لجنة عراقية يعاونها خبراء دوليون لإعادة هيكلة الدولة

رئيسها لـ «الشرق الأوسط»: باشرنا الإصلاح بعد تقارير مخيفة للبنك الدولي

رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يتحدث خلال احتفال باليوم العالمي للشباب في بغداد أمس (إ.ب.أ)
TT

شرعت الحكومة العراقية في تنفيذ خطة إصلاح اقتصادي شامل تهدف إلى الانتقال بالدولة من اقتصاد السوق الموجه والمخطط مركزيا إلى اقتصاد السوق المفتوح، وذلك بالتزامن مع خطة مماثلة للإصلاح الإداري. وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد كشف مؤخرا في تصريحات تلفريونية عن لجنة تتكون من خبراء دوليين بهدف إعادة النظر بهيكلة الدولة في العراق.

وربط المالكي ولأول مرة بين فكرة الترشيق الحكومي التي أعلنها بعد نهاية مهلة المائة يوم التي كان حددها للبدء بإصلاحات حكومية وبين عملية إعادة النظر بهيكلة الدولة العراقية قائلا إن «فكرة الترشيق الوزاري ينبغي ألا تؤخذ على أنها عملية تقليص نفقات فقط، أو وزارات ليس لها أعمال أو وزراء ليس لهم حقائب، بل إن الترشيق جزء من فكرتنا التي طرحناها في مجلس الوزراء خلال ورقة الإصلاح التي تهدف لبناء دولة متماسكة بأجهزتها ومؤسساتها بغض النظر عن الزيادة بالعدد أو النفقات». وأشار إلى أن «الحكومة لا تريد أن تنفق مالا إلا بما يقدم مقابله خدمة أو عمل، وتلك هي فكرة الإصلاح في الجهاز الإداري وبهدف تحقيق هذه الأفكار فقد تم تشكيل لجنة لهذا الغرض يعمل معها خبراء دوليون وشركات خبرة في كيفية إعادة النظر بهيكلة الدولة وهيكل كل وزارة من الوزارات».

وضرب المالكي مثالا على صعيد البدء بخطة الإصلاح الإداري بقانون وزارة الداخلية الذي كان يقضي بحاجتها إلى 127 مديرية عامة ومن ثم انخفضت إلى 36 مديرية، مشيرا إلى أن «الحكومة ستمضي باتجاه جميع هياكل ومؤسسات الدولة لإعادة ترتيبها وآليات التخاطب فيما بينها وهو الأساس لدولة متينة متماسكة». واعتبر أن «إعادة هيكلة الدولة تقتضي ليس فقط على مسألة الوزراء، وإنما حتى على المديريات العامة والوكالات والهيئات».

من جهته، أكد الدكتور عبد الحسين العنبكي، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي ورئيس لجنة إعادة الهيكلة في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك بالفعل الآن جهودا تبذل ولكن بصمت لأنها بعيدة عن المناكفات والمشاحنات السياسية وإنما بأسلوب مهني وعلمي من أجل تطبيق برنامج إصلاح إداري حقيقي مواز بشكل أساسي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل، حيث إن الإصلاح الاقتصادي لا يمكن أن ينجح ما لم يقترن بإجراءات إدارية ناجحة وكفؤة». وأضاف أن «الدولة العراقية كانت تدار في السابق من المركز بطريقة مركزية صارمة عبر أوامر لا تقبل المناقشة أو النقض بالإضافة إلى ما يغلفها من روتين إداري قاتل وسلسلة وحلقات من الأوامر والجهات لأنه مبني على التخطيط المركزي، بينما الأمر يختلف بالنسبة لاقتصاد السوق، حيث تتطلب آليات جديدة وأدوات عمل جديدة لكي تحقق النجاح المطلوب»، مشيرا إلى أن «السياسات السابقة سواء على المستوى الاقتصادي أو الإداري كانت عاجزة عن ملاحقة التطورات الجديدة في اقتصاد السوق». وحول الجهات الداعمة لهذه الخطة التي تعتمدها الحكومة العراقية الآن قال العنبكي إن «الخطة التي نعمل الآن على تطبيقها تجري بالتنسيق مع البنك الدولي وجهات دولية أخرى ولكنها ليست حكومية وإنما هم خبراء دوليون في إطار سياسات البنك الدولي والذي كنا اطلعنا على تقارير له أفزعتنا وأخافتنا على طريق الإصلاح الاقتصادي، حيث إنه من 183 دولة شملها تصنيف البنك الدولي جاء العراق بالمرتبة 157 وهو ما يعني أنه في مراتب متدنية جدا الأمر الذي جعلنا نعتمد خطة علمية ومهنية وطموحة بعيدا تعتمد بناء مؤسسات دولة يمكن أن تنتمي إلى العصر الحديث باليات حقيقية». وحول السقف الزمني الموضوع لهذه الخطة قال العنبكي إنها «تأخذ وقتا لأن طريق الإصلاح الاقتصادي طويل ومعقد ولكنه ما دام يعتمد المعايير العلمية وبتنسيق مع البنك الدولي فلا خوف عليه»، مشيرا إلى أن «هناك دولا سبقت العراق على طريق الانتقال إلى اقتصاد السوق والإصلاح الإداري والاقتصادي الشامل مثل بولونيا ورومانيا لا تزال تعمل مع أنها بدأت منذ عشرين سنة». وأقر العنبكي بأن «المشكلة التي نواجهها الآن في العراق هي أن طريق الإصلاح الاقتصادي لا يزال يصطدم بالإصلاح الإداري الذي لا يزال بطيئا ويشهد عراقيل في هذا الاتجاه الأمر على الرغم من أننا نريد الوصول إلى جهاز كفء ومهني وقادر على أن يرتقي وفق معايير البنك الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى». وبين العنبكي أن من بين «الأهداف الأساسية للإصلاح الاقتصادي الشامل وإعادة هيكلة الدولة هو أن يكون محط جذب للاستثمارات الأجنبية وهو أمر يتطلب منها اختزال الكثير من الفقرات والإجراءات منها مثلا عملية تسجيل شركة، حيث تستغرق نحو 77 يوما وتمر بأكثر من 25 حلقة إدارية وهي أمور ستختفي قريبا بحيث نتحول إلى دولة قادرة على ضمان الشفافية في كل التعاملات والإجراءات». وردا على سؤال بشأن ما إذا كانت الخلافات السياسية تؤثر على سياق تنفيذ خطة الهيكلة قال العنبكي إن «عملنا هو عمل دولة وليس عمل كتل أو أحزاب ومن يعمل هم خبراء مهنيون عراقيون ودوليون ومن خلال البنك الدولي ولا تهمهم سوى لغة الأرقام والحقائق العلمية».