إسحاق أوسي.. زعيم أفريقي بملابس سائق

يعمل مشرفا على سيارات تاكسي في نيويورك ثم يعود لغانا بتاج ويدير شؤون سكان 5 مدن

TT

قبل الفجر عندما يكون أكثر سكان مدينة نيويورك يغطون في نوم عميق، يكون إسحاق وإليزابيث أوسي قد قضيا ساعات من العمل. في صباح أحد الأيام، أوصل أوسي زوجته بالسيارة من نيوجيرسي إلى مبان شبه مهجورة في ميدتاون بمنهاتن للإشراف على تحرك أسطول من 50 سيارة أجرة في الرابعة والنصف. وبقيادة إليزابيث للأسطول وأشعة القمر الفضية لا تزال في السماء، تأكدا أن كل سائق تاكسي قد تسلم سيارة الأجرة التي سيقودها. ومع الهدير المنبعث من الجسم الخارجي للسيارات ورائحة الوقود التي تنبعث من محطة تزويد وقود في منطقة هيس تزدحم بسيارات الأجرة، فحصا السيارات التي بها مشكلات مع بزوغ الشمس فوق منهاتن. في السادس صباحا يقودان إلى حي «آبر ويست سايد» ويزيحان الإطارات الاحتياطية التي يضعانها في حقيبة السيارة الخلفية ليأخذا الملابس ومرآة ومنضدة تبرع بها صديق لسباق سيارات خيري نظمه كل من أوسي وزوجته. وبذل الزوجان، وهما مهاجران من غانا، جهدا كبيرا في ربط المرآة فوق سقف السيارة ثم عادا أدراجهما إلى مكتبهما في تشيلسي الذي تكسو جدرانه ألواح خشب بالية وسجاجيد حائلة اللون.

وبحلول الساعة السابعة والنصف، اتخذت إليزابيث مكانها على كرسي مكتبها الذي يشبه العرش، فهي رئيسة شركة «نوباسي تاكسي ماندجمينت كوربوريشن»، بينما يشغل زوجها منصب نائب الرئيس ويتخذ مقعدا أكثر تواضعا بالقرب منها. ثم استعدا للـ12 ساعة المقبلة التي ستشهد الصراع على تذاكر صف السيارات وفحص سيارات الأجرة ومساعدة السائقين الذين يأتون لتقاضي أجرهم.

لكن الزوجين أوسي يريان هذا الجدول المرهق كإجازة قصيرة مقارنة بالإجازة الحقيقية التي يخططان لها. فيوم الأربعاء عندما صعدا على متن الطائرة المتجهة إلى غانا، استبدلا أدوارهما فجأة. ومع مرور الطائرة على المحيط الأطلسي، سيصبح إسحاق أوسي هو نانا جاينشير، زعيم سكان الأكوامو الذي يدير شؤون سكان خمس مدن في المنطقة الشرقية.

وبعد الوصول إلى العاصمة الغانية أكرا، سيرتدي تاجا ذهبيا رقيقا، ويجلس على عرشه أو كرسيه ويعمل لمدة 20 ساعة يوميا في قصره الذي يتكون من 10 غرف. وبدلا من التركيز على زيادة كفاءة سيارات الأجرة وفحصها، سيتمتع أوسي بسلطات قضائية فضلا عن سلطات أخرى مثل التوسط في الخلافات العائلية. وإليزابيث التي تكون في أسعد حالاتها عند الحديث عن هيكل السيارة والمولدات الكهربائية، سيتعين عليها الاضطلاع بمهام ومسؤوليات زوجة الزعيم من خلال رئاسة جمعيات نسائية في كل مدينة والمساعدة في الإعداد لوليمة تكفي لألف شخص في سبتمبر (أيلول) والتي سيبارك خلالها إسحاق محصول البطاطا. وينتظر السكان تناول البطاطا بعد وصول نانا جاينشير.

ويقول إسحاق أوسي الرجل قوي البنية مقتضب الكلام والذي يضحك أكثر مما يتحدث مشيرا إلى حياته في نيويورك: «نحن هنا مشغولون جدا، لكن على الأقل أهلي ليسوا حولي، وأشعر أنني أكثر حرية». وأومأ إلى زوجته قائلا: «أحيانا تغضب مني لأنه لا يوجد متسع من الوقت لتراني فيه».

يعيش الكثير من المهاجرين في نيويورك حياة مزدوجة، كأن يعملوا في مجال غسل صحون في حي كوينز، في الوقت الذي يكونون فيه كبار عائلات في المكسيك. ولذا يبدو الأمر وكأنه يقضي إجازة الصيف بمسؤوليات تجمع بين مسؤوليات العمدة والالتزامات الملكية على حد قول ريتشارد راثبون، الأستاذ بكلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن والذي أجرى بحثا بالقرب من مدن تقع تحت نطاق سلطة أوسي.

ويوضح راثبون أنه مع استقرار غانا خلال السنوات الأخيرة، بدأ المهاجرون في العودة وتقبل القيام بأدوارهم السياسية. ويشير إلى أن لديهم الكثير من مسؤوليات السياسيين الاجتماعية، لكنهم يتمتعون بأبهة وثقل اللقب الملكي.

ويقول راثبون عن أوسي: «إنه متصل مع الماضي ويمثله». لم يتوقع أوسي، وهو ابن لأسرة لديها 19 طفلا، أن يصبح زعيما. وقد منح هذا اللقب الذي ورثه من عائلة والدته لأخ أكبر وانتقل هو ليعيش في نيويورك منذ ثلاثين عاما. وبدأ كسائق تاكسي واشترى الشارة المعدنية التي تخول له قيادة سيارة أجرة عام 1982 وتزوج بعد ذلك ببضع سنوات وأنجب بنتين وافتتح مطعما في حي هارلم. لكن بعد طلاقه من زوجته وجد نفسه بلا نقود.

رأى أوسي إليزابيث أوتوليز للمرة الأولى عندما تناولت الطعام في مطعمه في نهاية الثمانينيات وشاهدها وهي تسكب البامية على ملابسها. انتقلت إليزابيث إلى نيويورك عام 1986 وعملت كممرضة في المنازل وعاملة توصيل صحف وسائقة سيارة أجرة. وكانت تذيع أخبار المشاهير الذين قابلتهم مثل سنوب دوغ وتحكي عن المرات التي تعرضت فيها للضرب على أيدي زبائنها. وكانت تحمل في حقيبتها أسلاكا لتستخدمها في إصلاح السيارة الأجرة عند الحاجة.

عندما عاد أوسي إلى قيادة سيارات الأجرة، كان يرى إليزابيث أمام سيارات الأجرة التي تقف أمام المطار فكان يتحدث معها. وعندما رآها تقود سيارة أجرة طلب منها رقم هاتفها عند إشارة توقف المرور. لكنها رفضت حيث كانت تحاول التغلب على آثار علاقة عاطفية سابقة في ذلك الوقت.

كانت صلاحية الشارة أوشكت على الانتهاء عام 1991 وعرضت عليه إليزابيث مشاركته في العمل، فاقترضت 1500 دولار من أفريقي يملك أحد متاجر البقالة وكانت تتناوب قيادة السيارة الأجرة مع أوسي في مناوبات مدتها 12 ساعة للمساعدة في تسديد الدين. وقررت إليزالبيث فيما بعد السماح بتوطيد علاقة الصداقة التي بينهما بعيدا عن سيارة الأجرة. وتزوجا عام 1995 وأنجبا صبيين وبدأ الاثنان في تأسيس إمبراطورية صغيرة من سيارات الأجرة ببطء لكن بخطى ثابتة.

لكن عام 2006 وبعد وفاة أخيه بسبب مضاعفات مرض السكري، تم استدعاء أوسي إلى غانا ليحل محل أخيه. وفجأة أصبح أوسي يحمل على المحفة ويرأس جلسات التحكيم العرفية والاحتفالات. لا تزال إليزابيث تضحك وهي تصف التعبير الذي ارتسم على وجه زوجها عندما عاد من تلك الرحلة. وتقول إليزابيث مشيرة إلى طاقم عمل زوجها في غانا: «إنهم أفسدوك. عندما تعود إلى مطار جون كنيدي لن يحملوا حقائبك».

لكن يبدو أن إليزابيث قد شاركت زوجها مسؤولياته، ففي الثامنة صباحا في أحد الأيام وبعد يوم طويل من فحص أسطول سيارات الأجرة، جلس أوسي في مطعم في ميدتاون وطلب طعام الإفطار. وعندما هم بالأكل، بدأ الهاتف الجوال يرن بمكالمات من غانا. أجابت إليزابيث على الهاتف وبدأت تتحدث في تفاصيل العمل مثل الجنازات والمسيرات الخيرية والمشاريع التجارية. ويفتخر أوسي وإليزابيث بإنشاء مراحيض عامة في بعض مدن غانا. وتقول بينما يشي صوتها ببعض الإحباط وترتسم ابتسامة لعوب على شفتيها: «علي أن أبجله عندما أذهب إلى أفريقيا. لكن عندما أعود، عليه هو أن يبجلني».

* خدمة «نيويورك تايمز»