جاب الله لـ«الشرق الأوسط»: حزبنا الجديد سيكون البديل الحقيقي وسيلتف حوله الشعب في الجزائر

زعيم «جبهة العدالة والتنمية»: دعوت لمؤتمر يناقش الإصلاحات العميقة لكن بوتفليقة فضل إجراء مجرد استشارة

جاب الله خلال الإعلان عن حزبه الجديد في الجزائر في الآونة الأخيرة («الشرق الأوسط»)
TT

يعد عبد الله جاب الله، الذي أعلن في الآونة الأخيرة عن تأسيس حزب سياسي جديد في الجزائر، واحدا من أبرز الشخصيات السياسية الإسلامية في البلاد. بدأ العمل الدعوي الإسلامي نهاية ستينات القرن الماضي، وانخرط في النشاط السياسي المنظم عام 1974، وكان في غالبية مراحله سريا، مما عرضه للسجن والمتابعة الأمنية على غرار رموز التيار الإسلامي.

وفي عام 1988 أنشأ «جمعية النهضة الإسلامية» التي تحولت مع الانفتاح السياسي عام 1990 إلى «حركة النهضة الإسلامية». وأطلق مطلع 1992 «لجنة الدفاع عن اختيار الشعب» كرد على تدخل الجيش لإلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التي فازت بها «الجبهة الإسلامية للإنقاذ». واستعانت به السلطة لإقناع قادة «الإنقاذ» بتوجيه نداء للجماعات المسلحة لوقف الإرهاب. كان ذلك عام 1994 عندما تم نقل عباسي ومدني وعلي بن حاج من سجنهما مؤقتا، على إقامة رئاسية. لكن مسعى جاب الله باء بالفشل. وظل منذ بداية نشاطه السياسي معارضا يرفض مهادنة السلطة.

وأكثر ما يميز نشاط جاب الله، المتحدر من مدينة ساحلية بالشرق الجزائري، أنه أسس حزبين وغادرهما مجبرا. وأوعز ذلك إلى «تآمر النخبة العلمانية المتنفذة ضدي». ويستعد حاليا لتجربة جديدة بحزب جديد سماه «جبهة العدالة والتنمية». التقته «الشرق الأوسط» في الجزائر وتحدثت معه حول مشروع حزبه الجديد وقضايا أخرى.

* أطلقتم في الآونة الأخيرة حزبا جديدا، هل يمكن أن تحدثونا عنه؟

- الذي حصل الأسبوع الماضي هو الإعلان عن عنوان جديد وليس عن حزب جديد، لأن الحزب تأسس أول مرة في 1974 وهو مستمر في أعماله ولم يتوقف على الإطلاق. وفي كل مرحلة من المراحل يتخذ لنفسه عنوانا جديدا. في هذه المرحلة اتخذ عنوان «جبهة العدالة والتنمية». وكل المؤشرات والمعطيات والقرائن تؤكد أن الحزب في صبغته الجديدة سيكون أقوى من الصبغات القديمة، وسيكون أوسع انتشارا بين الصبغات السابقة، هذا واضح من خلال الحضور أثناء التأسيس الذي كان حاشدا ومتنوعا، فقد حضرت الوجوه القديمة وأخرى تركتنا في مراحل سابقة وانخرطت في عمليات انتخابية مع قوى سياسية أخرى، وحضرت الكثير من الوجوه الجديدة التي لم يسبق لها النضال معنا في أي وقت من الأوقات، وهؤلاء جميعا عازمون على التعاون من أجل بناء هذا المشروع والتمكين له بمختلف الوسائل السلمية والقانونية المتاحة. وقد جاء هذا المشروع في لحظة تاريخية مهمة، إذ تشهد الجزائر فراغا سياسيا كبيرا وجميع القوى السياسية الموجودة فقدت مصداقيتها لدى الشعب، وعجزت عن تقديم أي بديل، بل عجزت عن التكفل بأي انشغال من انشغالات المواطنين، وأهم هذه الفصائل جزء من النظام الحالي، ودأبت خلال السنوات الماضية على تبييض ممارسات النظام ومساعدته على تنفيذ سياساته، ولذلك فهي جزء من النظام وقد لحقها من التشوه ما لحق النظام. ولذلك أعتقد أن جبهة العدالة والتنمية ستكون البديل الحقيقي والقوي الذي ينتظر الشعب، وسوف يحتضن الشعب هذا البديل ويلتف حوله ويضع ثقته فيه، إيمانا منه بأن هذا المشروع سيكون أداته الجادة والصادقة في قيادة نضالاته من أجل إحداث التغيير الشامل والعميق.

* هو ثالث عنوان أو حزب بعد حركة النهضة الإسلامية وحركة الإصلاح الوطني. لماذا يكثر جاب الله من تأسيس الأحزاب بخلاف الأوزان الثقيلة في السياسة بالجزائر؟

- أنا مناضل من أجل الإسلام أولا والجزائر ثانيا والشعب الجزائري ثالثا. وأنا لا أبتغي بنضالي مصلحة شخصية، وإنما أبتغي ثوابا عن الله، وأدخر جهدي ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، ومن كان هذا حاله فهو دائم السير نحو تحقيق هدفه، فإذا تيسر له السير بطائرة سار، وإذا تيسر له السير بقطار سار، وإذا بسيارة سار، وإذا حدث أن فقد كل هذه الوسائل سار ولو على الأقدام، فالمهم أنه في حراك مستمر وفي تقدم مستمر. وللأسف نحن نناضل في بلد تحكمه نخبة ليس لها من هم إلا البقاء في السلطة، ولذلك فهي تستعمل جميع ما تملك الدولة من إمكانات من أجل تحقيق هذه الغاية، وهي الاستمرار في السلطة، ومن هذه الوسائل أن كل من تعتقد أنه قد يشكل خطرا عليها وله من الوزن السياسي والشعبي ما يمكنه من تحقيق أهدافه، تسعى من أجل كسبه وترويضه أو تحطيمه وتكسيره. لقد جربت معنا كل هذه الوسائل وأكثر، فلما تأبينا على الترويض عملت على التكسير، فكانت في كل مرة تأخذ منا العنوان وتسلمه لمن يرضى بالسير معها، فلا تأخذ في المحصلة النهائية إلا العنوان ومجموعة صغيرة من الأفراد، أما الجمهور الواسع من إطارات الحزب ومناضليه فهم ثابتون مع قيادتهم ومستمرون في النضال.

وقد أسسنا، كما هو معلوم، في بداية الانفتاح السياسي حركة النهضة الإسلامية، ولما توسعت وتمكنت بدأ التآمر عليها لأخذها بوسائل شتى، ولا أحب أن أعود لتلك المرحلة، ولما تيقنت من عزمهم على أخذها بكل الوسائل والطرق تركت لهم العنوان، وذهبت لتأسيس حركة الإصلاح الوطني.

ولما قويت الحركة واتسع انتشارها وأصبحت القوة السياسية الثانية من حيث عدد أصوات الناخبين، بعد حزب جبهة التحرير الوطني، ثم أصبحت تنافس الجبهة في مركزها، قوي التآمر عليها من النظام لأخذها، ثم أخذوها بكل الوسائل، موظفين الإعلام والقضاء وكل شيء لهذا الغرض، وقد اعترفوا بخطئهم؛ إذ حاورت وزير الداخلية واعترف بخطأ موقفه ولكنه أصر على ذلك.

لقد ظل الحزب بإطاراته ومناضليه وشعبيته قائما، وحاولنا في السنوات الأخيرة جمع التيار الإسلامي والوطني النزيه، اعتقادا منا أن التغيير في الجزائر لا يقوى عليه فصيل ولا تيار واحد، فبذلنا كل جهد وقدمنا جميع التنازلات بغرض إنجاح المسعى، ولكن باءت الجهود بالفشل.

ولما رفضت الأطراف المعنية المهيكلة والمعتمدة من طرف النظام، التجاوب مع مساعي جمع الشمل، وجد الإخوة أنفسهم أمام خيارين؛ إما البقاء على ما هم عليه دون عنوان رسمي معترف به، أو يوجدوا لأنفسهم عنوانا جديدا. فاجتمع مجلس الشورى وقرر الذهاب في الإعلان عن عنوان جديد، أسموه جبهة العدالة والتنمية.

وتلاحظ من خلال هذا العرض، أننا موجودون منذ 1974 ومستمرون في النظام، ولن توقفني عراقيل السلطة. وأملنا أن تتوقف هذه الممارسات في المرحلة القادمة، وأن يوقن الجميع بأن وجودنا في الساحة هو إضافة إيجابية للساحة السياسية، وأن فيه إسهاما جادا في تأطير المجتمع، وتأطير انشغالاته، وفي الدفاع عن حقوق الأمة المشروعة ومحاربة كل الممارسات الفاسدة، سواء كانت في شكل استبداد سياسي، أو استغلال اقتصادي، أو احتكار إداري، أو ظلم قضائي، أو فساد أخلاقي، أو غير ذلك من الممارسات التي تلحق الضرر بالدين والأمة.

* الكثير لاحظ أن الحزب يشبه في تسميته الحزب الحاكم في تركيا، هل المشروعان يتشابهان أم أنكم تستلهمون من تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا؟

- موضوع التسمية نوقش أكثر من مرة على مستوى مجلس الشورى، وطرحت الكثير من العناوين ووقع الاختيار على هذا العنوان بالشورى. وقد أطلق أعضاء مجلس الشورى اسم جبهة العدالة والتنمية على حزبهم، لأنهم يريدونه مفتوحا على جميع أبناء الأمة الذين يؤمنون بالتغيير، خدمة للإسلام أولا ثم للوطن والشعب ثانيا، وأطلقوا موضوع العدالة لأنها عنوان معبر عن فحوى المشروع الذي يؤمنون به ويناضلون لإقناع الآخرين به، ويتمنون أن يحوزوا ثقة الأمة للوصول إلى السلطة لتجسيد هذا المشروع.

وموضوع التنمية له صلة طبعا بهذا المشروع، لذلك أرادوا من خلال هذا أن يبعثوا برسائل قوية للشعب والسلطة ومختلف القوى، مفادها أن الجبهة صاحبة برنامج واقعي عملي شامل، يستلهم توجهاته الفكرية من مشروعه الحضاري وهو الإسلام، ويستفيد من واقع الأمة وتجاربها الناجحة في ميادين الحياة المختلفة، وأن نضالهم ليس نضال شعارات، وإنما نضال برنامج يقدمونه للأمة يتنافس مع بقية البرامج.

*الحزب جاء في ظرف ربما لا يخدم المشروع الإسلامي، إذ تشهد البلاد إرهابا منسوبا للإسلاميين. ألا تعتقدون أن ذلك يحرم حزبكم الجديد من عناصر النجاح على المستوى الانتخابي؟

- الإرهاب كان موجودا أيضا في فترة سابقة، فهل عاق حركة الإصلاح وهي مجتمعة على تحقيق ما حققته من نجاح. تأسست الحركة في 1999 وخاضت الانتخابات البرلمانية في 2002 وحلت في المركز الثاني على الرغم من ما صاحب عملية الانتخابات من تزوير لصالح الحزب الحاكم، ومن استغلال المال العام والنفوذ ووسائل الإعلام، أما اليوم فالوضع أحسن بكثير وأعتقد أن الشعب الجزائري من خلال التجارب التي عاشها بات يفرق بين الأشخاص وبين الأحزاب والتوجهات، ويعرف من هو صاحب المبدأ، ويميز بين من يناضل من أجل خدمة دينه ووطنه وأمته ومن يناضل من أجل خدمة شخصه وحزبه وفئته.

وأعتقد أن الشعب الجزائري بلغ مستوى متقدما من الوعي والفهم والإدراك، فلا غرابة في التفافه حول هذا المشروع بمجرد الإعلان عنه. والاتصالات الجارية الآن من شخصيات وإطارات مختلفة تعبر عن رغبتها واستعدادها للسير في هذا المشروع والتعاون مع قيادته المؤقتة بصورة تفوق كل التوقعات، وهذا ليس كلاما دعائيا، وننوي تنظيم إفطار جماعي بالعاصمة خلال شهر رمضان، وسترون يومها مدى الإقبال على هذا المشروع.

* قلتم في مقابلات صحافية إن سبب المشكلات التي وقعت لكم في حركة الإصلاح «أشخاص أوغروا صدر الرئيس بوتفليقة بكلام منسوب إلي غير صحيح»، هل لديكم مشكلات شخصية مع رئيس الجمهورية؟

- تلك مرحلة انقضت ولا أحب أن أعود إليها، وما دمنا أعلنا عن حزب جديد، فهذا يعني أننا طوينا المراحل السابقة بكل إيجابياتها وسلبياتها وفتحنا صفحة جديدة، ونحن مقبلون على مشروع جديد وشعارنا هو «عفا الله عما سلف»، وأملنا أن يتفهم الناس جيدا هذه النية وينزلوها المنزلة اللائقة بها * الرئيس بوتفليقة تعهد في منتصف أبريل (نيسان) الماضي بإصلاحات سياسية عميقة أهم ما فيها تعديل الدستور. ماذا تتوقعون أن يكون في التعديل الدستوري؟

- لقد دعوت لعقد مؤتمر وطني لكل أصحاب التأثير في الشأن العام من رؤساء أحزاب وجمعيات وإعلاميين ورجال الفكر، للتحاور حول الإصلاحات الشاملة والعميقة التي تحتاج إليها الجزائر، لكن الرئيس فضل طريقة أخرى وهي مجرد استشارة يسمع فيها الآراء، وبعد ذلك يقرر ما يشاء، ونحن سنحدد موقفنا بشأن التعديل الدستوري بعد الاطلاع على مضمونه، وأملنا أن يكون التعديل عميقا ومهما ونافعا.

* لم نسمع لكم رأيا فيما يجري من اضطرابات في بلدان مجاورة مثل ليبيا، وبعيدة نسبيا مثل سوريا واليمن.

- كتبت الكثير من الرسائل في هذا الشأن، كتبت في أحداث تونس وأحداث مصر، وفي أحداث ليبيا كتبت رسالتين ثم توقفت، وأعتقد أن ما قلته في هذه الرسائل يعبر بعمق وصدق ووضوح عن رأيي في واقع النظام الرسمي العربي، وفي واقع الأمة وفيما ينبغي أن يكون من إصلاحات شاملة وعميقة. فالنظام الرسمي العربي في حاجة إلى تغيير شامل، فهو فاقد المصداقية والشرعية، نظام عاجز عن التكفل بانشغالات المواطنين المشروعة في ميادين الحياة المختلفة، وهو عاجز عن التكفل بقضايا الأمة في صراعها مع الكيان الصهيوني، وهو مفصول عن شعوبه، وهي ظاهرة خطيرة جدا تجعل الواقع مفتوحا على كل المجاهيل.

وما يجري في سوريا أمر بالغ السوء، إذ لا يمكن أن يتوقع إنسان عاقل تحول آلة النظام الكبرى، وهي الجيش وأجهزة الأمن، التي وجدت في الأصل لحماية المواطنين وحماية البلد والدفاع عن شرفهم وشرف البلد، إلى آلة تدمير تقتل أبناء البلد، وتزرع الرعب، وتفتح أبواب الموت عليهم، وهذا دليل كاف يؤكد انفصال هذا النظام عن شعبه وعدم أحقيته في حكم شعبه، وكأن لسان حاله يقول: إما أن أحكمكم بالقوة وإما أن أقتلكم.