البلدات الحدودية اللبنانية تتفاعل مع الداخل السوري على وقع ما يرويه النازحون

مئات العائلات السورية تهجر بيوتها ليلا هربا من «القتل أو الاعتقال»

TT

تتفاعل القرى والبلدات الشمالية اللبنانية الواقعة على تخوم الحدود السورية، إلى حد كبير مع ما يحصل في الداخل السوري، لا سيما في القرى السورية القريبة والمحاذية لها، في ظل ما ينقله النازحون من روايات ومشاهدات تتحدث عن أعمال قتل وانتهاكات تبقى بعيدة عن عيون الإعلام وحتى عن كاميرات الهواتف الجوالة.

وتتهيأ المناطق اللبنانية الحدودية ليليا لاستقبال مئات النازحين واستضافتهم على موائد الإفطار والسحور وتأمين المنامة لهم. باعتبار أن معظم السوريين يتركون منازلهم قبل غروب الشمس، وينتقلون إلى البلدات اللبنانية هربا من المداهمات التي تنفذ على بيوتهم كل ليلة تقريبا، بحثا عمن يسميهم الأمن السوري مسلحين ومطلوبين، ثم يعودون مطلع النهار إلى بيوتهم. وتحدثت مصادر ميدانية في الجانب اللبناني لـ«الشرق الأوسط»، عن «نزوح ما يزيد على مائة عائلة يوميا وبشكل مؤقت من القصير وهيت والبويت والسماقيات وغيرها من البلدات السورية، إلى بلدات أكروم والنصوب وحلواص والمونسة وحنيدر والكنيسة ووادي خالد اللبنانية، غروب كل يوم بسبب الحصار الذي يفرض بشكل شبه يومي من الساعة الثامنة مساء إلى ما بعد صلاة الفجر، مع ما يتخلل ذلك من مداهمات وتفتيش للمنازل واعتقال من يعثر عليه من الشباب والرجال ممن هم دون الخمسين سنة». ولفتت المصادر إلى «وصول جريح منتصف ليل أول من أمس إلى لبنان، قادما من سوريا بعد أن أصيب أثناء مطاردته من قبل عناصر أمن في بساتين بلدة القصير، وقد أدخل هذا المصاب إلى مستشفى رحال في عكار للمعالجة».

وأشارت المصادر الميدانية إلى أن «القرى اللبنانية تتحضر لتنظيم تظاهرات بشكل يومي بعد صلاة التراويح، مع بدء العشر الأواخر من شهر رمضان وبمشاركة كثيفة من المصلين، وربما يشارك فيها مئات السوريين النازحين، تضامنا مع الشعب السوري المحاصر ورفضا لما يتعرض له من قتل وانتهاكات».

والتقت «الشرق الأوسط» بعض النازحين السوريين إلى لبنان، لكن السواد الأعظم منهم يرفض الإدلاء بتصاريح أو الظهور في الإعلام، خوفا مما سموه «الانتقام»، لكن البعض تجرأ على التفوه ببعض الكلمات من دون التقاط صورة له، فيؤكد علي خلف أحد أبناء بلدة هيت السورية الواقعة على حدود بلدة أكروم اللبنانية، أن بلدته هيت، وبلدتي البويت والسماقيات «تتحول إلى شبه مقفرة كل ليلة، بحيث يهجرها أهلها قاصدين بلدات أكروم، النصوب، حلواص، ووادي خالد اللبنانية، تجنبا لوقوع ضحايا جراء المداهمات شبه اليومية للقوات السورية». ويقول خلف لـ«الشرق الأوسط» «إن أبناء هذه البلدات باتوا شبه مهجرين من بيوتهم في شهر الصوم، ومحرومين من تناول طعام الإفطار والسحور على موائدهم، باعتبار أن غالبية المداهمات شبه اليومية تبدأ مع حلول الظلام وغالبا ما تستمر حتى صباح اليوم التالي».

ويقول محمد الجاسم، أحد أبرز وجهاء هيت أيضا وهو أحد النازحين إلى بلدة النصوب، لـ«الشرق الأوسط» «نحن نعيش أصعب مرحلة في حياتنا، لكن ليس لنا إلا الصبر، لا نملك إلا الدعاء إلى الله بهذا الشهر الكريم، أن يخلصنا من كل طاغية ومجرم». ويثني الجاسم على «احتضان أهلنا اللبنانيين لنا ومواساتنا في هذه المحنة». ويشير إلى «أننا نخلي بيوتنا في الليل لنجنب شبابنا وأبناءنا القتل أو الاعتقال على يد الأمن السوري وشبيحته، ظلما وبتهم ليس لهم فيها شيء، ونحن نترقب ما ستصير إليه الأمور، لكن لن نتركهم يستبيحون بيوتنا وأرزاقنا إلى ما لا نهاية، وبالنتيجة سنعود إليها قريبا ونحميها حتى لو كلفنا ذلك دما، نحن لسنا أفضل ممن يقتلون يوميا في الداخل السوري بالعشرات من أجل كرامتهم».

ويوضح مشهور اليوسف من بلدة البويت، وهو أحد النازحين إلى أكروم، أن «حياتنا تحولت إلى كابوس ننام ونصحو على أخبار القتل الذي يقع في بلدات قريبة منا سواء في حمص ومحيطها، أم في القصير»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الناس تخاف على حياتها وأبنائها، وكل يوم تأتينا الأخبار عن حملة ستتعرض لها بلدتنا، مما يدفعنا إلى النزوح إلى داخل الأراضي اللبنانية هربا من الموت».