أزمة التمويل الأجنبي تلقي بظلالها على العلاقات بين القاهرة وواشنطن

مصدر بالسفارة الأميركية: مسؤول حكومي مصري بارز ساهم في التصعيد

TT

يبدو أن الاستقالة المفاجئة لرئيس جهاز المعونة الأميركية في مصر جيمس بيفر تحمل في طياتها العديد من الخبايا، فوفقا لمصدر مسؤول في السفارة الأميركية في القاهرة فإن بيفر - الذي لم يمر على تعيينه في القاهرة أكثر من عشرة أشهر - قدم استقالته بعد أن تعرض لعثرات عدة وضعها أمامه مسؤول مصري حكومي رفيع. وتابع المصدر قائلا إن «المعضلة الأساسية التي واجهت بيفر أن المسؤول الحكومي لا يزال يحتفظ بنفس النظرة القديمة لمجال عمل منظمات المجتمع المدني، وهو ما لم يتوافق مع فكر بيفر».

وأوضح المصدر أن السفارة الأميركية لم ترض عن تلك الممارسات ولم تضغط بقوة خشية أن يتم تفسير الموقف الأميركي بشكل خاطئ. وتابع المصدر الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» مفضلا عدم ذكر اسمه، أن هناك سوء فهم كبيرا بين القاهرة وواشنطن فيما يتعلق بمجال تمويل منظمات المجتمع المدني، حيث أوضح أن الحكومة المصرية تعترض على تمويل منظمات المجتمع المدني من أموال المعونة الأميركية، بينما قطاع كبير من موظفي الحكومة يتقاضون رواتب وصفها بـ«الضخمة» مستفيدين من تمويل المعونة الأميركية وأولهم الدائرة القريبة من المسؤول الحكومي البارز.

لكن بيانا للسفارة الأميركية أوضح أن بيفر سوف يعود إلى واشنطن لتولي مهام ومسؤوليات جديدة في أماكن أخرى، ولم يشر البيان لأسباب الاستقالة المفاجئة لبيفر، كما ذكرت الخارجية الأميركية في بيانها الصحافي المعتاد قبل يومين أن كل ما يثار حول المعونات الأميركية في القاهرة يستند إلى «معلومات مغلوطة وغير صحيحة». وكانت أزمة تمويل منظمات المجتمع قد ثارت في مصر بعيد إعلان واشنطن تخصيص 150 مليون دولار أميركي (أعيد برمجتها من مشاريع تمويل أميركية أخرى) لمنظمات المجتمع المدني في مصر، وأعلنت رسميا فتحها باب التقدم للحصول على منح عبر تلك الأموال، ودون المرور بالإجراءات البيروقراطية المعقدة المتعارف عليها، وهو ما أثار حفيظة القاهرة، معلنة رفضها لهذا التوجه.

ووفقا للقانون رقم 84 لسنة 2002 الخاص بإصدار قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية في مصر فإنه مسموح للجمعيات والمؤسسات الأهلية الحصول على تمويل أجنبي شريطة أن تكون تلك المؤسسات مسجلة رسميا، وأن يمر التمويل عبر وزارة التضامن الاجتماعي، حيث يتم وضع التمويل لديها ومن ثم يمكن للمؤسسات استخدامه. وبحسب اتفاقية خاصة بين مصر والولايات المتحدة وقعت عام 1979 فإن للحكومة الأميركية إعطاء معونة أو تمويل سنوي للحكومة المصرية وهو ما يسمى التمويل (الحكومي - الحكومي) ولكن عقب ثورة 25 يناير تصر واشنطن على توزيع مبلغ الـ150 مليون دولار أميركي بطريقة أخرى جديدة، وهي أن يكون التمويل (حكومي - شعبي) دون العبور بالطرق الرسمية المصرية. وترى القاهرة أن هذا يمثل تدخلا في شؤونها الداخلية، وأوضح مسؤول مصري مطلع أن أزمة تمويل منظمات المجتمع المدني في مصر لا يمكن على الإطلاق وضعها في إطار المشاكل الشخصية أو الاختلافات الشخصية بين المسؤولين. وقال المصدر: «المشكلة المثارة حاليا لا تعدو كونها توجها حكوميا مصريا رسميا يرفض أي تمويل أجنبي لا يمر عبر الطرق الرسمية في مثل هذا الوقت الدقيق»، وتابع بقوله: «الحل الوحيد للأزمة أن تتعامل واشنطن مع القاهرة من منطلق كون القاهرة دولة مؤسسات، وأن يتم تحويل الأموال لمنظمات المجتمع المدني تحت أنظار الحكومة المصرية وبعلمها التام».

وتساءل المصدر باستغراب: «هل يمكن أن تسلك واشنطن نفس السلوك في دعمها لمنظمات المجتمع المدني في بريطانيا وفرنسا؟»، واختتم المصدر حديثه بقوله: «هناك طريقتان لتسيير تلك الأمور، القانون أو القوة، ومصر لا تقبل إلا بالطرق القانونية». ونفى المصدر المصري الرفيع أن تكون القاهرة قد أثارت أي عقبات في وجه بيفر، مؤكدا أن مصر ملتزمة بأن تمر أموال التمويل عبر الطرق المتفق عليها.. «لا يعني ذلك تخوين أي ممن يتلقون التمويل في الداخل، ولكن هناك قلقا من إساءة استخدام تلك المؤسسات وبالتالي عدم توقف تلك الحركات والمؤسسات عند حد نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان». وشكك المصدر في إمكانية حصر الأموال التي يتم إنفاقها في مصر قائلا: «من الصعب، بل من المستحيل أن نعرف هل هناك أموال تصرف من وراء ظهورنا أم لا.. وهو ما يثير حفيظتنا بالتأكيد».

وكان مجلس النواب الأميركي قد صوت لاستحداث مبعوث أميركي لحماية حقوق الأقليات الدينية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، حيث شهد النقاش التعبير عن القلق المتزايد من مصر والعراق وباكستان، وجاء القرار بأغلبية 402 صوت مقابل 20 صوتا فقط، ولكن الأمر سيحتاج لموافقة الرئيس باراك أوباما لاستحداث منصب المبعوث، بالإضافة لتصويت مماثل في مجلس الشيوخ، ولكن أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين عبروا عن دعمهم المبدئي للقرار.

وكانت السفيرة الأميركية الجديدة آن باترسون قد ذكرت خلال حفل سحور أقامته السفارة الأميركية قبل أيام أن المعونة الأميركية تمر عبر موافقة الحكومة المصرية وليس من وراء ظهرها، مشيرة إلى أن السفارة ستعلن قائمه كاملة بأسماء المتلقين للمعونات، وهو العدد الذي وصفه مصدر خاص لـ«الشرق الأوسط» في السفارة الأميركية بالمتواضع والذي لا يرقى لإثارة كل تلك الضجة.