محمد بعيو لـ «الشرق الأوسط»: القذافي ظن أن بنغازي ستتحرك وحدها وفوجئ بالثورة تعم كامل المنطقة الشرقية

الناطق السابق باسم الحكومة الليبية: النظام أطلق السجناء في طرابلس وأحضر المرتزقة من الخارج قبل اندلاع الغضب

الناطق السابق باسم الحكومة الليبية محمد بعيو («الشرق الأوسط»)
TT

قال محمد عمر بعيو، الناطق الرسمي السابق باسم الحكومة الليبية، لـ«الشرق الأوسط»: إن العقيد معمر القذافي يراهن على مفاجآت غير متوقعة للنجاة من الثورة الشعبية ضده والخروج من مأزقه، مشيرا إلى أن القذافي هو بمثابة النموذج العصري لشمشون.

وأوضح بعيو، الذي تولى في السابق أيضا منصب أمين الهيئة العامة للصحافة، وهي الهيئة المشرفة على كل الصحف الرسمية، في مقابلة خاصة عبر الهاتف من مدينة مصراتة، في أول حديث من نوعه يدلي به لوسيلة إعلام عربية أو دولية منذ اختفائه عن الأنظار مع اندلاع الثورة الشعبية ضد القذافي في 17 فبراير (شباط) الماضي، أن القذافي قرر مواجهة أي محاولة للانتفاض في ليبيا بالقوة المفرطة، دون أن يفكر لحظة في أن العالم سيتدخل لحماية الليبيين منه.

وكشف بعيو عن أن القذافي وضع خطته على أساس القيام بعملية التفاف ومراوغة تسبق الموعد الذي حدده شباب «فيس بوك»، وإحضار المرتزقة، خاصة القناصين، من دول عدة، والاعتماد على كتائبه الأمنية، إذا دعت الضرورة للعنف، وعدم إعطاء أي دور لبقايا المؤسسة العسكرية التي لا يحبها ولا يثق فيها.

كما كشف عن أن نظام القذافي قام، في الأيام الأولى للثورة، بفتح أبواب السجون ليهرب منها أصحاب السوابق والمجرمون ضمن خطته لإشعال الفوضى التي توفر له ذريعة للاستخدام المفرط للقوة، خاصة في العاصمة الليبية طرابلس.

وشدد على أن أقصى ما يتمناه عتاة الثوريين الآن، في داخل حركة اللجان الثورية، التي تعتبر العمود الفقري للنظام الجماهيري الذي ابتدعه القذافي في ليبيا منذ عام 1977، هو أن تحدث صفقة دولية تنتهي بموجبها سلطة القذافي وأسرته، ويتصالح فيها الليبيون، وينجو بها المجرمون من المساءلة والعقاب.

لكن بعيو استبعد حدوث هذا السيناريو، وقال في المقابل: إن ذلك لن يحدث، مشيرا إلى أن المعركة الآن هي معركة كسر عظم وإلغاء وجود، على حد قوله، وفيما يلي نص الحوار..

* أين اختفيت طيلة هذه المدة؟

- أنا موجود في مدينة مصراتة منذ 19 فبراير، وهو اليوم الذي شهد المظاهرة الأولى في المدينة، والتي قابلتها آلة النظام القمعية بإطلاق الرصاص الحي، وسقط أول شهيد، الشاب خالد بو شحمة. وفي اليوم الذي سبقه، وهو الجمعة، كنت في طرابلس التي كانت تغلي غضبا مما يرتكبه النظام من جرائم في بنغازي وأجدابيا والمرج والبيضاء ودرنة وطبرق وغيرها من المدن. وهو اليوم ذاته الذي فتح فيه النظام أبواب السجون في طرابلس ليهرب منها أصحاب السوابق والمجرمون، ضمن خطته لإشعال الفوضى التي توفر له ذريعة للاستخدام المفرط للقوة. وكنت قد تعرضت، قبل ذلك بيومين، للتهديد بالقتل من طرف بعض إرهابيي قبيلة القذاذفة ممن كانوا آنذاك في بنغازي، على خلفية تصريحاتي الرافضة لاستخدام العنف في مواجهة المظاهرات السلمية، التي بُثت عبر بعض الفضائيات. ومنذ ذلك اليوم، الذي وصلت فيه مع عائلتي إلى مدينتي الصامدة مصراتة، قبل نحو 6 أشهر، لم أغادرها لحظة، وعشت وعايشت ثورتها ومعاناتها وصمودها ومقاومتها وقتالها وإصرارها وانتصارها على الطاغية وكتائبه المجرمة، وتلك ملحمة تاريخية سأكون أحد الذين يكتبونها بإذن الله لتبقى وثيقة للأجيال المقبلة.

* لماذا تظهر الآن لكي تتكلم؟

- أنا لم أكن مختفيا بل كنت مرابطا حيث يجب أن أكون مع أهلي أصحاب الحق الساطع والقضية العادلة، لا مع الطغيان والظلم والديكتاتورية والهمجية، كما أن المدينة عاشت شهورا من دون أي وسائل اتصال؛ فقد قطعت شركة البريد، المملوكة لعائلة القذافي، الإنترنت في فبراير، ثم قطعت الاتصالات الهاتفية في منتصف مارس (آذار) الماضي مع اجتياحها الهمجي لمدينة مصراتة التي هاجمها، يوم الجمعة 18 مارس، جحفل كامل، ولم يخرج منها بل ذاب وسط رمالها وبأيدي رجالها.

* بحكم عملك السابق في الدولة الليبية، كيف ترى أداء حكومة البغدادي في مواجهة هذا الوضع؟

- أداء حكومة البغدادي والنظام، أو بالأحرى اللانظام بجميع مكوناته، في هذا الوضع، لا يختلف من حيث التفكير والآليات والأدوات والنتائج عن أدائه الفوضوي والفاشل طيلة عمره؛ فهو لا يعرف إدارة الأزمات ولا ينتدب الأكفاء وأصحاب الخبرة والرأي في مثل هذه الظروف وفي الأوقات كلها؛ لأنه يريد عبيدا لا أحرارا، وأتباعا لا شركاء. والنظام لم يواجه، طيلة عمره، أزمة بهذه الصعوبة، كما أنه تعود أن يتحرك على إيقاع ومزاج شخص واحد، أثبتت الأيام أنه لا يتمتع بأي حكمة ولا رؤية ولا استراتيجية. والبغدادي المحمودي شخص ماكر، لكنه ليس كفؤا على الإطلاق لإدارة دولة. وهو ماهر في إدارة رؤوس أفراد العائلة بالوعود والأمنيات وإرضائهم. وأنا واثق أنه لم يكن يتمنى أن يكون حيث هو الآن. وسبق أن صارحني، شخصيا، بيأسه من الحالة كلها، وكان ذلك قبل الثورة بأسابيع. لكن وجوده زاد، لا شك، من أزمة النظام، وربما من تسريع هزيمته المعنوية والأخلاقية التي بدأت منذ اختياره في منصبه البائس قبل 5 سنوات. وإذا أردنا، عموما، أن نحدد أسس عمل نظام الشخص الواحد الذي كان يحكم ليبيا، فيمكن القول إنها الحد الأقصى من الهمجية الفوضوية، والقدر اللامحدود من الكذب والتزييف، وبينهما الكثير من الطغيان الأمني والهذيان الآيديولوجي والفكري. وبهذه المقومات البائسة، فالبغدادي المحمودي هو المناسب للمنصب. وهو أسهم في حفر قبر النظام، وربما ينتهي معه أو يذهب إلى السجن، كما توقع لنفسه ذات مرة. ويبقى أن أقول: إنه لا حكومة في ليبيا، بل شخص يحكم عبر الهاتف والتلفزيون، وكلاهما وصفة مضمونة للفوضى واللامسؤولية.

* تركت النظام قبل قليل من اندلاع الثورة، لماذا؟

- لم أكن في يوم من الأيام جزءا من النظام بمفهوم الأهمية والمسؤوليات أو المشاركة في القرار بأي معنى، لكن القدر وظروف الحياة فرضت على جيلي، خاصة أصحاب الثقافة والقلم، التعايش معه على مضض من الطرفين. وقد مررت بمراحل كثيرة كنت فيها بعيدا، حتى بالمفهوم الوظيفي. وسبق أن تعرضت للاعتقال والتهديد على خلفية كلامي وانتقاداتي. كما أن في أرشيفي عشرات المقالات واللقاءات كتبت فيها وقلت ما لم يجرؤ عليه غيري داخل ليبيا. وفي الأحوال كلها أعترف بأنني صدقت بعض ما طرحه النظام، على أمل أن يكون صادقا. ولم أتنصل من تاريخي الذي عملت فيه كما عمل الليبيون مع النظام الذي لم يكن من خيار سواه أو الموت أو المنفى. وأنا مستعد لتحمل مسؤوليتي، مع ثقتي بأنني لم أؤذِ أحدا في حياتي. وكنت قد حذرت بعض المقربين من القذافي من استخدام العنف قبل الثورة بقليل. وعندما أسفر النظام عن وجهه المجرم نهائيا، غادرته نهائيا، كما غادره كثيرون من أصحاب الضمائر، وعدنا جميعا مما سميته زمن الغيبوبة الكبرى، واليوم لا مطلب لنا سوى انتصار الثورة وزوال الكابوس، وبعدها ليحدث ما يحدث، فلن يكون بأكثر سوءا من هذه الديكتاتورية الفاشية الهمجية الظلامية المجرمة والمرعبة.

* بحكم صلاتك السابقة، كيف استعد القذافي لإجهاض الثورة؟

- القذافي، منذ استيلائه على السلطة، كان البند الأساسي لبرنامجه اليومي هو حماية سلطته المطلقة، وضمان ديمومتها بكل الوسائل، التي غالبا ما تكون غير مشروعة. وهو ينظر إلى الجموع بخوف وريبة، بل وبكراهية، حتى وهي تجتمع لتأييده والاستماع إليه والتصفيق له في الاحتفالات الشعبية والملتقيات الثورية. وقد أدى طول بقائه في السلطة المطلقة إلى استخفافه بالشعب وسخريته من قدرته على الفعل والمبادرة. وأكثر ما كان يقلقه ويخيفه، في اعتقادي، هو الموت، خاصة مع تقدمه في العمر وعدم ظهور بوادر نجاح لمشروع التوريث؛ لأن جميع أولاده غير أكفاء، ولا يتمتعون بأي كاريزما. وربما كان يميل إلى ابنته عائشة، الأقرب إليه والقاسية مثله، التي قالت في خطاب لها بباب العزيزية في 15 أبريل (نيسان) الماضي: إن من لا يحب معمر القذافي لا يستحق الحياة–أي أنها حكمت بالإعدام على معظم، إن لم يكن جميع، الليبيين–ولقد فوجئ معمر القذافي بالثورة في تونس ومصر. ويعرف العالم ردود أفعاله الغاضبة والعصبية. وقرر مواجهة أي محاولة للانتفاض في ليبيا بالقوة المفرطة، دون أن يفكر لحظة أن العالم سيتدخل لحماية الليبيين منه. وقد وضع خطته على أساس القيام بعملية التفاف ومراوغة تسبق الموعد الذي حدده شباب «فيس بوك»، وإحضار المرتزقة، خاصة القناصين، من دول عدة، والاعتماد على كتائبه الأمنية إذا دعت الضرورة للعنف، وعدم إعطاء أي دور لبقايا المؤسسة العسكرية التي لا يحبها ولا يثق فيها، كما غلب على ظنه أن بنغازي، فقط، هي التي يمكن أن تتحرك، ويمكن إجهاض حركتها بأسلوب اعتاد عليه يجمع بين التهديد والوعيد والوعود والمساومات، والفرز والإقصاء والاعتقال، أو تصفية العناصر الفاعلة التي قد يجتمع حولها أو يستمع إليها بعض الناس. لكنه فوجئ بالثورة تعم المنطقة الشرقية بالكامل، وبانفلات الزمام من بين يديه. وربما ندم على اعتماده على عبد الله السنوسي والبغدادي وحجازي وغيرهم، ممن لا يمكن الاعتماد عليهم إلا في العنف والقسوة، وهذا ما فشلوا فيه أيضا أمام ثورة الجموع العارمة التي كانت مثل السيل الجارف. وزاد من صدمة القذافي واتساع الخرق عليه انتفاضات المنطقة الغربية من الزنتان إلى مصراتة وطرابلس، وغيرها من المناطق. لكنه امتص الصدمة وبدأ في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة إجهاض الثورة، بالانسحاب من بعض المعسكرات وأماكن السلاح ليحصل بعض الشباب على قطع سلاح يدافعون بها عن أنفسهم، وليقول للعالم إن ما يحدث في ليبيا ليس انتفاضة سلمية بل هو تمرد مسلح يجب قمعه بالقوة المفرطة. وهذا تدبير قام به، لكن نتائجه كانت وبالا عليه، وكانت أيضا قاسية جدا على الشعب الليبي. وليبيا لم تعد تتسع الآن لشعبها ولأسرة القذافي معا، والنتيجة معروفة؛ فالشعوب لا تفنى ولا ترحل.

* أين ذهبت إصلاحات سيف الإسلام، نجل القذافي، ومشروعه الإصلاحي؟

- لم يكن لسيف القذافي أي مشروع إصلاحي حقيقي أو واضح المعالم. وما كان أبوه ليسمح له بأي فعل حقيقي. والكلام حول سيف، الذي هو من ضحايا أبيه بقدر ما هو شريك في جرائمه الأخيرة، يطول، لكنه لا يبتعد كثيرا عن حقيقتين أثبتتهما الأيام والأحداث، هما: أن سيف كان مجرد ورقة من أوراق لعبة أبيه في المناورة بكل شيء من أجل البقاء، والمراوغة وكسب الوقت، وإيهام الليبيين والعالم الغربي، أي أميركا وأوروبا، برغبته في التغيير وإصلاح النظام، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، لم يكن سيف الشخص المناسب لممارسة هذه اللعبة على المدى الطويل، بحكم ضعف شخصيته وقلة قدراته وثقافته، وميله إلى الفاسدين والانتهازيين. ولا صحة هنا للقول إن ما يسمى الحرس القديم تآمر على سيف، فالجميع قبل به وسار معه؛ لأنه ابن القذافي، ولأنه كان يمثل، بالنسبة إلى الكثيرين من عتاة اللجان الثورية وحراس النظام، فرصة للخلاص من قائدهم الذي أعرف أن معظمهم يكرهونه ويخشونه. وأنا شخصيا التقيت سيف القذافي مرة واحدة السنة الماضية في مدينة بودروم في تركيا، وتكلمت معه لأكثر من ساعة، ووصلت إلى قناعة نهائية أنه على الرغم من أدبه وتواضعه، اللذين أثبتت الأحداث أنهما كانا مجرد قشرة زائفة لقسوته وتسلطه، لا يصلح إطلاقا لأي عمل قيادي حقيقي.

* ماذا عن دور حركة اللجان الثورية في مواجهة الأحداث؟

- نظريا، كانت اللجان الثورية تنظيما مفتوحا يدخل إليه من يشاء. وفي السنوات الأخيرة، وبحكم القوانين الظالمة، صار مفروضا على كل من يريد أن يمارس عملا سياسيا أو إداريا في الداخل والخارج على أي مستوى، أو يدرس في الخارج، أو يصبح معيدا في الجامعة، أن يحضر ضمن مستنداته ما يفيد بعضويته في حركة اللجان الثورية، ولا يهم إن كان هذا المستند حقيقيا أو مزيفا، المهم أن يدخل ملفك الشخصي أيها المواطن ليستعمل معك أو ضدك عند الضرورة. هذا بالنسبة للعامة، أما الخاصة، فهم مجموعة من المقربين والأمنيين، ومن قاموا بالمهام السيئة في الماضي، والمرتبطين عضويا ووجوديا بالقذافي. وهؤلاء بضع عشرات ليسوا شركاء في القرار إطلاقا، لكن لديهم هامشا للحركة والكلام تحت سقف الولاء المطلق. وهم كانوا، أو بعضهم، يحلمون بالقفز إلى السلطة بعد غياب القذافي. أما عن أدوارهم في مواجهة ثورة الشعب الليبي فهي متفاوتة، وستكشف الأيام عن أحجامها وتأثيرها ومساهمتها في إطالة أمد الصراع ومعاناة الشعب الليبي. ولعلي أجازف بالقول إن أقصى ما يتمناه عتاة الثوريين الآن هو أن تحدث صفقة دولية تنتهي بموجبها سلطة القذافي وأسرته، ويتصالح فيها الليبيون وينجو بها المجرمون من المساءلة والعقاب، وذلك لن يحدث، في تقديري. فالمعركة الآن، معركة كسر عظم وإلغاء وجود، وعلى كل إنسان أن يتحمل مسؤولية اختياراته. وقد كانت ثورة 17 فبراير، في بدايتها وليس الآن، أشبه ما تكون بسفينة نجاة لمن أراد أن يقف مع الشعب والحق والتاريخ ضد الطغيان والباطل. وكان في إمكان الكثيرين الانحياز إلى الجانب الصحيح وانتظار المحاسبة العادلة أو العفو بعد انتصار الثورة الذي صار قريبا بإذن الله.

* من يقاتل على الأرض الآن؟ هل هي ميليشيات؟ ومن يديرها؟

- من ناحية القتال، ليست اللجان الثورية هي التي تقاتل؛ فهي بكتلتها السابقة والافتراضية لم تعد موجودة، ومعظم من كانوا فيها انحازوا إلى أهلهم، بل إن الكثير منهم يقاتل كأفراد ضمن مجموعات الثوار. ومن يقاتل مع كتائب القذافي الآن هم مجرد متطوعين يتم التغرير بهم وإغراؤهم بالمال، وهم يهربون أو يستسلمون أو يقتلون في أول معركة يخوضونها، وليست لهم أي قيمة في وجود المرتزقة وبقايا الكتائب الأمنية.

* كيف تقيم أداء الإعلام الرسمي؟ وماذا عن رؤيتك للإعلام الخاص بالثورة والمجلس الانتقالي؟

- بالنسبة لإعلام الثورة فقد كان يمكن أن يكون أفضل بكثير لو تم التخطيط له وإدارته بشكل أفضل. وفي الأحوال كلها أترك تقييمه وتقويمه إلى ما بعد انتصار الثورة. ولا ينبغي أن أنسى الإشادة بكل من يعملون في إعلام الثورة بجميع وسائله وأدواته، من المواقع الإلكترونية إلى المطبوعات إلى الإذاعات إلى المحطات التلفزيونية، خاصة «ليبيا لكل الأحرار»، و«ليبيا أولا». وهنا لا بد من الإشادة بالمبادرات الفردية والجماعية لإعلام الثورة الذي سينمو ويتطور في ظل الحرية وتكافؤ الفرص والمنافسة الحقيقية في ليبيا الجديدة المقبلة. وتبقى حقيقة هي أم الحقائق وأعظمها، مفادها أن من خلق إعلام الثورة ووفر المادة الإعلامية المحلية والعالمية، هو الشعب الثائر الصابر وأبناؤه المقاتلون الأبطال وشهداؤه الأبرار وضحاياه الأبرياء ورموزه الوطنيون المخلصون.

* بحكم معرفتك بالقذافي، كيف تراه يفكر الآن؟

- لا أعرف على وجه الدقة كيف يفكر القذافي الآن، لكني لا أظنه يفكر في أشياء محددة أو خيارات واضحة. لعله يراهن على مفاجآت غير متوقعة تنجيه مما هو فيه، ليس بأن يحكم ليبيا هو أو أحد أبنائه من جديد، بل بأن يحدث شيء يضمن له النجاة من القتل والانتقام والمحاكمة. ولعل شهر رمضان يلهمه الاعتراف بحقيقة أنه هزم وخسر كل شيء فيعلن قبوله التنحي وترك ما تبقى من سلطاته، ويطلب مما تبقى من كتائبه وضع السلاح وتسليم أنفسهم للثوار الذين لن يقتلوهم لأنهم إخوتهم، لعله بذلك يحقن الدماء ويحفظ الأرواح، لكن القذافي في الأحوال كلها أصبح نموذجا عصريا لشمشون، مع الاختلاف في أن شمشون هدم المعبد على نفسه وأهله وأتباعه، أما القذافي فأعداؤه فباقون؛ لأنهم هم الشعب.

* اشرح لنا باختصار أهم مراكز النفوذ في نظام القذافي.

- لا توجد مراكز نفوذ حقيقية في ليبيا، ولكن ربما أسهمت الأزمة، أو على وجه الدقة كارثة اللانظام الحالية، في إعطاء أدوار عسكرية وسياسية وإعلامية وإدارية لبعض الذين كانوا معزولين ومهمشين، مثل بقايا ما يسمى الضباط الأحرار، وبعض أدعياء الدين، وسماسرة الحشود والمناسبات، والأفاكين في الداخل والخارج، وتلك الأدوار محدودة، وإن بدت إعلاميا كبيرة بعض الشيء، فجميعها يتم ضمن إطار الحرب على الشعب الليبي ومنطق التخوين والإقصاء والإلغاء، وتحت سقف تقديس الزعيم. كما أن القذافي يقصد، بالطبع، توريط أكبر عدد ممكن في معركته الأخيرة، وخلط الأوراق والمناورة بكل شيء إلا بالكرسي الذي لم يعد موجودا سوى في خياله.

* إذا كان القذافي ليس برئيس ولا بحاكم، كما يقول، فمن المسؤول عن إدارة ليبيا على مدى سنوات حكمه الـ42 الماضية؟

- ليس جديدا أن أقول إن القذافي هو الحاكم المطلق لليبيا منذ 40 عاما، أي بعد عامين من انقلابه، ومنذ أن تخلص من بعض شركاء الغزوة. لكن له شركاء كثر في المسؤولية عما حدث وما آلت إليه الأمور في ليبيا، فلا يمكن لشخص، مهما بلغت قدراته، أن يحكم منفردا. وعموما ستتكشف مع الأيام حقائق كثيرة بعضها مذهل. وغدا سيتكلم الأحياء وستظهر الخفايا وستحتاج ليبيا إلى عشرات السنين، ليس فقط لتتخلص من هذا الإرث الثقيل، بل أيضا لتحكي عنه، وتتحدث الجدات للأحفاد في ليالي الشتاء الطويلة. وسنذهب جميعا وتبقى ليبيا التي أظنها ستكون بعد معمر القذافي في مفترق طريقين لا ثالث لهما: إما أن يتفق الجميع، فور انتهاء هذا اللانظام، على الشروع في بناء ليبيا جديدة مزدهرة ديمقراطية متسامحة مستقرة، وذلك يحتاج إلى مساعدة دولية أعتقد أنها ستكون متوافرة، دون السماح لها بالتحول إلى هيمنة أو استعمار، وإما، لا سمح الله، الذهاب إلى الفوضى والصراع على السلطة والمغانم.