بعد عودة الهدوء.. البريطانيون يتساءلون: لماذا؟

شاب اتهم بسرقة زجاجات مياه برر الأمر بالعطش.. والتفسيرات تقف عند دوافع كثيرة ومعقدة

TT

خارج محكمة لندن وأثناء محاكمة الأفراد المتهمين بأعمال النهب والشغب في أكثر أعمال العنف تدميرا وانتشار في التاريخ البريطاني الحديث، التفتت أم ابنها البالغ 11 عاما المتهم بالسرقة وسألته ببساطة: لماذا؟

كان ذلك التساؤل لب النقاش الوطني المحزن، في وقت تنتاب فيه البريطانيين حالة من الذهول عن الدوافع التي تجعل مواطنين ملتزمين بالقانون في فترة سابقة إلى السرقة والمجازفة أحيانا بإلقاء القبض عليهم من أجل شيء، قد لا يكون غير زجاجة مياه. وغالبا، ما ينقسم الناس في مثل هذا النقاش إلى معسكرات متوقعة.

رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وقف في البرلمان بينما كانت البلاد تشتعل حوله، شاجبا العنف والسرقة. بيد أن منتقديه على اليسار ألقوا باللائمة على انعدام الثقة العميقة الذي تواجهه الشرطة في المناطق الفقيرة وعدم المساواة في الدخل، الذي يرون أنه يزداد سوءا في الوقت الذي تسعى فيه حكومته إلى تنفيذ تخفيضات هائلة في الإنفاق والرفاهية الاجتماعية.

من ناحية أخرى، ألقى بعض المحللين باللائمة على المجتمع الحديث بشكل عام. وأصابت صحيفة «ديلي تلغراف» المجتمع بالاندهاش عندما ألقت باللائمة على «ثقافة الجشع والإفلات من العقاب، التي امتدت إلى مجالس إدارة الشركات والحكومة ذاتها». وفي الوقت ذاته، شن الكثير من السياسيين هجوما على التكنولوجيا (شملت الرسائل النصية التي شجعت على النهب) التي عملت على جمع الكثير من الأفراد.

لكن مع اتضاح الكثير من تفاصيل الجرائم، زادت الصورة تعقيدا وارتباكا. فمن بين القضايا الصادمة بشكل كبير تلك الجرائم التي بنيت على قرارات سريعة اتخذها أفراد عاديون وطبيعيون أغراهم الانفلات الأمني المحيط بهم. فقد تحولت مثلا ناتاشا ريد، 24 عاما، العاملة الاجتماعية الطامحة إلى لصة سرقت جهاز تلفزيون يبلغ ثمنه 500 دولار. أما نيكولاس روبنسون، وهو طالب هندسة، ولم يقع على الإطلاق في مشكلة مع القانون، فقد اختطف زجاجات مياه معدنية، لكن محاميه يؤكد على أنه كان عطشان. أما أصغر من شاركوا في عملية النهب طفل فيبلغ من العمر 11 عاما سرق صفيحة قمامة.

لم يتمكن المشاركون في الكثير من أعمال الشغب التي وقعت الأسبوع الماضي من تفسير سلوكهم. أحد الشباب الذي كان يركل صناديق القمامة في الشارع عندما سئل عن السبب اكتفى بهز كتفيه. وكانت الأجواء في مشاريع إسكان محدودي الدخل بطريق بيمبري في هاكني في بعض الأحيان تعبر عن فرحة عارمة. كان اللصوص يصيحون فرحا وهم يجردون شخصا من أغراضه على بعد ياردات من الشرطة.

حتى إن بعض اللندنيين الذين أدانوا في بداية الأمر سلوك الشغب انضموا إليه فيما بعد. ووقف المتفرجون يشاهدون في صدمة مثيري الشغب وهم يصطفون أمام ضباط الشرطة في شارع توتنهام الرئيسي، الأسبوع الماضي، وأضرموا النيران وقاموا بأعمال السلب. بيد أن الصورة تحولت بشكل واضح بعد تحرك الضباط واستخدام الكلاب وتقدم الخيول. وفجأة تجرأ أحد الرجال وأمسك بصندوق من الكمثرى كان موجودا خارج المتجر، بينما حملت سيدة عددا كبيرا من ثمار جوز الهند. في حين بدا رجل آخر مشوشا تتنازعه الرغبة في السرقة والعدد كبير من البضائع، فأسرع الرجل بالمضي، لكنه ما لبث أن عاد ليخطف زجاجة مياه.

ويرى كليفورد ستوت، أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة ليفربول، الذي يدرس أعمال الشغب أن هذه السلوك أمر عادي. فالمتفرجون، بحسب قوله، عادوا لينقلبوا على الشرطة عندما وجدوا أنفسهم متضررين خلال عمليات القمع الموسعة. وقال: «هذه المواجهة تجعلهم يبدأون في الاعتقاد أن الشرطة هي المخطئة وليس مثيري الشغب». لكنه أشار إلى أن ديناميكيات الجمهور معقدة إلى حد بعيد، ولا يمكن تسطيحها بمجرد إلقاء اللوم على الأفراد أو تبرير سلوكهم هذا.

وتقول باميلا روتلدج، التي تدرس الارتباط بين وسائل الإعلام الاجتماعية وعلم النفس الإنساني إن إدانة وسائل الإعلام أمر عفوي أيضا. وأشارت إلى أن وسائل الإعلام تسارع من السلوك لأنها تشكل نماذج اجتماعية - الناس ترى أن أفرادا آخرين متورطون وهو ما يدفعهم إلى القيام بالأمر ذاته. لكنها أشارت إلى أن هذه الأدوات ليست في أيدي مثيري الشغب فقط، فقد استخدمت الشرطة، على سبيل المثال الإعلام الاجتماعي لإبلاغ السكان المحليين القلقين بشأن حالة الشغب في مناطقهم. وقالت روتلدج: «يمكنك استخدام مطرقة لبناء شيء أو تدميره، فهي مجرد أداة».

وأوضح علم النفس أنه من الصعب على نحو خاص تفسير القرارات السريعة الخاصة المتعلقة بسرقة البضائع الرخيصة غالبا والصغيرة.

في وود غرين الأسبوع الماضي، حيث سمح لمرتكبي أعمال النهب من السيطرة على المنطقة لمدة أربع ساعات قبل وصول الشرطة قام بعض مثيري الشغب بالهجوم على متجر للنظارات وثلاثة رجال وقفوا خارج متجر «جي إن سي» يتجادلون عما إذا كانت سرقة الفيتامينات والمكملات الغذائية أمرا يستحق العناء. وتساءل أحدهم وهو يرفع علبة زجاجية من المكملات الغذائية «هل آخذ هذا؟». رد عليه آخر: «كلا يا رجل، إنه لا يستحق عناء حمله». لكنه أخذه على أي حال.

حتى الآن تم اعتقال أكثر من ألفي شخص على خلفية أعمال العنف والإخلال بالنظام والقيام بأعمال النهب. وبطبيعة الحال تم توجيه اتهامات إلى مئات منهم، والبعض صدرت ضدهم أحكام رادعة من قبل المحكمة التي تعمل على مدار الساعة في بعض المناطق. والبعض ممن ألقي القبض عليهم صدرت ضدهم أحكام سابقة وتكشف سجلات المحكمة عن أن بعضهم كانوا مسلحين أو يحملون كميات من المخدرات لدى اعتقالهم، وألقى الكثير من السياسيين باللائمة على المجرمين في القيام بأعمال الشغب.

أما آخرون مثل ريد وروبنسون ليسوا تصنيفات سهلة، فالسيدة ريد خريجة جامعية ووضعت رأسها بين يديها في المحكمة، وقالت والدتها للصحافيين إنها تواصل البكاء في غرفتها منذ القبض عليها لسرقة جهاز التلفزيون. فهي لا تعرف لماذا أخذته، فهي حقا لا تحتاج إلى تلفزيون. أما روبنسون طالب الهندسة فكان يسير عائدا إلى المنزل في الساعة 2:40 عندما شارك في نهب سوبر ماركت في بريكستون. وقال محاميه خلال جلسة محاكمته: «علق روبنسون في تلك اللحظة وهو الآن يشعر بخزي عميق»، وحكم عليه بالسجن ستة أشهر.

وفي الوقت ذاته، سيطرت قصة تشيلسي آيفز، الرياضية البالغ من العمر 18 عاما، التي تم اختيارها لتكون واحدة من الوجوه التي ستمثل لندن في الألعاب الأولمبية المقبلة على الصفحات الأولى للصحف في بريطانيا.

وقد اتهمت آيفيز بالسرقة وأعمال العنف وقذف سيارات الشرطة بالحجارة، بحسب تقارير الشرطة، وكانت والدتها هي من سلمتها للشرطة، وقالت والدتها للصحافيين: «كان علي أن أفعل الصواب». ومن بين النساء الأخريات المدرجات في وثائق المحاكمة واحدة متهمة بسرقة ستة زجاجات من مزيل طلاء الأظافر.

وقال الدكتور ستوت إن الأفراد عادة ما يتسرعون بالحكم بأن العقلية الغوغائية هي التي باتت تحكم، وهناك من ذهب إلى القول: «حسنا، هؤلاء مواطنون جديرون بالاحترام مثلي، وإن أمرا ما أصاب عقولهم، لا بد أنها عقلية الغوغاء».

لكنه أشار إلى أن النظرية القائلة إن الأفراد في حالة الغوغاء يصبحون بلا تفكير لا تحظى بمصداقية كبيرة، وحذر من أن التركيز على هذه التفسيرات السطحية سيمنع المناقشات الوطنية المهمة بشأن استيضاح أسباب أعمال الشغب.

وعندما ووجه بتساؤلات صعبة عن الدور الذي ربما تكون قد لعبته تلك السياسات والسياسات الحكومية والأمراض الاجتماعية، قال الدكتور ستوت: «يمكنك أن ترى أنها تصبح مفيدة للغاية في تصويرها على أنها مجرد أفعال لا مبرر لها. لماذا يقدم هذا الشاب الصغير على سرقة زجاجات مياه؟ قد لا تعرف على الإطلاق».

* خدمة «نيويورك تايمز»