المعارضة تضيق الخناق على قوات القذافي وتقترب من حصنه

الزعيم الليبي مهدد بالعزل التام عن العالم الخارجي

TT

استيقظ الليبيون في ساعة مبكرة صباح أمس على صوت العقيد معمر القذافي يحثهم على «تحرير ليبيا» من حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومَن وصفهم بالخونة، بينما كانت قوات المعارضة الليبية لنظامه تضيق الخناق على العاصمة طرابلس، بقطع الطرق الرئيسية لإمدادها، بعد التقدم المثير للثوار في بلدة الزاوية ووصول مركزها، أول من أمس، وتوسيع رقعة سيطرتهم على المدينة الساحلية، الواقعة على مسافة 50 كيلومترا غرب طرابلس العاصمة، حيث يمكنهم ذلك من قطع إمدادات الطعام والوقود من تونس إلى معقل القذافي في العاصمة.

وعلى الرغم من أن هذا لا يشكل تهديدا فوريا مباشرا على طرابلس من جانب الثوار، فإن قوات المعارضة باتت في وضع هو الأقوى منذ اندلعت الانتفاضة في فبراير (شباط) الماضي ضد حكم القذافي المستمر منذ 42 عاما، فقدت باتت تسيطر على الساحل شرق وغرب طرابلس.

وقال المحلل شاشانك جوشي، من المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية في لندن، إن «سقوط الزاوية سيكون أكبر تقدم للمعارضة منذ تحرير مصراتة. إنه داعم حقيقي للمعنويات ويوحي بشعور بوجود زخم». وتابع: «إنها ضربة ثلاثية الأبعاد للقذافي، إذ توجد بها (الزاوية) مصفاة النفط الوحيدة العاملة، وربما تسمح للمعارضة بالاستفادة من مبيعات النفط على المدى المتوسط، كما تقع (الزاوية) على طريق إمداد رئيسي، وتغلق طريقا هاما من الحدود التونسية إلى العاصمة»، حسب ما نقلته «رويترز».

لكنّ مقاتلا في صفوف المعارضة قال إن قوات القذافي لا تزال تسيطر على المصفاة على الساحل. وقال مسعفون على مشارف المدينة إن طلقات رصاص القناصة وقذائف المورتر لقوات القذافي قتلت ثلاثة مدنيين. وأصيب رجل في رأسه، وتوفيت فتاة في الخامسة عشرة متأثرة بجروح نتيجة أصابتها بشظايا. وقال وليد، شقيق امرأة أصيبت بشظايا، إن قوات القذافي «جعلت الحياة صعبة للغاية بالنسبة لنا في الأشهر القليلة الماضية. مشطوا المنازل وألقوا القبض على أشخاص، والآن يطلقون الرصاص علينا بشكل عشوائي».

وذكر ليبيون يفرون جنوبا بسياراتهم أنهم سمعوا دوي معارك في منطقة يطلق عليها الحرشة بين طرابلس والزاوية. وقال شخص رفض ذكر اسمه: «سمعت دوي معارك اليوم في طريقنا إلى هنا». وأضاف أن المعارضة اشتبكت مع قوات القذافي داخل طرابلس الليلة الماضية. وتابع: «لا يوجد بنزين أو كهرباء، وأسعار المواد الغذائية ارتفعت 300 في المائة، ولا يمكن أن نعيش على هذا النحو».

وجاء أحدث توجيه من القذافي لأنصاره في كلمة وجّهها في ساعة مبكرة من صباح أمس، عبر خط هاتف رديء، وبث التلفزيون الصوت فقط. وهذه أول مرة يتحدث فيها القذافي منذ أن شن مقاتلو المعارضة أكبر هجوم لهم منذ أشهر.

في كلمته قال القذافي إن الشعب الليبي سيبقى، وستبقى ثورة الفاتح التي أتت به إلى السلطة في سبتمبر (أيلول) 1969. وتوقع القذافي نهاية سريعة «للجرذان» و«للاستعمار» في إشارة إلى المتمردين وقوات الأطلسي، في رسالة صوتية بثها التلفزيون الليبي ونشرت وكالة الجماهيرية للأنباء أجزاء منها.

وقال القذافي في ما وصفته القناة الليبية بأنه بث مباشر إن «نهاية الاستعمار قريبة، ونهاية الجرذان قريبة، يفرون من دار إلى دار أمام الجماهير التي تطاردهم».

ودعا العقيد الليبي أنصاره إلى المقاومة «من أجل تحرير ليبيا شبر شبر من الخونة ومن حلف الأطلسي إذا نزل إلى الأرض. استعدوا للقتال، استعدوا للزحف المليوني لتطهير الأرض الطيبة». وحث الليبيين على السير إلى الأمام، والتحدي، وحمل السلاح، والذهاب للقتال من أجل تحرير ليبيا «شبر شبر من الخونة وحلف الأطلسي»، وطلب القذافي من الشعب الليبي الاستعداد للقتال، وقال إن دم الشهداء وقود ساحة القتال.

وجاءت كلمة القذافي بعد يوم حافل في شمال غربي ليبيا، أكد خلاله الثوار الليبيون أنهم باتوا يسيطرون على «القسم الأكبر» من مدينة الزاوية الواقعة على بعد 40 كلم فقط عن طرابلس، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.

وقال القائد الميداني للثوار عبد الحميد إسماعيل للوكالة الفرنسية: «في الإجمال، إن القسم الأكبر من المدينة (بات) تحت سيطرة المقاتلين الثوار». وأضاف إسماعيل أن المعارك للسيطرة على المدينة استمرت طوال ليل الأحد/الاثنين، وقتل خلالها خمسة من الثوار الذين تمكنوا من دفع قوات القذافي إلى الأطراف الشرقية من المدنية. وقد توقف القتال بحلول صباح أمس، وإن ظلت تسمع أصوات طلقات نارية وبعض القصف المتقطع.

وكان الثوار الليبيون أعلنوا في وقت سابق أمس عن سيطرتهم على مدينتي غريان وصرمان الواقعتين على التوالي على بُعد 50 كلم جنوب طرابلس و60 كلم غربها، متقدمين بذلك إلى العاصمة حيث يتحصن العقيد معمر القذافي وأتباعه.

واعترف المتحدث الحكومي بدخول المتمردين غريان في جبل نفوسة «لنشر الرعب.. ولكن ليس من داعٍ للقلق»، حيث قال إن القوات الحكومية ستستعيد البلدة «خلال الساعات القليلة المقبلة».

ومن جانبه قال عبد السلام عثمان المتحدث بلسان المجلس العسكري الغربي للمعارضة المسلحة، أمس، إن غريان وصرمان في أيدي قوات المعارضة، إضافة إلى الطريق الممتد على مسافة 15 كيلومترا بين صرمان والزاوية. وأضاف أن «كل بوابات الدخول (لصرمان وغريان) تحت سيطرتنا»، ولكنه أقر بوجود «عدد غير معروف» من قناصة القذافي في بعض المناطق السكنية.

وحسبما قال عثمان لوكالة الصحافة الفرنسية في الزاوية، فقد بدأ التقدم نحو صرمان فجر الأحد، وبعد أكثر من عشر ساعات من المعارك الكثيفة تمكنت قوات المعارضة المسلحة من دحر قوات القذافي. وخلال القتال تم أسر أكثر من 40 مقاتلا بعضهم من المرتزقة من بلدان أفريقية. وتابع: «كل الطرق والمنافذ إلى المدينة تحت سيطرتنا» ما عدا حي يقع غرب البلدة.

إلا أن موسى إبراهيم، المتحدث باسم الحكومة الليبية، قلل من أهمية هذه التطورات، وقال إن قوات النظام الليبي قادرة على استعادة المدن والمناطق التي سيطر عليها الثوار.

أما على جبهة البريقة شرق ليبيا فأفاد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية أن الثوار الليبيين باتوا منذ أمس يسيطرون على كامل القسم الشرقي من المدينة، إلا أن معارك لا تزال تدور مع قوات القذافي في قسمها الغربي.

وتقع البريقة في خليج سرت على بعد نحو 240 كلم جنوب غربي بنغازي، معقل المعارضة الليبية، وهي مدينة نفطية استراتيجية كانت مسرحا في السابق لعمليات كر وفر بين الطرفين.

وتنقسم المناطق السكنية في البريقة إلى ثلاثة أحياء، وهي تقع شرق المدينة، وتتألف من منازل كان يقيم فيها العاملون في القطاع النفطي، إلا أنها اليوم باتت مدينة أشباح، تتوزع في شوارعها سيارات متفحمة وصناديق ذخائر فارغة. وتجوب شوارع البريقة سيارات تابعة لقوات المعارضة، متوجهة أو عائدة من الجبهة في الأحياء الغربية لهذه المدينة الممتدة على مسافة طويلة.

وكانت تسمع بوضوح أصداء قصف مدفعي في القسم الغربي من المدينة، كما شوهدت سحب من الدخان، أوضح أحد المقاتلين أنها ناتجة عن احتراق خزانات نفط. وقال الثوار إن قوات القذافي زرعت شواطئ المدينة بالألغام خوفا من دخول الثوار إليها عن طريق البحر.

من جانبها رحبت بريطانيا أمس بالمكاسب العسكرية التي حققها الثوار الليبيون في جبهات القتال، وأكدت على أهمية مواصلة الضغوط على الزعيم الليبي معمر القذافي مهما طال الوقت اللازم للإطاحة بسلطته. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قوله: «لقد رأينا بعض التقدم خلال اليومين الماضيين. وبالطبع فإننا نرحب بذلك». وأضاف: «نحن نقول منذ فترة إننا نعتقد أن العملية التي يقوم بها حلف الأطلسي تثبت نجاحها في القضاء على قدرات القذافي في شن حرب ضد شعبه». وتابع: «سنواصل ممارسة الضغط وسنكون صبورين وثابتين في ذلك حتى يتوقف القذافي عن ممارسة الوحشية ضد شعبه».

وتتزعم بريطانيا وفرنسا حملة القصف الجوي التي يشنها حلف الأطلسي ضد نظام القذافي منذ مارس (آذار) الماضي، بعد موافقة مجلس الأمن الدولي على التدخل عسكريا لحماية المدنيين.