نائب رئيس حزب الإصلاح والتنمية: استراتيجية مصر تجاه إيران يحكمها أمن الخليج

أنور عصمت السادات دعا في حوار مع «الشرق الأوسط» فرقاء السياسة إلى حلول وسط بشأن الدستور الجديد

TT

قال السياسي المصري أنور عصمت السادات، ابن شقيق الرئيس الراحل أنور السادات، إن استراتيجية مصر تجاه الغرب وإيران أصبحت عرضة للتغيير بعد سقوط حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك، لكنه أردف أن هذا التغيير لن يكون جذريا بسبب «الثوابت المصرية» تجاه أمن العرب وأمن الخليج واستقراره، مع توسيع علاقاتها مع الغرب «لكن المبني على الندية»، بما في ذلك العلاقة مع إسرائيل وقضية السلام.

والسادات نائب سابق في البرلمان المصري، ويشغل حاليا نائب رئيس حزب الإصلاح والتنمية ذي التوجه الليبرالي، ودعا في حوار مع «الشرق الأوسط» فرقاء السياسة المصرية المنقسمين حول الدستور الجديد، إلى حلول وسط ترضي الإسلاميين وأنصار الدولة المدنية؛ لكنه قال أيضا إن التيار المدني والليبرالي واليساري عليه النزول إلى الشارع إذا كان يريد أن يحافظ على مدنية الدولية، بدلا من تضييع الوقت في جلسات الفنادق ودردشة الفضائيات.

وقال السادات، في حوار بالقاهرة ، إن حزبه أصبح في الفترة الأخيرة يحاول النأي بنفسه عن استعراض القوى مع التيارات التي تحشد للمليونيات الجماهيرية في ميدان التحرير، قائلا إنه مع مواعد اقتراب فتح باب الترشح للانتخابات البرلمانية المقرر لها نهاية الشهر المقبل، أصبح وقت الحزب مشغولا بالاستعداد لتلك الانتخابات التي ستحدد شكل البرلمان القادم. وأضاف أن حزبه يستعد للدفع بـ250 مرشحا، مشيرا إلى أن التيار الإسلامي يعمل في الشارع بشكل متواصل، وعلى الآخرين من طلاب الدولة المدنية تكثيف العمل بين الناس، لأن العبرة بعدد المقاعد في البرلمان.

ويضم حزب الإصلاح والتنمية في صفوفه مؤسسين من توجهات ليبرالية مختلفة، من بينهم مسلمون ومسيحيون وسيدات ورجال أعمال. ويمتلك عدد من كوادره خبرات سابقة في العمل السياسي، سواء من خلال العضوية في مجلسي البرلمان (الشعب والشورى) أو من خلال المجالس المحلية ومنظمات العمل الأهلي.

وتحدث السادات عن الخلافات الجوهرية بين التيارات السياسية بمصر، معربا عن أسفه وحزنه في عدم قدرة هذه التيارات على الاتفاق رغم أنها تعمل في زمن الحرية، بعد سقوط نظام مبارك. وإلى تفاصيل الحوار..

* كيف ينظر الحزب إلى الحياة السياسية في مصر هذه الأيام؟

- في الوقت الحالي، الحزب مهموم بالاستعداد بإعداد المرشحين والتحضير لإعداد الحملات الانتخابية لأن الانتخابات البرلمانية قادمة.. هذا الهدف الأكبر.. لا نريد أن ننشغل بمعارك جانبية، وما يحدث من جمعة الفرحة وجمعة الغضب والجمعة الحزينة.. كلام كله مضيعة للوقت.. لدينا برنامج زمني تم وضعه للانتخابات القادمة، والعبرة بمن سيكون جاهزا ومستعدا لمحاولة تحقيق أكبر عدد من المقاعد النيابية.

* وكم عدد من تعتزمون التقدم بهم في الترشح للانتخابات القادمة؟

- نحن نستهدف خوض الانتخابات النيابية بـ250 مرشحا. هذا يعني أن الحزب موجود في أغلب المحافظات، إن لم يكن في جميع المحافظات.. نحن نعمل منذ الآن على هذا الأساس، وتوقفنا عن تضييع الوقت في المهاترات التي تحدث.. مثل هل الانتخابات أولا أم الدستور أولا، ثم الآن جدل حول قضايا مماثلة منها هل إصدار وثيقة حاكمة للدستور القادم أولا أم غير وثيقة غير حاكمة أم مبادئ دستورية.. ثم نقاش وجدل عن من هو الأكثر قوة أو الأكثر طولا أو الأكبر قامة الذي يستطيع أن يحشد مظاهرة مليونية في ميدان التحرير.. للأسف تم ترك أحوال المصريين ومشكلاتهم وهمومهم واحتياجاتهم.. وللأسف تم ترك حالة الأمن المتردية التي يعاني منها الجميع، وأصبح الجميع قاعدا يضيع وقته.. نخبة أم مثقفون أم ماذا.. مثلا هذا الكلام هو الذي ضيعنا للأسف. لم ننجح إلى الآن في أن نتفق ونحن في زمن الحرية. أنا حزين، لأن المفروض أن يكون هناك وفاق بين القوى المختلفة في هذه المرحلة.

* كيف تتعاملون كحزب ليبرالي مع تيار الإسلام السياسي واليساري؟

- حزبنا يؤمن بالليبرالية الاجتماعية والديمقراطية.. لسنا الليبرالية المتوحشة، ولا الرأسمالية المتوحشة. نؤمن بالسوق الحرة والسوق المفتوحة، لكن هناك ضوابط، والدولة لا بد أن يكون لها دور تنظيمي لحركة السوق، بحيث لا تكون المسائل متروكة هكذا.. وبحيث لا يكون هناك من يحتكر الحياة الاقتصادية والسلع.. وبالنسبة لتيار الإسلام السياسي كـ«الإخوان» والسلفيين فنحن كحزب ونشترك في لقاءات مشتركة وندوات ومؤتمرات؛ لكن نحن على مسافة واحدة لأنه ليست لدينا مواقف مسبقة ولا مواقف عدائية من أحد.. نحن نؤمن بالدولة المدنية وأن الدين في المعاملة.. نؤمن بأن الدين مرجعية حضارية وأخلاقية وهذه مسألة ينبغي علينا جميعا أن نتحلى بها، مسلمين أو مسيحيين. المهم هو أن نعمل جميعا على مرجعية واحدة وهي أنه يوجد دستور يحكم علاقتنا بالمجتمع والدولة.. نحترمه ونمشي عليه..

* لكن يوجد تخوف لدى القطاع الليبرالي واليساري والمدني من أنه إذا جرت انتخابات البرلمان دون وضع قواعد للدستور القادم يمكن أن تكون الغلبة للتيار الإسلامي، وبالتالي يكون وضع الدستور الجديد في أيدي الإسلاميين. ما رأيك في هذا؟

- رأيي أن الحل في أن يعمل المثقفون وأن تعمل التيارات الليبرالية واليسارية والنخبوية على الأرض، وأن يتبعوا نفس طريقة العمل التي يقوم بها «الإخوان المسلمون» والسلفيون.. أي أن يصلوا إلى الناس ويعملوا معهم، كما يفعل الإسلاميون. أخشى ما أخشاه أن يستمر أنصار الدولة المدنية في تضييع الوقت في جلسات الفنادق ودردشة الفضائيات.. فليعملوا من أجل الوصول للناس. هذه الطريقة الوحيدة من أجل منافسة التيارات الإسلامية والحصول على ما يريده أنصار الدولة المدنية من مقاعد.

* لكن توجد الآن أصوات تنادي بمبادئ حاكمة للدستور الجديد قبل صياغته، وهذا يعارضه الإسلاميون؟

- نعم.. أنا لست ضد أن يكون هناك وثيقة مبادئ حاكمة للدستور، ولكن تكون وثيقة استرشادية لما ستسفر عنه الانتخابات البرلمانية القادمة التي سيتشكل منها مائة عضو للجمعية التأسيسية التي ستضع الدستور. أرى أنه لا ينبغي أن توضع وصاية على الجمعية التأسيسية للدستور القادم، لأن أعضاء هذه الجمعية منتخبون من الشعب، ولا يتم فرض وصاية عليهم.. لكن يمكن التوصل إلى وثيقة تحظى باتفاق أدبي وتوافق شعبي على أن هذه هي المبادئ وهذا ما نريد أن نراه في دولة عصرية.. ولكن بشرط ألا تخرج هذه الوثيقة بإلزام الأعضاء الذين سيفوزون في انتخابات البرلمان القادم والجمعية التأسيسية للدستور الجديد.. لا يصح أن تلزم نواب الشعب الذين سينتخبهم الشعب. ولذلك أقول إنه يمكن عمل وثيقة استرشادية تتوافق عليه القوى السياسية، بشرط ألا يخرج بها مرسوم بقانون.

* هل ترى أن الأحزاب السياسية الجديدة والقديمة جاهزة لخوض الانتخابات التي سيفتح لها الباب أواخر الشهر المقبل؟

- لا.. كل هذه الأحزاب ليست جاهزة.. لأن الانتخابات القادمة سوف يتم إجراؤها في ظل المناخ الحالي وسيتوقف اختيار المرشحين على ما كان يحدث في السابق، أي على أسس شخصية لا برامجية.. المشكلة أن الاختيار سوف يتم بناء على شخصية المرشح وليس برنامج الحزب الذي ينتمي إليه، لأنه ما زال الناخب المصري يعتمد في اختياراته على العلاقة بمرشحه. الأحزاب لن تستطيع في هذا الوقت القصير، سواء الأحزاب الجديدة أو القديمة، أن تنجح كقوائم حزبية في الانتخابات النيابية المقبلة. فرصة النجاح ستكون أكثر للمقاعد الفردية.

* البعض يقول إن النظام الانتخابي الجديد 50 في المائة بنظام القائمة و50 في المائة بالنظام الفردين يمكن أن تجعل لرأس المال دورا كبيرا في تحديد الفائزين بمقاعد البرلمان؟

- لا أوافق على هذا، لكن لا شك أنه مثل أي انتخابات رأس المال سيؤثر وسيكون له دور، وقليل من البلطجة سيكون لها دور، والعائلات والقبلية سيكون لها دور.. لكن إذا كانت الحجة رأس المال وفلول الوطني، فها هو قانون الغدر يجري إعداد للعمل به وبالتالي أي شخص سيثبت أنه فاسد سيتم استبعاده. لا نخاف.. ومن يريد أن يخوض الانتخابات وهو صادق في هذا فلا بد أن يكون على علاقة بالناس، لكن ليس قبل الانتخابات بأسبوع. الصادق والمتواصل مع أهله ودائرته ستكون فرصه كبيرة، لكن من سيهبط على الدائرة للفوز بمقعد البرلمان فهذا لا أعتقد أنه سيحدث.

* كنت نائبا في البرلمان خلال العقد الماضي، فهل تتوقع أن يكون البرلمان القادم قويا؟

- لا أعتقد أن البرلمان القادم سيكون في قوة وتوازن البرلمان في دورة 2005 - 2010 وكان فيه كتلة إخوانية كبيرة. كان في تلك الدورة البرلمانية شغل نيابي وتشريعي طيب وكان فيه لمحات فنية برلمانية. أما البرلمان الجديد القادم فما زالت معالمه غير واضحة.. كما أن جغرافية توزيع المقاعد ما زالت غير ظاهرة رغم أن مسؤوليات البرلمان القادم ستكون كبيرة.. هل «الإخوان» والتيارات الإسلامية سيكتفون بشغل 25 في المائة أو على الأكثر 30 في المائة من مقاعد البرلمان، أم سيكون برلمانا به كثير من الأحزاب وقليل من الكتل.. ومع ذلك أقول إنه حتى الآن من الصعب التكهن بشكل البرلمان القادم.

* كيف ينظر حزب الإصلاح والتنمية لانتخابات الرئاسة القادمة؟

- نتوقع أن تكون الانتخابات الرئاسية القادمة في مارس (آذار) أو أبريل (نيسان) 2012. وحزبنا حتى الآن لم يفكر في تقديم مرشح ولم يتخذ قرار بتأييد أي من المرشحين الحاليين. اهتمامنا بالانتخابات البرلمانية أولا.. هناك الكثير مما يتطلب شرحه للرأي العام.. المشكلة لدى المصريين في الجانب الاقتصادي ما زالت مستمرة. الناس كانت فاهمة أن الثورة سيكون لها وقع السحر وتقضي على جميع المشكلات مرة واحدة.. الناس اصطدموا بالواقع وهو أن التركة ثقيلة ويوجد عجز كبير بالموازنة، لكن على الرغم من هذا هناك مبادرات مصرية وعربية ودولية لمساعدة الوضع الاقتصادي في المرحلة الراهنة.

* ظهرت كثير من الأسماء تحت صفة مرشح محتمل للرئاسة. ما جدية هذا؟

- هناك بعض الأسماء جادة، وأعتقد أنها ستكمل إلى حين الدخول الفعلي في السباق على الرئاسة.. وهناك البعض الآخر الذي أظن أنه سوف يكتفي بما أعلنه عن نيته الترشح، وينسحب أو يتراجع.. لكن أرى أن المنافسة ما زالت تدور حول 5 أو 6 أسماء، منهم عمرو موسى ومحمد البرادعي وعبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي وأيمن نور ومحمد سليم العوا.. وهذه الأسماء عرضة للتبدل فمن الممكن أن يخرج أحدهم ويدخل آخر..

* مصر لديها ملفات مفتوحة سواء مع إسرائيل أو إيران، هل ترى أن سياستها يمكن أن تتحدد بعيدا عن الجيش؟

- في رأيي، بشكل عام، سواء البعض يختلف أو يتفق أو يتحفظ على بعض سياسات أو مواقف المجلس العسكري.. إلا أنني أرى، في الوقت الحالي، أنه (المجلس العسكري) هو الضمانة والمؤسسة الوحيدة الباقية في مصر والتي نشعر معها بأمان واطمئنان، ومن مصلحة جميع المصريين الالتفاف حولها حتى نمر بسلام ويتم تسليم السلطة للمؤسسات المدنية المنتخبة. وأقول إنهم ليسوا بالضرورة ملائكة أو عباقرة في علم السياسة والإدارة، لكن لا شك أن لديهم إخلاصا ووطنية ويريدون العبور بنا إلى بر الأمان. وبالتالي وجب تشجيعهم ومساندتهم.

* كثرت المخاوف من تزايد التدخلات الإقليمية والدولية بمصر، هل هذا صحيح؟

- من الممكن أن تكون هنا مخاوف، لأن البعض بالطبع يحاول اللعب. لكنني متفائل بأن كل هذا سيتلاشى، لأنه مجرد توابع لزلزال «25 يناير»، يجب أن نتحملها ونتعامل معها بذكاء وحنكة. وأنا أعتقد أن هذا يتم حاليا، ونحن كلنا كمصريين علينا أن نتنبه إلى أن قوتنا في التحدي.. لدينا تحديات أمنية مثل ما يحدث في سيناء.. أعتقد أن سبب ما يجري هناك سببه كبت مع سوء تفاهم بين الأمن المصري والحكومة المصرية مع أهل سيناء، ولد وخلق مجموعات بعضها تكفيري وبعضها انفصالي وبعضها بلطجي ولصوصي.. كل هؤلاء انفجروا معا بعد زوال النظام السابق فترى تصرفات غير موزونة وغير معقولة.

* يوجد حديث عن مخاوف من امتداد لإيران وتدخل أميركي بمصر مؤخرا، كيف ترى ذلك؟

- طبيعي أن يكون فيه بعض المواقف التي تثير مخاوف الغرب بشكل عام، وكذا بعض المواقف أيضا التي تثير عدة بلاد عربية بالخليج.. فيما يخص العلاقات مع إيران وفتح علاقات مع إيران. وهكذا أيضا مواقف أخرى فيما يخص أميركا وما يتردد عن مساعدات لبعض جمعيات المجتمع المدني وأن هناك فتورا في العلاقات مع واشنطن هذه الأيام.. أعني على مستوى الحكومة والمجلس العسكري.. كل هذا يحدث، لكن أنا أقول إنه سرعان ما يتم التعامل معه ومعالجته، لأن العرب أشقاء ولا يمكن الاستغناء عنهم ومصلحتنا في استقرارهم، وفي ساعة الجد نجدهم، ونجد أنهم من يقف لمساعدتنا.. بنية العلاقات الدولية تتغير بسبب المواقف والمصالح، لكن علاقتنا بالآخرين ثابتة حتى لو حدث بعض الميل إلا أنها ترجع مرة أخرى لما كانت عليه.

* علاقات مصر الاستراتيجية التي ظلت ثابتة لأكثر من 30 سنة، هل ستتغير برأيك؟

- سيحدث تغيير، ولن تكون علاقة عمياء مع أميركا وإسرائيل.. ستكون علاقة مودة وشراكة وعلاقة استراتيجية، لكن على مصالح واضحة وعلى مستوى «الند للند».. أما بالنسبة لإيران فأتوقع أن تحدث انفراجة، لكن بشرط ألا تنعكس بالسلب على علاقة مصر بدول الخليج.. أعتقد أن السياسة المصرية سوف تتجه إلى تذويب الجليد في العلاقات، لكن سيظل من ثوابت الاستراتيجية المصرية أهمية استقرار منطقة الخليج وأمنه..