المالكي يدعم سوريا مدفوعا من إيران وقيادي في ائتلافه يصنف معارضي الأسد في خانة «القاعدة»

يسبح عكس التيار العربي الذي بدأ ينقلب ضد ممارسات النظام السوري

TT

في الوقت الذي يدين فيه زعماء الدول العربية والدول الأخرى أعمال العنف التي يمارسها الرئيس السوري بشار الأسد ضد المتظاهرين في سوريا، يعزف نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، على نغمة مغايرة حيث يحث المتظاهرين على عدم «تخريب» البلاد واستقبل وفدا رسميا سوريا.

ويمثل دعم المالكي للأسد دلالة على تحول بوصلة العراق في الشرق الأوسط نحو المحور الذي تقوده إيران. وكذلك زاد من الفجوة بين الأغلبية الشيعية في العراق، التي قبل قادتها رواية الأسد التي يقول فيها إن تنظيم القاعدة هو الذي يقف وراء الانتفاضة، والأقلية السنية التي أدان قادتها أعمال العنف في سوريا.

وقال جوست هلترمان، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية: «زادت هذه الاضطرابات التي تشهدها سوريا الانقسامات الطائفية في العراق لأن قادة الشيعة اقتربوا من الأسد، بينما انحاز السنة إلى الشعب السوري». وأضاف: «يستمد المالكي جزءا كبيرا من سلطته من إيران التي تدعم سوريا منذ البداية. وكان الإيرانيون والسوريون ضد تولي المالكي لهذا المنصب منذ عام مضى، لذا فهو يرى أنه في موقف صعب».

ولم تجمع العلاقات الوطيدة كلا من العراق وسوريا منذ سنوات طويلة قبل الغزو الأميركي للعراق. وخلال أعمال العنف الطائفي التي اجتاحت البلاد عقب الغزو الأميركي، حمّل القادة العراقيون سوريا مسؤولية السماح لمنفذي الهجمات الانتحارية والمسلحين بدخول البلاد عبر حدودها.

على الجانب الآخر، كانت تجمع بين سوريا وإيران علاقات قوية متينة كانت من أسباب إعادة تقييم العلاقة السورية - العراقية. وضغطت إيران العام الماضي على الأسد لدعم تولي المالكي منصب رئيس الوزراء لفترة ثانية وهو ما ساعده في النهاية على تحقيق ذلك. ومنذ ذلك الحين عمل كل من المالكي والأسد على ترسيخ العلاقة بين البلدين من خلال توقيع اتفاقيات تجارية وزيادة الاستثمارات السورية في العراق.

لكن أسامة النجيفي، رئيس البرلمان العراقي وهو من السنة، قال الأسبوع الماضي إن نظام الأسد نظام يقمع حرية الشعب السوري وإنه من غير المقبول استخدام العنف في قمع المظاهرات. وأوضح قائلا «من باب الحرص على مصالح الشعب السوري الشقيق نطلب من الحكومة السورية موقفا جريئا وشجاعا لوقف نزيف الدم انطلاقا من مسؤوليتها في الحفاظ على الأرواح والممتلكات».

ويواجه الأسد منذ شهور حركة احتجاجات اجتاحت البلاد والتي رد عليها باستخدام قوات الشرطة والجيش ضد المتظاهرين مما أسفر عن مقتل نحو ألفي شخص، على حد قول نشطاء. كذلك تم إلقاء القبض على الآلاف. في البداية التزم قادة الدول العربية الصمت، حيث كانوا يرون أن انهيار النظام سيؤدي إلى حدوث فوضى في منطقة تموج بالثورات والانتفاضات. لكن بدأ البعض مؤخرا الإفصاح عن مواقفهم مدينين عمليات القتل. ودعا حلفاء سوريا في تركيا النظام السوري إلى وضع حد لسفك الدماء وهو ما فعله أيضا قادة الدول الغربية.

لكن المالكي استقبل الشهر الماضي وفدا رسميا سوريا يضم مسؤولين ورجال أعمال لمناقشة دعم وتوطيد العلاقات الاقتصادية وإنشاء خط أنابيب غاز يمتد من إيران إلى سوريا عبر العراق. وقبل ذلك بشهر زار وزير الخارجية السوري بغداد. وقال المالكي في مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي إن على المتظاهرين التعبير عن سخطهم عبر الآليات الديمقراطية لا أعمال الشغب، رغم أن النظام السوري لا يسمح بالانتخابات الحرة التنافسية. وحمل المالكي المتظاهرين المسؤولية ولم يذكر الكثير عن ضرورة وضع النظام حدا لسفك الدماء. ويتناقض ذلك الموقف مع الموقف الذي اتخذه ائتلافه ضد الأسرة المالكة في البحرين عندما قمعت مظاهرات الأقلية الشيعية. وغادر أعضاء ائتلاف المالكي جلسة برلمانية احتجاجا على ما حدث في البحرين وأرسلوا سفينة تحمل مساعدات للمتظاهرين وطالبوا النظام بالتنحي.

وكان قادة شيعة وسنة في العراق قد بدأوا العمل معا، قبل الانتفاضة السورية، بعد أشهر من الجمود والشلل الذي قوض أداء الحكومة. ولم يخرج هذا التعاون عن مساره بعد، لكن الخلاف حول سوريا ينذر بتوتر في العلاقات. وقال شاكر الدراجي، أحد أعضاء ائتلاف دولة القانون الذي يترأسه المالكي، إن المتظاهرين السوريين كانوا من تنظيم القاعدة، وإن إسرائيل ودول الخليج العربي وراء هذه المظاهرات. وأوضح أنه إذا تمت الإطاحة بنظام الأسد سيتولى أفراد تنظيم القاعدة السلطة وسيستخدمون سوريا كقاعدة لشن هجمات على العراق والمنطقة. وحسب الدراجي، يستهدف مخطط إسرائيل ودول الخليج العربي استغلال الاختلافات الطائفية بين الأسرة الشيعية الحاكمة في سوريا والأكثرية من السنة لصالحهم. بدوره، رد جابر الجابري، عضو القائمة العراقية السنية، على هذا الطرح بالقول إن «ما يحدث في سوريا ليس وراءه جماعة إرهابية كما يزعم البعض، فهذا كلام غير دقيق. هناك مدن بأكملها تشارك في الاحتجاجات المناهضة للنظام. نحن نطالب النظام السوري بالإصغاء إلى طلبات شعبه ووقف العنف ضده».

وكان قيادي بارز في التحالف الوطني العراقي المؤتلف مع كتلة دولة القانون قد كشف لـ«الشرق الأوسط» مؤخرا عن أن «إيران ضغطت على حلفائها في بغداد من أجل دعم السلطات السورية بمبلغ 10 مليارات دولار»، مشيرا إلى أن «المالكي رضخ لهذا المطلب الإيراني وقام بالفعل بدعم الرئيس السوري بشار الأسد ماديا». إلا أن خالد الأسدي، عضو مجلس النواب عن ائتلاف المالكي نفى لـ«الشرق الأوسط» في حينه أن «يكون العراق قد دعم النظام السوري بمبلغ 10 مليارات دولار»، معتبرا «هذا الكلام عاريا عن الصحة». وقال الأسدي «إن العراق بحاجة لأي مبلغ لإصلاح أوضاعه، فكيف يتبرع بـ10 مليارات دولار لسوريا، كما أن الحكومة السورية ليست بحاجة إلى أي مساعدات مادية»، مشيرا إلى أن «العراق يرتبط بعلاقات طيبة مع سوريا، فهي بلد جار والشعب السوري أشقاؤنا، ونتمنى لهم أن يتوحدوا وأن تبقى سوريا قوية».

* خدمة «نيويورك تايمز»