أمهات أميركيين قتلوا في العراق يزورنه للمساعدة في «إنجاز المهمة»

يخشين أن تتخلى أميركا بسرعة عن العراقيين

TT

مع أفول شمس الاحتلال العسكري الأميركي للعراق، جاءت آن هامبتون ولوري سوزرلاند إلى هنا للمساعدة في إنجاز مهمة بدأتها ابنة إحداهما وابن الأخرى. وخوفا من أن تتخلى الحكومة الأميركية والشعب الأميركي بسرعة مفرطة عن بلد ربما لا يزال بحاجة إلى المساعدة، تبدي المرأتان التزامهما على المدى البعيد بالبلاد، وخلال ذلك يتولد داخلهما تفهم للسبب الذي دفع الولايات المتحدة للحضور هنا بادئ الأمر.

ابنة هامبتون الوحيدة، الكابتن كيمبرلي إن. هامبتون، 27 عاما، قتلت في الفلوجة في يناير (كانون الثاني) 2004 عندما أسقطت الطائرة التي تقودها، لتصبح بذلك أول قائدة لطائرة مروحية لدى القوات الأميركية تسقط خلال أعمال القتال. بعد قرابة ثلاثة أعوام، قتل نجل سوزرلاند، مايكل جيه. رودريغيز، 20 عاما، في تفجير شاحنة مفخخة بنقطة عسكرية في شمال شرقي العراق.

بحلول نهاية رحلتهما اليوم، تنوي الوالدتان الحائزتان على «النجمة الذهبية» وهما من ولايتي نورث كارولينا وساوث كارولاينا لقاء عشرات الأكراد الناجين من مذابح نفذها بحقهم الرئيس صدام حسين لتوزيع الأدوية عليهم والإمدادات المدرسية وماكينات الخياطة والأقمشة والألعاب، ومناقشة سبل التعاون مع المستشفيات والمدارس المحلية حتى تتمكن الوالدتان من العودة يوما ما بمزيد من المساعدات. وأشارتا إلى أنهما تأملان في أن تتمكنا في المستقبل من اجتذاب المزيد من الآباء والأمهات الراغبين في التحرك لما وراء ما تعتبرانه الأفكار المغلوطة عن العراق.

وقالت سوزرلاند: «لقد تغيرت الأوضاع، وباتت أفضل الآن، ويقدر العراقيون ما نفعله. إذا لم نساعدهم، فسيتحرك شخص آخر نحو مساعدتهم، وربما لا يكون تحركه نابعا من نية حسنة».

وينبع منظور هامبتون وسوزرلاند الإيجابي في جزء منه من خطة الرحلة التي اتبعتاها، حيث تزور السيدتان اللتان انضم إليهما إريك، زوج سوزرلاند، وكينيث كاتر، الذي عمل برتبة سارجنت مع رودريغيز قبل وفاته - كردستان فقط، وهي منطقة سلمية نسبيا تشهد ازدهارا اقتصاديا لا تضاهيها أي منطقة أخرى بالعراق بفضل عائدات النفط. وحذرهما مسؤولون أميركيون من مخاطر زيارة بغداد أو المنطقتين اللتين قتل فيهما كيمبرلي ومايكل. وقالت هامبتون إن زوجها لن يأتي إلى العراق حتى يصبح بإمكانه زيارة الفالوجة بأمان.

كانت الوالدتان بدأتا زيارتهما في نفس اليوم الذي شهد اتفاق قيادات عراقية على السعي للدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة حول الإبقاء على مدربين عسكريين بالبلاد خلال العام المقبل. وبينما يفكر العراقيون في ما قد يحتاجون إليه من الأميركيين، قالت الوالدتان إنهما تأملان أن تضغط الولايات المتحدة من أجل إبقاء وجود عسكري ضخم في البلاد. وقالت سوزرلاند: «يجب أن نبقى وننجز مهمتنا. سأشعر بألم كبير إذا لم تتحسن الأوضاع».

وفي اجتماعات ولقاءات عديدة قدمت هامبتون، 66 عاما، وسوزرلاند، 49 عاما، للعراقيين قطعة خزفية تشبه العملة عليها صور كيمبرلي ومايكل. وتعد مثل هذه العملات الخزفية واحدة من السبل الشائع استخدامها بين أسر العسكريين لتخليد ذكرى أبنائهم الذين قتلوا أثناء الحرب. وفي لقاء قالت هامبتون عن ابنتها: «أريدكم فقط أن تعرفوا أنها أتت هنا لمساعدة الشعب العراقي، وآمل أن أتمكن على نحو ما مهما كان ضئيلا من الاستمرار في الطريق الذي سارت فيه وآخرون معها». وقال إريك سوزرلاند عن ابن زوجته: «لقد كان جنديا صالحا، وكان شديد الفخر بخدمته لأميركا ومساعدته الشعب العراقي».

وبدا موسى أحمد، نائب مدير «مؤسسة بارزاني الخيرية»، مذهولا بهذه الزيارة بادئ الأمر، ثم اعترف لاحقا أن الكثيرين ينسون أن الجنود الأميركيين الذين قتلوا بالعراق لهم أسر تعاني فقدانهم. وأضاف: «ينبغي أن يتذكر الشعبان الأميركي والكردي أن هؤلاء الجنود ليسوا آليين، إنهم أبناء وآباء وأمهات ولهم أسر».

وبينما عملتا على توزيع عملات خزفية وتشاركتا في القصص بشأن أبنائهما، كان يغلب على صوت هامبتون رجفة، بينما تنخرط سوزرلاند في البكاء. إلا أن السيدتين اتفقتا على أن التجربة أفادتهما. وقالت هامبتون لاحقا: «لم نأت هنا ليشكرنا أحد لكن يبقى من اللطيف أنهم يبدون تقديرا». ومع تقديمهم العزاء، ضغط الأكراد على هامبتون وسوزرلاند لمعرفة تفاصيل، مثل: إذا كنتما على استعداد للمساعدة، فما هو عدد الأطباء الذين قد تحضراهم إلينا؟ كم عدد الأطفال الذين قد تحملانهم معكم إلى الولايات المتحدة لتلقي الرعاية الطبية؟ هل لديكما استعداد لتدريس الإنجليزية في مدرسة جديدة؟

تعرف السيدتان طبيبا واحدا على الأقل في الولايات المتحدة على استعداد لإجراء جراحات لأطفال أكراد، وذكرتا أن الكثير من جهودهما ستجري بالتعاون مع «مؤسسة أصدقاء كردستان»، ومقرها كندا. وكانت مؤسسة هذه المنظمة آمي بال، سافرت إلى ساوث كارولينا لمقابلة هامبتون وسوزرلاند وأعضاء آخرين من «أمهات النجمة الذهبية الأميركيات»، وهي منظمة تضم الآباء والأمهات الذين قتل أبناؤهم في الحرب. وذكرت بال في حديثها إليهم أنها على مر السنوات، التقت الكثير من الأكراد التواقين لشكر أسر الأميركيين الذين قتلوا في الحرب بالعراق. وأشارت بال إلى أن معظم الأمهات غلبهن البكاء لدى قولها ذلك. وأضافت: «كانت تلك هي المرة الأولى التي تسمع فيها أمهات رسالة على هذا النحو بشأن العراق. لقد شعرن بأن هذا الموقف نقطة تحول نحو التعافي بالنسبة إليهن».

بعد الخطاب الذي ألقته، وافقت بال على مساعدة هامبتون وسوزرلاند على زيارة كردستان وإعلان قلقهما من أن ترحل القوات الأميركية عن العراق في وقت سابق لأوانه.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»