أزمة وقود خانقة في كردستان ترافق الارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية

أسعار البنزين قفزت ثلاثة أضعاف.. والمواطنون حائرون حول السبب

إحدى أسواق مدينة أربيل («الشرق الأوسط»)
TT

يعاني إقليم كردستان منذ بداية رمضان من أزمة وقود مستفحلة تحير الكثير من المواطنين، حيث إنها جاءت دون أية مقدمات ما عدا حلول الشهر الفضيل الذي عادة ما ترتفع فيه الأسعار، خصوصا المواد الغذائية. ورغم أن السلطات المحلية بذلت جهدا كبيرا لمنع أي ارتفاع لأسعار المواد الغذائية خلال هذا الشهر على عكس السنوات السابقة التي كان التجار يرفعون فيها الأسعار كيفما شاءوا، فإن الحكومة تدخلت هذا العام عن طريق بعض الإجراءات الإدارية والرقابية أعلنت عنها قبيل حلول الشهر الفضيل، تحول دون فرض أية زيادات في أسعار المواد الغذائية، ولكن مع الارتفاع المفاجئ لأسعار الوقود، وخصوصا مادة البنزين، فقد ذهبت جهود الحكومة أدراج الرياح، فالتجار يعللون أسباب رفعهم للأسعار بالزيادات الكبيرة التي فرضها أصحاب محطات الوقود الأهلية على البنزين، ويشيرون إلى زيادة تكلفة نقل المواد، ما يجرّ معها فرض زيادات على أسعارها.

ويأتي الوقود إلى كردستان عبر المصافي الحكومية العراقية في كل من «بيجي» و«الدورة»، وتتسلم جزءا منها محطات التعبئة التابعة للحكومة التي توزعها عبر الكوبونات، بينما تستأثر المحطات الأهلية بالجزء الأعظم من تلك المادة وتفرض أسعارا أكبر مما تبيعها الحكومة للمواطنين، ومع ذلك فقد ساهمت تلك المحطات الأهلية في السنوات السابقة في انسيابية التجهيز مع العدد المحدود لمحطات التعبئة الحكومية التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، بينما تنتشر المحطات الأهلية في أرجاء المحافظات بالمئات.

ومنذ اليوم الأول لحلول شهر رمضان قفزت أسعار البنزين إلى ثلاثة أضعاف، ويباع اللتر الواحد من البنزين الواصل من مصفى «بيجي»، وهو من أردأ الأنواع بأكثر من 1100 دينار، في حين أن النوع المحسن السوبر كان يباع بهذا السعر قبل رمضان.

ومع أن الأزمة بدأت تتسع وتستفحل، فإن إجراءات الحكومة ما زالت محدودة، فقد ذكرت ناسك توفيق عبد الكريم مقررة لجنة الصناعة والطاقة والمصادر الطبيعية في برلمان كردستان باتصالها مع «الشرق الأوسط» أن «المشكلة تنحصر في فقدان المرجعية لحل الأزمة، فوزارة المصادر الطبيعية تتنصل من مسؤوليتها بادعاء أنها غير مسؤولة عن استيراد وتوزيع الوقود على محطات التعبئة، وتلقي بالمسؤولية على عاتق مديرية توزيع الوقود بالمحافظات التي تشرف وتتولى إدارة المحطات الحكومية ومراقبة المحطات الأهلية، ولذلك عقدنا اجتماعا طارئا يوم 2/8 في لجنة الطاقة بالبرلمان ودعونا رئاسة البرلمان إلى تخصيص جلسة استثنائية لبحث هذه الأزمة، واستدعاء السيد رئيس حكومة الإقليم إذا دعت الحاجة لسؤاله عن أسباب هذه الأزمة وطرق معالجتها».

في هذا الإطار بادرت محافظة السليمانية وكحل عاجل للتخفيف من الأزمة بزيادة حصة السيارات الأهلية من مادة البنزين، حيث رفعت مديرية توزيع المنتجات النفطية بالمدينة حصة السيارات الخصوصية من 50 إلى 80 لترا في الأسبوع، ورفع حصة سيارات الأجرة من 90 إلى 120 لتر أسبوعيا.

وفي استطلاع لآراء عدد من السواق بأربيل قال نوزاد أحمد، سائق سيارة أجرة: «الأزمة فاجأتنا مع حلول شهر رمضان، وأعتقد أنها أزمة مفتعلة، فنحن لا نجد أي سبب معقول لهذا الارتفاع الكبير في أسعار الوقود، فالوقود يصل إلى المحافظات كما في السابق، ولم نسمع عن تفجير إرهابي للمصافي، كما لم نسمع بأي معرقلات في الطريق تحول دون تدفق الشاحنات كما في السابق، لذلك فإن المسؤولية يتحملها مالكو المحطات الأهلية الذين يتلاعبون بالأسعار، والمشكلة أن أزمة الوقود ستؤثر بشكل كبير على أسعار جميع المواد الأخرى بحجة زيادة كلف النقل». وأيده دانا عمر، وهو أيضا سائق سيارة أجرة، بالقول: «فعلا، إن زيادة أسعار الوقود ستسهم في زيادة الأسعار للمواد الأخرى، فأنا مضطر إلى أن أزيد من أجور التاكسي، والبقال سيزيد من سعر الفاكهة والخضر، والنجار سيزيد من أجرة عمله، وهكذا ندخل في دوامة من الارتفاع المتواصل للأسعار، وحتى موردنا اليومي بدأ يتأثر بهذه الزيادة، فالناس لا يستطيعون أن يدفعوا أربعة آلاف أو خمسة آلاف دينار لركوب التاكسي، لذلك حتى موردنا بدأ يقل بسبب هذه الزيادة الكبيرة».

ويقول المواطن شوان: «أوقفت سيارتي في البيت وبدأت أقضي حوائجي باستخدام الباصات الأهلية، فليس بمقدوري أن أدفع مبلغا كبيرا بعشرات الآلاف لتعبئة سيارتي بالوقود، خصوصا وأن معظمها بات من النوعيات الرديئة التي لا تصلح لتعبئة سياراتنا من الموديلات الحديثة، فأنا لا أريد أن أعرض سيارتي لعطلات ستكلفني مبالغ كبيرة لمجرد تعبئتها بالوقود الرديء».

وكانت مديرية توزيع المنتجات النفطية قد سيرت عددا من اللجان التفتيشية بالتعاون مع مديرية الشرطة لمراقبة نوعيات البنزين الموزعة في المحطات الأهلية ورصدت الكثير من المخالفات في المواصفات المطلوبة، ولكن كل ذلك لم يشفع في حل للمشكلة التي باتت تضيق الخناق على مواطني الإقليم، حتى أولئك الذين لا يمتلكون السيارات ولكنهم يتحملون وزر الأزمة من خلال الارتفاع الحاصل في أسعار المواد الاستهلاكية.