بلاك بيري ينتقل من المديرين إلى الغوغاء

برلماني دعا لتجميد خدمته خلال شغب بريطانيا.. والشركة المنتجة للجهاز تعاونت مع المحققين

TT

تحول جهاز «بلاك بيري» الذي أنتجته شركة «ريسرتش إن موشن ليميتيد» إلى أداة يتعذر الاستغناء عنها بالنسبة للكثير من المسؤولين التنفيذيين نظرا لتميزه بخدمة رسائل سهلة الاستخدام. إلا أن نفس الخاصية شكلت عامل الجذب للصوص المتورطين في أسوأ أعمال شغب تشهدها بريطانيا منذ ثمانينات القرن الماضي.

ومنذ السادس من الشهر الحالي 6 أغسطس (آب)، ألقي القبض على نحو ألف شخص داخل العاصمة، عندما اندلع العنف في أعقاب مقتل رجل أسود البشرة، مارك دوغان، بسبب إطلاق الشرطة النار عليه مما أرداه قتيلا. وتواجه شركات التأمين فاتورة تتجاوز قيمتها 100 مليون جنيه استرليني (163 مليون دولار)، حسبما أعلن اتحاد شركات التأمين البريطانية.

واستغل بعض المتورطين في أعمال العنف خدمة الرسائل في «بلاك بيري» لتنظيم أنفسهم، حسبما أفادت الشرطة، مما أدى إلى تنامي الدعوات بتجميد هذه الخدمة. وحذر جوناثان أكوو، مدير وحدة شؤون الإعلام الاجتماعي لدى «إنجين غروب»، وهي شركة تسويق مقرها لندن من بين عملائها «كوكا كولا كو» و«سوني كورب»، من أن الربط بين الاضطرابات و«بلاك بيري» قد يضر بالعلامة التجارية. واستطرد موضحا خلال مقابلة أجرتها معها «بلومبيرغ للأنباء»: «هذا الربط سلبي، وقد جرى تحميلهم اللوم عما وقع. إلا أنه من غير المنطقي إلقاء اللوم عليهم، فهم لم يثيروا أعمال الشغب».

من جهتها، عمدت «ريسرتش إن موشن ليميتيد» على اجتذاب المستهلكين الأصغر سنا لمواجهة المنافسة الصادرة عن أجهزة أحدث مثل «آي فون» من إنتاج «آبل» وأجهزة تعتمد على نظام تشغيل «أندرويد» الخاص بـ«غوغل إنك». وعليه، فإنه بعد مرور أكثر من عقد على طرحه في الأسواق، أصبح «بلاك بيري» الهاتف الأكثر شعبية بين الشباب والمراهقين في بريطانيا، نظرا لخدمة الرسائل الموجودة به والتي تتيح بديلا مجانيا لكتابة الرسائل النصية، حسبما أعلنت منظمة «أوكوم» المعنية بتنظيم الاتصالات عن بعد هذا العام.

من جانبه، دعا ديفيد لامي، عضو البرلمان البريطاني، الأربعاء، لتجميد خدمة «بلاك بيري» لمنع استغلاله من قبل المتورطين في أعمال الشغب. وفي المقابل، أعلنت «ريسرتش إن موشن ليميتيد» أنها ساعدت شرطة لندن التي تولت التحقيق في استغلال خدمة الرسائل لتنظيم أعمال الشغب. ورفض ممثلون عن الشركة في كندا وبريطانيا الإدلاء بمزيد من التعليقات في هذا الصدد، ولم يردوا على الاتصالات الهاتفية التي أجريت من لندن.

وكان من شأن انتشار وجود أجهزة «بلاك بيري» في أيدي مرتكبي أعمال السلب والنهب حدوث زيادة بمقدار 300 ضعف في عدد مرات ذكر خدمة رسائل «بلاك بيري» على صلة بأعمال الشغب، وجاء ثلث هذه المرات سلبيا، و3% إيجابية، طبقا لشركة «براندووتش» البحثية المعنية بمراقبة «تويتر» و«فيس بوك». وطبقا لإحصاءات «براندووتش»، فإن خدمة رسائل بلاك بيري ورد ذكرها عبر الإنترنت 27.000 مرة في 6 أغسطس، وارتفع العدد إلى 31.000 مرة في 8 أغسطس.

وألقت الشرطة في فوكستون بإنجلترا القبض، الأربعاء، على رجل وامرأة، كلاهما في الـ18 من العمر، لنشرهما رسائل عبر «فيس بوك» تشجع آخرين على الانضمام لأعمال الشغب. وطلبت الشرطة من السكان الاتصال بالسلطات لدى معاينتهم رسائل مشابهة على «تويتر» أو خدمة رسائل بلاك بيري. الملاحظ أن شعبية «بلاك بيري» بين المستهلكين الشباب ساعدتها الأسعار الأرخص للنماذج الأساسية، مثل «كيرف»، وتوافر جهات خدمة «الدفع لدى الاستخدام» مثل «فودافون غروب».

ونبه أكوو إلى أن شركة «بلاك بيري» أصبح «أمام سمعتها تحد يتعين عليها التعامل معه، يتعلق بقاعدة مستخدميها الراهنة. والتساؤل القائم أمام مسؤوليها: كيف يمكن تناول ارتباط الشركة بأعمال الشغب التي وقعت بسبب اختيار الشباب للجهاز الذي أنتجته؟».

وطبقا لدراسة حول العلامات التجارية لعام 2011 وضعتها شركة «ميلوورد براون أوبتيمر»، تراجعت مكانة «بلاك بيري» إلى المركز الـ25، بدلا من الـ14 العام الماضي، بين العلامات التجارية العالمية الأعلى قيمة. وأعلنت «ريسرتش إن موشن ليميتيد» عبر حسابها البريطاني على «تويتر» في 8 أغسطس أنها تعاونت مع السلطات لـ«المساعدة بأي صورة ممكنة».

وعلق ليف أولوف والين، وهو محلل لدى «غارتنر إنك»، بقوله: «هذا يوضح أن ريسرتش إن موشن ليميتيد تسلك مسلك المواطن الصالح وتساعد شركات تشغيل الهواتف الجوالة على الاضطلاع بواجباتها القانونية المتعلقة بالتنصت داخل المملكة المتحدة. قطعا سيتضرر نشاطها التجاري بشدة لو أنها تصرفت كما لو كانت تقول إنني أساعد اللصوص على ارتكاب تجاوزات. هذا أمر لا ترغب الشركة في ارتباط اسمها به».

والملاحظ أيضا أن «بلاك بيري» وشبكات التواصل الاجتماعي لعبت دورا حيويا في الاتصالات بين المتظاهرين أثناء «الربيع العربي» في منطقة الشرق الأوسط، مما أدى لإسقاط النظامين في مصر وتونس، ويهدد النظام في ليبيا.

ومن بين رسائل «بلاك بيري» التي اطلعت عليها صحيفة «غارديان»: «على جميع سكان أطراف لندن التقابل في قلب لندن عند أوكسفورد سيركس!! سنحطم المتاجر، تعال واحصل على بعض السلع مجانا».

وأعرب تشوكا أمونا، وزير الظل لشؤون التجارة عن حزب العمال، الخميس، خلال مقابلة أجرتها معه مريم نمازي في برنامج «بلس» على «بلومبرغ تي في»، عن اعتقاده بأنه «تم فيما يبدو استهداف متاجر بعينها. وقد تضررت المتاجر التي تبيع ملابس رياضية، وكذلك التي تبيع أجهزة إلكترونية».

يذكر أن «ريسرتش إن موشن» نظمت حملة دعائية العام الماضي تحمل شعارات مثل «المحادثات تدفق بطبيعة عبر بلاك بيري ماسنجر»، مروجة للخدمة باعتبارها وسيلة للتواصل أرخص من المكالمات الهاتفية. وقال باتريك كاربيرغ، المحلل لدى «مجموعة ابتكار أنظمة المعلومات» التابعة لكلية لندن للاقتصاد: «الآن، نرى بلاك بيري يستخدم في أغراض ربما لم تكن في ذهن المصمم. ويتفهم جيل الشباب الهدف العام من التكنولوجيا، لكنه عندما يقع بأيدي المستخدمين، يمكن استغلاله في الخير أو الشر».