقوبات اقتصادية خصوصا حظر أي تعاملات مالية مع أعضاء في نظام القذافي والمقربين منه. ولم يوضح البيان سبب بدء تطبيق هذه العقوبات بعد خمسة أشهر من التصويت على القرار في الأمم المتحدة في مارس الماضي.

وفي وقت سابق من السنة، وقع ميدفيديف مرسوما حول بدء تطبيق العقوبات التي نص عليها القرار 1970 الذي تبنته الأمم المتحدة في فبراير (شباط) ودعمته روسيا. ويفرض القرار عقوبات صارمة على القذافي وأفراد أسرته والمقربين منه، بما في ذلك تجميد الأرصدة وحظر السفر، ردا على القمع الوحشي للمعارضة في ليبيا. وجاء ذلك بعد أن أعلن الاتحاد الأوروبي رسميا الخميس أن الشركتين الليبيتين الجديدتين اللتين طالتهما العقوبات هما شركة «الشرارة للنفط والغاز» والهيئة المكلفة بتطوير المراكز الإدارية. وكان الاتحاد الأوروبي أعلن الأربعاء عقوبات جديدة ضد ليبيا «نظرا لخطورة الوضع» في هذا البلد.

إلى ذلك، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن قلقه من العدد المتزايد للقتلى في صفوف المدنيين في النزاع الليبي، بما في ذلك في غارات حلف شمال الأطلسي. ومن دون أن يذكر أي طرف من أطراف النزاع، دعا بان الجميع إلى توخي الحذر، بحسب بيان صدر مساء أول من أمس.

وجاء في البيان أن «الأمين العام قلق جدا للمعلومات التي تشير إلى العدد غير المقبول للخسائر المدنية في النزاع في ليبيا»، كما دعا «كل الأطراف إلى التزام أقصى درجات الحيطة في تحركاتها للحد مستقبلا من الخسائر في صفوف المدنيين». وقالت الأمم المتحدة إن بان تحادث الأربعاء مع رئيس الوزراء الليبي البغدادي المحمودي للتأكيد على ضرورة حماية المدنيين والمطالبة بجهود جديدة للتوصل إلى حل سياسي للنزاع.