الانشقاقات القبلية وأنماط السلوك الخاطئ تهدد بتقويض الثورة ومنجزاتها

خبير الشؤون الليبية في جامعة كامبردج: كلما طال أمد الصراع ازدادت مرارته

ثوار ليبيون في بلدة الزاوية يحتفلون بسيطرتهم على وسطها أمس (رويترز)
TT

تعاني الثورة المشتعلة منذ 6 شهور ضد العقيد معمر القذافي من اقتتال داخلي، ومن أنماط سلوك قاسية وغير منضبطة من قبل مقاتليها، تظهر بين الحين والآخر وتعمل على تقويضها. لذلك، تظهر على الانتفاضة مؤشرات توحي بانزلاقها من حركة نضال للإطاحة بحاكم استبدادي، إلى صراع أكثر ضبابية بين فرق وقبائل متناحرة.

ومن المؤكد أن التنامي في الخلافات والانقسامات يقوض جهود الإطاحة بالعقيد القذافي، ويأتي مباشرة في أعقاب الاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي من جانب قوى غربية، منها الولايات المتحدة، الأمر الذي يوفر للثوار إمكانية الحصول على مليارات الدولارات من الأصول الليبية المجمدة، وفرصة شراء أسلحة حديثة.

ويمكن لاقتتال داخلي أن يتسبب أيضا في تضاؤل الدعم الموجه للثوار بين أعضاء حلف الناتو، الذي يواجه استحقاقا نهائيا في سبتمبر (أيلول) المقبل، للتجديد لحملته الجوية، في خضم قلق متزايد بشأن تكاليف الحرب والمسار الذي تسلكه. وقد شكل هذا الدعم الجوي عاملا في تحقيق جميع الأهداف العسكرية الكبرى للثوار، بما في ذلك القتال الذي وقع أول من أمس، حيث دخلت قوات الثوار في تحد مع قوات القذافي بالقرب من 3 مدن حيوية هي: البريقة، وهي ميناء نفطي يقع إلى الشرق، والزاوية، على أطراف طرابلس، وغريان، وهي ممر مهم إلى جنوب ليبيا. كما وقعت صدامات أيضا على بعد بضعة أميال من نقطة العبور الحدودية الرئيسية إلى داخل تونس، حسبما أفاد سكان لوكالة «رويترز».

وفي الوقت الذي سعى الثوار للإبقاء على صورتهم نظيفة، وتصوير أنفسهم باعتبارهم يقاتلون لبناء نظام ديمقراطي علماني، تخيم الكثير من الأعمال الانتقامية التي اقترفوها مؤخرا بظلال قاتمة عليهم. كما أنهم أثاروا إمكانية أن يتهاوى أي نصر لهم على القذافي في هوة التوترات القبلية التي منيت بها ليبيا لقرون.

خلال الأسابيع الأخيرة، هاجم المقاتلون الثوار في جبال غرب ليبيا وحول مدينة مصراتة الساحلية مدنيين بسبب انتمائهم إلى قبائل داعمة للقذافي، ونهبوا قرى جبلية وحيا مدنيا. وفي داخل العاصمة المؤقتة للثوار، بنغازي، اغتال مقاتلون منشقون قائدهم العسكري الأول، اللواء عبد الفتاح يونس، فيما يبدو أنه انتقام لدوره السابق في منصب المسؤول الأمني الأول المعاون للقذافي.

وفي ردها على ذلك، هددت قبيلة اللواء يونس القوية، بالانتقام من المتورطين في القتل، مما أشعل أزمة داخل المجلس الثوري الحاكم الذي طرد أعضاءه بالجملة الأسبوع الماضي.

وتفاقم قلق الداعمين الغربيين للثوار، حيال الصدع المتزايد بين أنصار جماعة من الثوار التحموا داخل جيش موحد نسبيا، وآخرين ما زالوا يشكلون، فعليا، حزمة من الميليشيات.

على المدى القصير، يمكن أن يخدم الانتقام في تحصين قوة القذافي عبر تأجيج المخاوف من أن يتسبب انتصار الثوار في اندلاع إجراءات انتقامية ضد الكثيرين ممن شاركوا في الآلة السياسية للعقيد وتمتعوا بقيادته. وعلى نطاق أوسع، خيم مزيد من الشكوك على الوضوح الأخلاقي الذي كان سائدا منذ 6 شهور ماضية، عندما كانت قوات القذافي تهاجم بنغازي وكان القذافي يهدد بمحو أي شخص يتجرأ على معارضته هناك.

خلال مقابلة أجريت معه، قال جيفري دي. فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، إن المخاوف المتعلقة بالثوار، ربما تنطوي على مبالغات. واعترف بأن هناك بعض «التقارير المثيرة للقلق» الواردة من بنغازي وجبهات المقاتلين الثوار، لكنه أشاد بالمجلس الوطني الانتقالي الحاكم التابع للثوار، لاتخاذه خطوات سريعة تناولت تلك المخاوف. وأشار إلى أن قيادة الثوار ـ التي تعد في حد ذاتها مزيجا من منشقين حديثا وخصومهم القدامى ـ أمرت بوضع نهاية للانتهاكات التي تقع بحق القبائل الموالية للقذافي في المناطق الجبلية. ووصف حركة التغييرات الكبرى داخل المجلس بأنها ترمي لإقرار مستوى غير مسبوق من الشفافية والمساءلة في ليبيا.

بعد بداية إطلاق مسلحين من عائلة اللواء يونس النار، بدا أن المجلس تمكن من إقناع قبيلته العبيدية بالثقة في التحقيق الذي يجريه الثوار على حد قول فيلتمان. وأوضح فيلتمان قائلا: «لقد كانوا يستطيعون تجنب دائرة العنف، لكن يمكنني أن أرى أداءهم مقبولا بالنظر إلى النقطة التي بدأوا منها. لقد قالوا لنا إننا لن نهرب من القذافي».

لكن لا يزال السؤال حول سيطرة قيادات الثوار على المقاتلين مطروحا، حيث يقول فيلتمان، مشيرا إلى الخطوات الأخيرة التي اتخذها المجلس لكبح جماح جماعات من الثوار المسلحين التي تتشكل عادة في المدن أو الأحياء أو القبائل: «أعتقد أنهم يسألون أنفسهم هذا السؤال». لكن أقر مسؤول في إدارة أوباما، غير مصرح له بالتحدث في هذا الشأن علنا، بوجود بعض الشكوك حيث قال: «أعتقد أن المجلس يناقش كيفية توحيد القيادة».

قبل أسبوعين من إثارة الاغتيال الغامض للواء يونس تلك الأسئلة، اعترفت الولايات المتحدة رسميا بالمجلس الانتقالي الليبي كممثل شرعي لليبيا، ومن المحتمل أن تسمح له بالحصول على أصول نقدية قدرها 3.5 مليار دولار، وباقي الاستثمارات المجمدة لنظام القذافي التي تقدر بـ30 مليون دولار فيما بعد.

يقول مسؤولون أميركيون: إن قادة الثوار تعهدوا باستخدام الأموال بطريقة «شفافة» و«شاملة»، وإن الولايات المتحدة تشجع تخصيصها لمجال الرعاية الصحية والكهرباء والخدمات الأخرى في المناطق التي يسيطر عليها الثوار. لكن يمكن شراء أسلحة بجزء من المال لتسليح قوات الثوار التي يعوزها التدريب والأسلحة.

قبل الثورة كانت ليبيا في وضع مرشح للانفجار اجتماعيا بأوجه عدة. وكانت تفتقر البلد، التي كانت في السابق مستعمرة إيطالية يسيطر عليها قبائل بدوية بدائية، إلى تجربة الوحدة القومية قبل تولي العقيد القذافي السلطة منذ 42 عاما. واعتمد الكثير من الليبيين في تحقيق العدل والأمان على العلاقات القبلية أكثر من القانون المدني.

وساهمت مركزية الدولة التي كان يرأسها العقيد القذافي واقتصاد النفط في تعميق الفوارق، حيث كان يتم مكافأة أو معاقبة الأفراد والقبائل على أساس ولائها للنظام.

اجتاحت الثورة عموم البلاد في البداية، إلى درجة إبعاد قوات الشرطة عن شوارع العاصمة طرابلس. لكن سرعان ما تعهد العقيد القذافي وابنه سيف الإسلام بسحق «الجرذان» (الثوار) التي يحملونها مسؤولية ما يحدث، وتنبأوا، منذ اليوم الأول، بأن الثورة ستضحى «حربا أهلية». واستعادت الكتائب المسلحة بقيادة ابني القذافي، المعتصم وخميس، السيطرة على العاصمة بإطلاق الرصاص الحي على الجموع المسالمة غير المسلحة، بحسب المحكمة الجنائية الدولية، ما يمثل الخطوات الأولى نحو نبوءة آل القذافي عن نشوب حرب أهلية بين الشرق والغرب.

يوجه الكثير من مؤيدي الثوار انتقامهم الآن نحو عشيرة القذافي. وتجمع نحو 500 لاجئ من الثوار المدنيين في معسكر مؤقت، كان في الماضي مكان لإقامة عمال بناء صينيين خارج طرابلس، التي تعد معقل القذافي. وقال عبد الكريم عمر، طالب في كلية طب الأسنان (25 عاما) من قرية قبيلة المشيشية بالقرب من مدينة الثوار في الجبال في الغرب: «إذا كنت تحب القذافي في يفرن، سيقتلونك. الثوار سرقوا أثاثنا وطعامنا وماشيتنا وهدموا منازلنا». وتعهد بأنه سيحمل السلاح هو الآخر لحماية أهله.

كتب ديدريك فاندوال، خبير الشؤون الليبية في جامعة دارتماوث كوليدج في رسالة بالبريد الإلكتروني: «في ظل نظام ديكتاتوري دام لاثنين وأربعين عاما، من الحتمي أن يشارك تقريبا الجميع في (الثورة)، فكيف يمكنك إعالة عائلة دون أن تعمل؟ وتكمن المأساة في الطريق التي ورط بها نظام القذافي الجميع. مما يعرض الجميع تقريبا للعقاب».

ربما تواجه أفراد القبائل الموالية للقذافي مثل قبيلته أو قبيلة المجارحة والقبائل الصغيرة المرتبطة به، خطرا كبيرا يتمثل في «الانتقام القبلي» بحسب ما كتب جورج جوف، خبير الشؤون الليبية في جامعة كامبردج، في رسالة بالبريد الإلكتروني. وجاء في تلك الرسالة أيضا: «كلما طال أمد الصراع، ازدادت مرارته».

* خدمة «نيويورك تايمز»