بريطانيا تستعين بقائد سابق لشرطة نيويورك لإخماد الشغب.. من دون راتب

بدء العمل بطرد المتورطين من المساكن الاجتماعية.. واستطلاع يبرز «عدم الرضا» عن قيادة كاميرون

صورة أرشيفية للقائد السابق لشرطة نيويورك ويليام براتون (رويترز)
TT

حذر ويليام براتون الخبير الأميركي في التعامل مع العصابات الذي استعان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بخدماته لمواجهة أعمال الشغب، من أن التعامل مع المشكلة أكثر تعقيدا من مجرد اعتقال مثيري الشغب. وقال براتون الذي ينسب إليه فضل كبح الجريمة في الشوارع كقائد للشرطة في نيويورك ولوس أنجليس وبوسطن، والذي وافق على زيارة بريطانيا خلال الشهور المقبلة لتقديم النصح، «لا يمكن حل المشكلة بمجرد القيام باعتقالات وتوقيف أشخاص».

وكان براتون من المسؤولين الرئيسيين في التعامل مع النشاط الإجرامي، وأسهمت سياسته القائمة على «عدم التسامح قيد أنملة» مع المخالفين للقانون في خفض معدلات الجريمة في نيويورك كما ساهم في خفض مستوى الجرائم بعد أعمال الشغب التي دارت في لوس أنجليس عام 1992. وقال إن الحل للمشكلة يكمن في شرطة قوية إلا أنها تستند إلى المجتمعات المحلية لاستئصال ثقافة العصابات من جذورها. ونقلت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» قوله إن التعامل مع تلك المشكلات «يتطلب الكثير من سياسات التدخل والاستراتيجيات الوقائية وأساليب تدارك» الأحداث.

وقال براتون إن الحكومة البريطانية يمكنها الاستفادة من «الخبرة الأميركية في التعامل مع مشكلة العصابات، والوسائل التي أثبتت نجاحها وتلك التي لم تنجح ومن ثم كيفية تطبيقها». وذكر لصحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية أن مثيري الشغب صغار السن يجب أن يخافوا من الشرطة ومن إمكانية مواجهة عقاب خطير. وأضاف الرجل البالغ من العمر 63 عاما «يجب العمل على ردعهم عن الجريمة بتوقيفهم وملاحقتهم (قضائيا) وحبسهم. تجربتي علمتني أن الأحداث من المجرمين لا يخافون الشرطة بل ينزعون لتحديها»، موضحا أنه «يجب أن يعوا منذ صغرهم أنه لن يتم التسامح مع هذا السلوك المقيت المعادي للمجتمع».

وجاء ذلك مع انتشار قوات الشرطة البريطانية بشكل واضح في شوارع لندن أمس سعيا لوقف أسوأ أعمال شغب تشهدها إنجلترا منذ عقود. وكان الأسبوع الماضي شهد أربعة أيام من أعمال الشغب أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص فضلا عن عمليات نهب وإحراق وخسائر مادية ضخمة شملت العاصمة وعدة مدن أخرى.

وأكدت رئاسة الوزراء البريطانية في وقت متأخر أول من أمس أن كاميرون اتصل هاتفيا ببراتون وطلب منه زيارة البلاد، مضيفا أنه طلب منه تقديم النصح خلال سلسلة من الاجتماعات في الخريف تعقد معه على أساس التطوع من دون تقاضي راتب عن ذلك.

ودعم وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن ما ذكره براتون عن أهمية التركيز على القضايا الاجتماعية، بينما قال إنه لن يتراجع عن الاستقطاعات المخطط لها من ميزانية الشرطة التي انتقدتها المعارضة ومسؤولون كبار بجهاز الشرطة. وقال أوزبورن لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): «نحن ملتزمون بالخطة التي وضعناها لإصلاح الشرطة. نريد الاستفادة من نصائح شخصيات مثل بيل براتون للتعامل الجدي مع القضايا الاجتماعية المتجذرة مثل النشاط الإجرامي».

ومن المتوقع أن يشكل بدء موسم مباريات كرة القدم للدوري الإنجليزي أمس عبئا إضافيا على موارد الشرطة مع مخاوف من اندلاع العنف مجددا خلال عطلة نهاية الأسبوع الحالية. وقد تم إرجاء مباراة بين فريقي توتنهام وفريق إيفيرتون مع عدم استعداد منطقة توتنهام بشمال لندن لضمان الهدوء أثناء المباراة. وكانت أعمال الشغب اندلعت أولا في توتنهام قبل أسبوع بعد مقتل رجل برصاص عناصر من قوة خاصة في الشرطة لمكافحة الجرائم. ووصل عدد الشرطيين المنتشرين في لندن في وقت سابق من الأسبوع الماضي إلى أكثر من 16 ألف شرطي وهو يساوي عدة أضعاف العدد في الأوقات الطبيعية، فيما قالت وزيرة الداخلية تيريزا ماي إن العدد الإضافي من قوات الشرطة سيبقى في العاصمة حتى إشعار آخر. وقد شهدت إنجلترا ثلاثة أيام أكثر هدوءا في أعقاب موجة العنف التي أدت إلى اعتقال 1600 شخص في كل من لندن وبرمنغهام ومانشستر وليفربول ونوتنغهام فضلا عن مدن أخرى. وقالت شرطة العاصمة البريطانية أمس إنها وجهت اتهامات لرجل في العشرينات من عمره على خلفية سرقة طالب ماليزي خلال أعمال الشغب في لندن في حادث جرى تصويره وتم بثه على الإنترنت ما أثار استياء الملايين. وكان مقررا أن يمثل ريس دونوفان، من منطقة رومفورد شرق لندن للمحاكمة في وقت متأخر أمس. وكان الضحية ويدعى أشرف حاذق رسلي قد تعرض لكسر فكه خلال أعمال عنف في باركينغ بشرق لندن ومن ثم جلس مشوشا فاقترب منه أشخاص متذرعين بمساعدته بينما كانوا يسرقون حقيبته من الخلف، وهو الحادث الذي التقط على شريط فيديو.

واستمرت المحاكم في العمل على مدار الساعة للنظر الفوري في القضايا المتعلقة بأعمال الشغب التي نفذها أشخاص من خلفيات متعددة، وإن كان خمسهم دون الثامنة عشرة من العمر. وأصدر المجلس المحلي لمنطقة وندسورث بجنوب لندن أمرا بطرد امرأة تسكن شقة على نفقة الدولة وهو الأمر الأول من نوعه الذي سيدخل حيز التنفيذ حال صدور حكم بإدانة ابنها في أعمال الشغب.

وقال رئيس الوزراء إن مثيري الشغب الذين شاركوا في الاضطرابات يجب طردهم من المساكن الاجتماعية. وقال كاميرون لـ«بي بي سي»، مساء أول من أمس، إن الأشخاص الذين «ينهبون جماعاتهم الخاصة» يجب ألا يسمح لهم بالعيش في المساكن الاجتماعية المخصصة لذوي الدخل المحدود. وأضاف: «إذا كنتم تعيشون في مسكن اجتماعي، ستستفيدون من منزل بسعر متهاون وهذا يحتم عليكم تحمل مسؤوليات. على مدى وقت طويل، اعتمدنا سياسة شديدة التراخي مع الأشخاص الذين ينهبون جماعاتهم. إذا قمتم بذلك، يجب أن تخسروا حقكم في الحصول على سعر مدعوم للسكن». وقال أيضا: «بطبيعة الحال، هذا الأمر يعني أن علينا إيواءهم في مكان آخر. عليهم إيجاد مسكن في القطاع الخاص، وهذا الأمر سيكون أكثر صعوبة لهم لكن كان عليهم أن يفكروا في ذلك قبل البدء بالسرقة».

في غضون ذلك، أظهر استطلاع للرأي أن أكثر من نصف البريطانيين يعتقدون أن رئيس الوزراء كاميرون فشل في إظهار قيادته في وقت مبكر بشكل كاف للسيطرة على أعمال الشغب. واتفقت نتائج الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة «كومريس» لصالح صحيفة «الإندبندنت» مع نتائج استطلاع أجرته مؤسسة «اي سي إم» لصالح صحيفة «الغارديان» الذي قال فيه 30 في المائة فقط ممن شملهم الاستطلاع إن كاميرون رد بشكل جيد على أعمال الشغب بينما رأى 44 في المائة خلاف ذلك.

وقال 36 في المائة فقط ممن شملهم الاستطلاع الذي أجرته «كومريس» إنهم يثقون في قيادة كاميرون لبريطانيا بشكل عام. وقال استطلاع مختلف أجرته «رويترز - ايبسوس موري» الشهر الماضي إن 38 في المائة كانوا راضين عن الطريقة التي يؤدي بها كاميرون عمله. وقال 54 في المائة إن كاميرون، الذي لم يقطع إجازته إلا بعد أن وصلت أعمال الشغب إلى ذروتها يوم الاثنين، فشل في إظهار قيادته بشكل مبكر على نحو كاف.

وقال نصف من شملهم الاستطلاع إنهم لا يثقون في قدرة لندن على تأمين دورة الألعاب الأولمبية العام المقبل، بينما قال الثلث إنهم لم يغيروا رأيهم. وفي علامة على ضرر محتمل على سمعة لندن، قال عضو في البرلمان الألماني إنه يتعين على مسؤولي اللجنة الأولمبية دراسة نقل دورة الألعاب الأولمبية عام 2012 من لندن إذا استمرت أعمال الشغب والسلب. وأصر منظمو دورة الألعاب واللجنة الأولمبية الدولية على أن أعمال العنف لن تؤثر على الاستعدادات للدورة ولا على صورة لندن.