حي الرمل: 250 ألف سوري في بيوت من صفيح.. وواقع خدماتي مزر

ناشط لـ«الشرق الأوسط»: نشعر بمهانة مزدوجة بسبب الفقر والإهمال وفقدان الكرامة والحرية

TT

تعد منطقة الرمل الجنوبي التي اجتاحتها فجر أمس دبابات الجيش السوري ورجال الأمن والشبيحة، واحدة من أكثر المناطق فقرا في مدينة اللاذقية، حيث يعيش في هذه المنطقة ما يقارب 250 ألف نسمة، يسكن بعضهم في بيوت من الصفيح المعدني، في ظل واقع خدماتي مزر يسعى النظام الحاكم إلى تكريسه والتعامل مع السكان الذين يقطنون هناك، كمواطنين من الدرجة الثانية.

ولم تستطع أجهزة الأمن إيقاف المظاهرات التي تخرج يوميا وبشكل دوري في هذه المنطقة وتطالب برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، بسبب الكثافة السكانية التي تقطن الأحياء وتضامن أهلها مع بعضهم البعض. وقد عمد المتظاهرون إلى اتخاذ ساحة السوق مركزا لمظاهراتهم وأطلقوا عليها ساحة الحرية، فتم تنظيم كرنفالات ومسرحيات وإعداد أغان تسخر من روايات النظام السوري وتدعوه للرحيل، مما دفع قوات الأمن والجيش لمحاصرة المنطقة ووضع ثمانية حواجز أمنية للتفتيش والتدقيق في الهويات، كما عمدت هذه القوات إلى محاولة اقتحام المنطقة أكثر من مرة، عبر البحر الذي تمركزت فيه زوارق حربية. وحصل إنزال في المعسكر الذي يستخدم لنشاطات منظمة «طلائع البعث» حيث تجمع عدد كبير من عناصر الأمن والجيش وانتشرت مجموعة من القناصين على أسطح أبنية مجاورة.

تمتد المنطقة التي يقع في وسطها أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الذي يضم ما يقارب 10 آلاف لاجئ، من النهر الكبير الجنوبي الذي يروي بعض الأراضي الزراعية المجاورة إلى حي الحرش المحاذي لمنطقة الطابيات غرب المدينة. وتضم أحياء المهاجرين، والشاليهات، والغراف، والقلاب، ومخيم العائدون، والسكنتوري، والبساتين، والتركمان. حيث ينتشر البناء العشوائي في هذه الأحياء وتتلاصق البيوت في مشهد يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الإنسانية.

يشير أحد سكان المنطقة إلى أن «حي الرمل لم يدخل في مخطط تنظيم المدينة. ومنذ إيقاف مشروع المنطقة السياحية الجنوبية تم إهمال المنطقة، حيث كانت تنوي بلدية المدينة إنشاءه في حي الشاليهات، فتم بناء الكثير من الشاليهات السياحية لاستثمارها من قبل السياح مما سيؤدي إلى إنعاش المنطقة اقتصاديا وتأمين فرص عمل لأبنائها. غير أن المشروع تم إيقافه بتدخل من جهات نافذة وجدت أنه سيؤثر على مصالحها مما أثر سلبا على أوضاع السكان وزاد أحوالها سوءا». ويضيف الشاب الذي يبحث عن فرصة عمل منذ فترة طويلة «السلطة تتعامل مع السكان في هذه المنطقة كحشرات، حين يحدث أي شجار أو عراك بالأيدي بين الأهالي، يأتي رجال الأمن ويمارسون عنفا أشد ضد مسببي الشجار.. يضربونهم ويصفعونهم بقسوة، وغالبا ما يبتزونهم للحصول على المال مقابل الإفراج عنهم، السلطة تمارس سياسة تمييزية بحق سكان هذه المنطقة».

ويلفت أحد الباحثين الاجتماعيين إلى أن البطالة وانسداد أي أفق في وجه مستقبل الشباب الذي يقطن في منطقة الرمل شكل حافزا رئيسيا للتظاهر والهتاف ضد نظام الحكم، «الناس تشعر بمهانة مضاعفة في هذا الحي، ففضلا عن فقدان الحرية والقدرة على التعبير يوجد فقر مدقع وتهميش خدماتي كبير وندرة في فرص العمل، مما جعل آفة المخدرات تنتشر بين صفوف عدد كبير من الشباب، للهروب من واقعهم المأساوي».

ويضيف الباحث الذي يعترف بأنه لم يتوقع وجود شباب يمتلكون الوعي والإرادة في هذه المنطقة ليقوموا بتنظيم مظاهرات سلمية وحضارية تطالب بسقوط نظام الحكم: «لم يعد يحتمل شباب الرمل، رؤية شبان مراهقين يركبون في أحياء أخرى سيارات فارهة لأن آباءهم من أرباب الفساد في البلد، وهم ينامون أحيانا بدون عشاء. هذا التناقض الطبقي ولد الكثير من الدوافع للثورة ورفض الواقع الحالي».

أحد منظمي الاحتجاجات في المنطقة يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «إضافة إلى عوامل الفقر والبطالة والتهميش التي يعاني منها الناس هنا، ثمة حاجة فطرية إلى الحرية والكرامة والشعور بالانتماء إلى وطن يحترمك».

وعن المظاهرات التي تم تنظيمها في الشهور الماضية يقول «أي سلوك أو تعبير أو شعار يؤثر على الوحدة الوطنية ويدعو للعنف يتم منعه فورا، الجميع يتعاون معنا. صحيح أنه يوجد بعض أصحاب الجنح الجنائية يشاركون في المظاهرات المطالبة بالحرية، لكن هؤلاء يتم ضبطهم وعدم السماح بأي عمل تخريبي يفكرون في القيام به، الناس هنا بسطاء يتفاعلون معنا بسهولة، ومن جهة أخرى هؤلاء ضحايا إهمال نظام البعث الذي ينشغل مسؤولوه بنهب المال العام ويمتنعون عن تقديم خدمات إنمائية تبعد هؤلاء الشباب عن الانحراف وتؤمن لهم فرص عمل».

ويضيف الناشط الذي وضع اسمه على جميع الحواجز المؤدية إلى المنطقة بسبب انتشار عدد كبير من المخبرين داخل أحيائها: «النظام حاول عبر السنوات الماضية، تكريس نظرة دونية حيال سكان الرمل واعتبارهم مجرمين وحشاشين ومتعاطي مخدرات. لكن هذه الصورة تم فضحها وكشف زيفها، حين نزل الناس وتظاهروا بقمة الحضارة والرقي، فيما يعمد النظام إلى إرسال شبيحته لتخريب ممتلكات الناس وإهانتهم، لقد تفوقنا على هذا النظام بالأخلاق والحضارة». يذكر أن دبابات الجيش السوري اقتحمت المنطقة فجر الأحد، مستخدمة مختلف أنواع الأسلحة الرشاشة ومضادات الطائرات والزوارق الحربية التي عمدت إلى قصف الحي من جهة البحر وأحدثت أضرارا كبيرة في أحيائه.