جدل حول تقديرات «سي آي إيه» للضحايا المدنيين

نقطة خلاف كبرى حول هجمات الطائرات من دون طيار

TT

في 6 مايو (أيار)، أطلقت طائرة من دون طيار تتبع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) صواريخ على شاحنة تحمل تسعة مسلحين ومواد تستخدم في صنع عبوات ناسفة بمنطقة قاحلة من باكستان قرب الحدود الأفغانية. وأسفر الهجوم عن مقتل جميع المسلحين، واعتبر الهجوم «نظيفا» لأنه لم يسقط أي ضحايا مدنيين، يشكل حلقة جديدة في سلسلة من سجل ممتاز مستمر منذ عام حرصت القوات الأميركية خلاله على تجنب إسقاط ضحايا مدنيين.

تلك كانت رواية الحكومة الأميركية للهجوم، تبعا لما ذكره مسؤول أميركي مطلع على برنامج هجمات الطائرات من دون طيار السري التابع لـ«سي آي إيه». في المقابل، هناك رواية أخرى وردت بتقرير جديد وضعه صحافيون بريطانيون وباكستانيون. وتدور الرواية الأخرى حول أن عددا من الصواريخ أصابت مدرسة دينية، ومطعما ومنزلا ملاصقين لها، مما أسفر عن مقتل 18 شخصا: 12 مسلحين، و6 مدنيين، هم: صمد وجامشيد وداراز وإقبال ونور نواز ويوسف.

الملاحظ أن أعداد القتلى المدنيين للهجمات باستخدام طائرات من دون طيار التي تشنها «سي آي إيه»، والتي ينسب إليها الفضل على نطاق واسع وراء إعاقة عمل تنظيم القاعدة وحلفائها بالمنطقة القبلية الباكستانية، تعد نقطة خلاف كبرى منذ تسارع وتيرة هذه الهجمات عام 2008. وتتضارب أنباء الهجمات واحدة تلو الأخرى من مصادر رسمية وأخرى غير رسمية، لدرجة أنها كثيرا ما تبدو كأنها تصف أحداثا مختلفة. وازدادت حدة الجدال حول هذا الأمر منذ إعلان جون أو. برينان، كبير مستشاري الرئيس أوباما بخصوص مكافحة الإرهاب، في يونيو (حزيران) الماضي أنه على امتداد قرابة العام «لم تقع ضحية واحدة غير مقصودة بفضل الكفاءة الاستثنائية والدقة والقدرات التي نجحنا في تطويرها»، وذلك في إشارة واضحة لبرنامج الهجمات باستخدام طائرات من دون طيار. وصرح مسؤولون آخرون أن هذا الادعاء غير الاعتيادي ما يزال قائما، مشيرين إلى أن مسؤولي «سي آي إيه» يعتقدون أنه منذ مايو 2010، أسقطت هذه الهجمات أكثر من 600 مسلح قتيلا، بينهم 20 على الأقل في هجوم وردت عنه أنباء الأربعاء، ولم يسقط قتيل واحد من غير المقاتلين.

وترجع أهمية كشف حقيقة حرب الطائرات من دون طيار لأسباب عدة، منها أن الطائرات من دون طيار التي يجري نشرها في باكستان، تشكل ذروة التقدم في ثورة الحروب التي يخوضها الإنسان الآلي التي اتسعت دائرتها بالفعل لتشمل اليمن والصومال، ويتوقع خبراء عسكريون أن تجتاح العالم.

في هذا الصدد، أكدت سارة هولونسكي، المديرة التنفيذية لـ«حملة الضحايا الأبرياء للحروب»، المعروفة اختصارات باسم «سيفيك»، وهي منظمة غير هادفة للربح مقرها واشنطن تتابع حالات القتلى المدنيين: «من الملح الإجابة على هذا التساؤل؛ لأن هذه التقنية جذابة للغاية في أعين الولايات المتحدة وحكومات أخرى بدرجة ترشحها للتوسع بسرعة كبيرة».

الواضح أن تأكيد الحكومة على عدم سقوط أي قتيل مدني تقابله شكوك عميقة من جانب الكثير من الخبراء المستقلين. وخلص تقرير جديد صادر عن المكتب البريطاني للتحقيقات الصحافية، الذي أجرى مقابلات داخل المنطقة القبلية الباكستانية، إلى أن 45 مدنيا على الأقل قتلوا خلال 10 ضربات جوية العام الماضي.

ويضم معسكر المشككين في ادعاء «سي آي إيه» أنصارا متحمسين لبرنامج الطائرات من دون طيار، أمثال بيل روغيو، رئيس تحرير «لونغ وور جورنال»، الذي يتابع الضربات الجوية عن قرب.

قال روغيو: «إن طالبان لا تتوجه لقاعدة عسكرية كي تصنع قنابل أو يتلقى أفرادها تدريبا. هناك أسر وجيران حولهم. أعتقد أن من يشنون الهجمات يبذلون جهدا كبيرا لتقليص أعداد الضحايا المدنيين. ربما تقدر نسبة هؤلاء بـ20 في المائة، وربما يكونون 5 في المائة، لكن أرى ادعاء (سي آي إيه) بعدم سقوط أي ضحايا مدنيين خلال عام سخيفا».

وعند إلقاء نظرة أعمق على الادعاءات المتضاربة، بما في ذلك مقابلات أجريت مع مسؤولين أميركيين ومنتقديهم، تتكشف تفصيلات جديدة حول كيفية تتبع «سي آي إيه» نتائج هجمات الطائرات من دون طيار. كما توضح الأسباب الداعية للشك في دقة التقديرات الصادرة عن الوكالة بخصوص أعداد القتلى المدنيين.

في تصريح له الثلاثاء، موجه لهذا المقال، عدل برينان صياغة تصريحه السابق بشأن الضحايا المدنيين، قائلا: «إن المسؤولين الأميركيين ليس بمقدورهم التأكيد على وقوع أي حالة قتل من هذا النوع».

وأضاف: «لحسن الحظ، لأكثر من عام وبفضل حرصنا ودقتنا لم تتوصل الحكومة الأميركية لأدلة موثوق بها تشير لوقوع ضحايا غير مقصودين جراء العمليات الأميركية لمكافحة الإرهاب خارج أفغانستان أو العراق، وسنستمر في بذل قصارى جهدنا للاستمرار على هذا الوضع». وإذا كانت هناك شكوك حول ادعاء «سي آي إيه»، فهناك أيضا تساؤلات حول مدى مصداقية التقارير التي يسوقها النقاد حول وقوع قتلى في صفوف غير المقاتلين. يذكر أن المراسلين في شمال وزيرستان، حيث تقع غالبية الهجمات، يعملون في ظل ظروف خطيرة وبيئة مشحونة سياسيا. كما أن الكثير من المرشدين ومصادر الأخبار يحملون أجندات خاصة بهم، حيث يستغل المسلحون قتلى المدنيين كأداة لتجنيد أعضاء جدد، ويستغلها مسؤولون باكستانيون في حشد الرأي العام ضد هذه الهجمات باعتبارها انتهاكا للسيادة الباكستانية.

من جانبه، اعترف ميرزا شاهزاد أكبر، محام باكستاني يقاضي «سي آي إيه» نيابة عن مدنيين يقولون إنهم فقدوا أقارب لهم بسبب الهجمات، بأن «وزيرستان أشبه بحفرة مظلمة فيما يخص المعلومات».

في المقابل، اتهم مسؤولون أميركيون أكبر بالعمل على تشويه برنامج الهجمات بطائرات من دون طيار بإيعاز من الاستخبارات الباكستانية، الأمر الذي ينفيه أكبر وآخرون على معرفة به بشدة.

وقال مسؤولون أميركيون، رفضوا الكشف عن هويتهم، إن الهجمات التي جرت في إطار البرنامج قتلت أكثر من 2000 مسلح وقرابة 50 من غير المقاتلين منذ عام 2001، وهو تقدير شديد الضآلة على نحو صادم للضحايا المدنيين تبعا لمعايير الضربات الجوية التقليدية. وأكد مسؤولون أن موجهي الطائرات من دون طيار يعكفون على مراقبة أهدافهم لساعات أو أيام سابقا، ويحللون ما يطلقون عليه «نمط الحياة» ويميزون بين المسلحين وغيرهم.

*«نيويورك تايمز»