التصعيد في حملة الاحتجاج في إسرائيل يفرض نقاشا حول تقليص الميزانية العسكرية

بعد أن كان يعتبر من «المحرمات» في الدولة العبرية

بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي لدى ترؤسه الاجتماع الأسبوعي لحكومته في القدس المحتلة أمس (إ.ب.أ)
TT

أدى النجاح الجديد لحملة الاحتجاجات الكبرى في إسرائيل، الليلة قبل الماضية، إلى نقاشات حادة داخل مؤسسة الحكم، بحثا عن حلول ترضي المتظاهرين وتوقف نشاطهم الاحتجاجي الضخم. واقترب هذا النقاش مما اعتبر حتى الآن من «المحرمات» في الدولة العبرية، وهو تقليص ميزانية الجيش. فأعلن وزير المالية، يوفال شتاينتس، استعداده لتقديم اقتراحات بهذا التقليص، وأعلن رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، شاؤول موفاز، وهو رئيس سابق لهيئة أركان الجيش، ووزير سابق للدفاع، عن خطة تفصيلية يعدها لتقليص الميزانية العسكرية. واضطر حتى وزير الدفاع، إيهود باراك، للقول إنه مستعد لتقليص محدود «شرط أن يتم في إطار صفقة شاملة تحفظ قدرات إسرائيل الدفاعية».

وكانت «ثورة الخيام» قد وصلت، الليلة قبل الماضية، إلى مناطق الريف الإسرائيلي، حيث تعيش الشرائح الاجتماعية الفقيرة من اليهود الشرقيين والإثيوبيين والعرب، وحيث تتركز الكثير من المناطق الصناعية، فبدلا من التظاهر في منطقة تل أبيب، المعروفة بتأييد قوى اليسار المعادية للحكومة اليمينية، بقيادة بنيامين نتنياهو، قرر قادة الاحتجاج تجربة قوة مطالبهم في أقاصي الشمال والجنوب الإسرائيلي. وقرروا الدعوة إلى مظاهرات في 20 بلدة. وتجاوب مع هذه الدعوة عشرات الألوف؛ ما بين 70 و100 ألف متظاهر (الحكومة تقول 70 ألفا، والمتظاهرون يقولون 100 ألف).

واعتبر المراقبون هذه المشاركة ضخمة نسبيا، حيث إن نسبة المصوتين لأحزاب اليمين في هذه المناطق تصل إلى 70 في المائة. ولم يتردد بعض المتظاهرين في الإعلان أنهم من المصوتين التقليديين لليكود، الذين يشعرون اليوم بخيبة أمل من سياسته. ويطالبونه بتغيير سلم الأولويات. وحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن أحد القادة الميدانيين لحزب الليكود في العفولة صاح: «لا يهمني أن ننسحب من الضفة الغربية، إذا كان في هذا فاتحة للعدالة الاجتماعية».

وتركزت التعليقات في إسرائيل، أمس، بعد مظاهرات الريف هذه، على ضرورة التجاوب مع مطالب المتظاهرين لوقف مد الاحتجاج الكبير والمتصاعد. وتحول النقاش إلى المصدر الذي يمكن توفير الميزانيات منه لتمويل مطالب المتظاهرين، في إطار الموازنة الحالية، فهنالك إجماع على ضرورة الحذر من توريط الاقتصاد الإسرائيلي بخروقات للموازنة في ظل الأزمة العالمية المتفاقمة، وضرورة الحفاظ على الإطار العام للموازنة، لكي لا ينهار الاقتصاد الإسرائيلي.

من هنا، فالحل هو في تغيير سلم الأولويات في الموازنة، ونقل الأموال من ميزانية الجيش إلى ميزانيات الرفاه الاجتماعي والصحة والتعليم.

وأعلن وزير المالية استعداده لإجراء مثل هذه التغييرات. ولكن قيادة الجيش اعترضت على الفور لافتة إلى استحقاقات الأمن في القريب. واعترض وزير الدفاع، باراك، بحدة أكبر قائلا: «إننا لا نعيش في سويسرا». فتصدى له سلفه في وزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش، موفاز، (حزب «كديما» المعارض)، فقال إن «ميزانية الأمن ليست محصنة أمام مطالب الشارع بالعدالة الاجتماعية. فتحويل ميزانيات لصالح القضايا الاجتماعية يعتبر خطوة استراتيجية لا تقل عن أي مشروع طموح لأجهزة الأمن». وبحسبه، فإنه يمكن إجراء تقليصات في ميزانية الأمن، وإنه يجب القيام بذلك اليوم قبل غد.

وقال موفاز إنه كان قد بلور خطة في العام الماضي تحدد سلم أولويات جديدا، وتعطي وزنا أكبر للقضايا الاجتماعية. وتقترح الخطة إعادة تقسيم «كعكة الميزانية»، التي تتضمن تخصيص ميزانيات لمشاريع سكنية سهلة المنال والتعليم الجامعي للجميع، وخدمة عسكرية شاملة، وتعزيز الطبقة الوسطى.

وفي إشارة إلى لجنة الخبراء التي شكلها نتنياهو لوضع حلول للأزمة، برئاسة البروفسور منوئيل طختنبيرغ، قال موفاز إن اللجان التي يشكلها نتنياهو تأتي بهدف تمرير الوقت.

وأضاف أنه ينوي المبادرة خلال العطلة الصيفية للكنيست إلى إجراء مناقشات في لجنة الخارجية والأمن بشأن الميزانية العسكرية وضبط المصاريف، ولكن من دون المس بقدرات الردع وتدريبات وجاهزية الجيش.

وقال موفاز إن هناك مشاريع يجري العمل بها في الأجهزة الأمنية اليوم، ويمكن نشرها على عدة سنوات مقبلة. وبحسبه، فإنه يأمل أن يدرك باراك ونتنياهو أن الحديث ليس عن مناكفة سياسية أو حزبية.

وفي حديثه عن الحكومة الإسرائيلية، قال موفاز إن بعضا من وزرائها منقطعون عما يحصل في الشارع. كما قال إن الحكومة متضخمة جدا، ويجب إعادة فحص حجمها وتحويل أموال التقليصات إلى الشباب. وأضاف أن نتنياهو ينشغل في تشكيل اللجان بدل الحلول البراغماتية، وأنه نسي أن وظيفته هي أن يقدم الحلول بدلا من أن يتحول إلى محلل ومراقب سلبي جانبي.

و أبدى باراك بعض التراجع عن موقفه، وهو يلاحظ التأييد الآخذ في التزايد لتقليص الميزانية العسكرية، فقال أمس، في حديثه مع إذاعة الجيش، إن وزارته «على استعداد للمشاركة في تحمل العبء في إطار صفقة رزمة حقيقية».