أميركا: معسكرات صيفية متخصصة لتدريس العلوم الرياضية لذوي الدخل المحدود

برنامج يهدف لتحدي المتفوقين وحل المسائل الشائكة

TT

كما هو الحال في المعسكرات، ربما يبدو البرنامج الصيفي لحل المسائل الرياضية مثل علاج للبؤس، حيث يتضمن ست ساعات من تنشيط الدماغ بالرياضيات ليلا نهارا في مساكن بعيدة عن المنزل. لكن ماتي ويليامز البالغة من العمر 13 عاما والملتحقة بمدرسة «ميديل سكول 343» الإعدادية في حي برونكس كانت سعيدة رغم تخليها عن حفلات الشواء الصيفية مع والديها وقضاء الأمسيات في المتنزه مع كلبها بيبسي. وتقضي ماتي مع مراهقين في السادسة عشرة من العمر ثلاثة أسابيع في معسكر بارد كوليدج مجانا والمتاح للطلبة محدودي الدخل الموهوبين في الرياضيات.

ويستعد الجميع للانتقال إلى الصف الثامن في مدارس مدينة نيويورك الإعدادية حيث يحصل 75 في المائة على الأقل من الطلبة المؤهلين على وجبات غداء مجانية. يحب الجميع الرياضيات، ففي هذا المعسكر يعد السؤال «أي نوع من العلوم الرياضيات تحب الهندسة أم الجبر؟» عبارة مناسبة للتعارف وسببا لتقديم المصطلح المتعلم حديثا «مبدأ الضرب» والصرخات والتحية بضرب أكف الأيادي.

بدا في الحجرة الدراسية في فترة ما بعد ظهيرة أحد الأيام لوهلة أن أرتورو بورتوني يخطب في الجميع. لكن بورتوني هنا هو أستاذ الرياضيات الزائر من جامعة بورتوريكو الذي طرح هذا السؤال: «إذا ازداد طول المستطيل بمقدار 10 في المائة وقلّ العرض بنسبة 10 في المائة. ما هي نسبة المساحة القديمة في المساحة الجديدة؟».

يتهامس المشاركون في المعسكر ويكتبون على أوراقهم، ويمزق أحدهم الورقة، بينما ترسم ماتي ويليامز رسوما عبثية لمستطيلات صغيرة كثيرة في دفترها أثناء محاولتها حل المسألة المأخوذة من مسابقات الرياضيات الأميركية التي تعرف بصعوبتها.

وفي أقل من عشر دقائق توصلت ماتي إلى الحل وهو 99 في المائة وكانت تستعد للمسألة التالية.

الرياضيات بالنسبة إلى بعض الأطفال بمثابة رياضة تنافسية والصيف هو الوقت المناسب للتدريب الذي ينكبون فيه على كتب الاختبارات الموجزة والاختبارات وحضور معسكرات للعلوم الرياضية. لكن بالنسبة للطلبة الذين لا يتحملون الاشتراك في مثل هذه البرامج، أو الذين لم يتعرضوا للكثير من المفاهيم الرياضية المعقدة، يبدو الطريق إلى اكتساب مهارات جديدة محدودا.

ويحاول دانييل زهاروبول، مدير المعسكر في بارد كوليدج، تغيير ذلك. واستعان من أجل ذلك بأربعة من معلمي الرياضيات لتدريس لطلبة المرحلة الإعدادية مفاهيم متنوعة بمقدار تنوع النظريات والألغاز. من هؤلاء المعلمين دكتور بورتوني، مدير أوليمبيات «بويرتو ريكو» للرياضيات.

وتمول المعسكر «آرت أوف بروبليم سولفينغ»، وهي مؤسسة لا تهدف للربح تابعة لمدرسة على شبكة الإنترنت تروج للعلوم الرياضية للطلبة الموهوبين. ويجتمع الطلبة في الفصول في محاضرات مدة كل منها ساعتان لمناقشة شتى الموضوعات منها نظرية التصويت ونظرية الرسم البياني والرياضيات والفنون.

ويقول زهاروبول إن هدف البرنامج ليس تقديم دروس تقوية للطلبة المتعثرين دراسيا، بل تحدي المتفوقين. ويأمل أن يعد الطلبة إلى الاشتراك في مسابقات وحلقات نقاشية عن الرياضيات تسمى حلقات الرياضيات التي يقل فيها تمثيل الطلبة الذين ينتمون إلى أسر محدودة الدخل. وأوضح زهاروبول الذي حصل على درجة الماجستير في العلوم الرياضية وتدريسها قائلا: «هؤلاء طلبة يتمتعون بإمكانات هائلة ومستعدون إلى أكثر مما يقدم إليهم في المدارس».

لكنه أوضح أنهم ربما يفتقدون بعض الإعداد الأساسي، حيث قال: «إذا ذهب هؤلاء الطلبة إلى (نيويورك سيتي ماث سيركيل) خلال الصيف الحالي، ربما يشعرون أنهم مثل السمكة التي أُخرجت من الماء، حيث لن يكون لديهم الخلفية الخاصة بالعلوم الرياضية والخبرة التي يتمتع بها أقرانهم».

من الشائع أن يبدأ الصغار الذين يتخصصون في مجال العلوم الرياضية في دراسة المفاهيم الرياضية المعقدة قبل أن يصلوا إلى المرحلة الثانوية.

غير أن أندرو برانتلينغر، الأستاذ المساعد بجامعة ميريلاند والذي قد أجرى أبحاثا في مجال تعليم الرياضيات بالمرحلة الثانوية يرى أن فئات المشاركين في معسكر دراسة الرياضيات «غير متنوعة على الإطلاق».

قال دكتور برانتلينغر: «ثمة عدد محدود جدا من النساء ومن الأشخاص الملونين ومن أصحاب الدخول المنخفضة».

وأشار إلى أنه ربما يكون برنامج صيفي مصمم لمواجهة مثل هذه الفجوة التحصيلية قيما من الناحية النظرية، لكنه ربما لا يكون قادرا على تحقيق النتائج الكافية في فترة قصيرة.

وأشارت زفيزديلينا ستانكوفا، أستاذة الرياضيات بجامعة ميلز في أوكلاند بولاية كاليفورنيا، والتي تدير حلقة بيركلي للرياضيات بجامعة كاليفورنيا في بيركلي إلى أنها قد لاحظت المشكلة نفسها. وقالت ستانكوفا: «مثلما يحتاج لاعبو كرة السلة لسنوات كي يصقلوا مهاراتهم ويتمكنوا من الانضمام إلى دوري المحترفين، ينطبق الأمر نفسه بالمثل على دارسي الرياضيات». وأضافت: «عموما، لقد فعلوا شيئا استثنائيا قبل دخولهم الكلية».

وقال جيفري بيريرا (20 عاما)، أحد الاستشاريين بمعسكر الرياضيات، إنه كان يحاول إقناع المشاركين في المعسكر بأهمية دراستهم الرياضيات بشكل مستقل، بحيث لا يكتفون بمجرد الركون إلى الراحة والانتظار لحين حضورهم فصول الرياضيات عند عودتهم إلى المدرسة في سبتمبر (أيلول).

«في المدرسة الثانوية، كانت خبرتي مع الرياضيات متمثلة بالأساس في أن كل شيء كان سهلا بحق بالنسبة لي»، هكذا قالت بيريرا، التي التحقت بمدرسة حكومية في برونكس وهي الآن أستاذة رياضيات في بارد. واستطردت قائلة: «بعض الأشياء التي يقومون بها هنا لم أرها بعد في الكلية».

وإلى جانب مساعدة المشاركين في المعسكر أثناء الفصول، تشترك بيريرا معهم في ألعاب الألغاز في وقت الفراغ.

وبالنسبة لماتي، ترى أن الأمسيات التي يتم قضاؤها في التعارف والمشاركة في الأنشطة الجماعية في قاعة المبنى المؤلف من طابقين، حيث يعيش الطلاب والاستشاريون، قد جعلت المعسكر يبتعد عن شكل المدرسة، ويبدو أقرب إلى المنزل.

وخارج وقت الفصل الدراسي، يمكن أن يقوم دارسو الرياضيات بنزهة سيرا على الأقدام أو يجلسون في معمل الكومبيوتر. وعلى الأقل بين الفتيات العشر المشاركات في المعسكر، عادة ما تتمحور الأحاديث حول ما سيتم ارتداؤه في اليوم التالي (في أحد الأيام مؤخرا، اتفقت الفتيات جميعا على ارتداء ملابس زرقاء) بدلا من تركيزها على مزايا نظام حسابي معين.

«في الليلة الأولى، جلسنا جميعا في غرف بعضنا البعض وتحدثنا عما أردنا القيام به والوسيلة التي يمكننا اتباعها. كم أفتقد أمي وأبي»، هكذا تحدثت ماتي. وأضافت: «بعدها، بدأنا نتشاجر على الوسائد».

* خدمة «نيويورك تايمز»