مصادر فرنسية وأوروبية: فرض عقوبات على قطاع النفط السوري لا يلقى إجماعا أوروبيا

«شل» و«توتال» من أكبر الشركات العاملة في سوريا والبديلة عنهما صينية وروسية

مشروع مجمع سوري لإنتاج الغاز الطبيعي بالقرب من حمص (رويترز)
TT

يتهيأ مجلس الأمن الدولي لعقد اجتماع جديد بعد غد (الخميس) مخصص للوضع في سوريا ينتظر أن تسبقه الدول الغربية بطرح مشروع قرار جديد يدين القمع ويدعو السلطات لوقفه «فورا» ويطلب تمكين مجلس حقوق الإنسان من إرسال بعثة تقصي حقائق وربما يذهب إلى حد المطالبة بفرض عقوبات دولية اقتصادية على سوريا.

غير أن مصادر دبلوماسية متطابقة فرنسية وأوروبية في باريس تستبعد أن يتمكن المجلس من استصدار قرار جديد وحتى من غير عقوبات وذلك بالنظر لاستمرار المعارضة الروسية والصينية وتردد الدول الناشئة الأعضاء في مجلس الأمن وهي البرازيل والهند وجنوب أفريقيا.

وكان اجتماع مغلق مشابه جرى في 10 الحالي قد بين مجددا الانقسام الحاد بين مجموعة الدول الست (الدول الخمس المذكورة ولبنان) الرافضة ومجوعة التسع (الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والبرتغال، وكولومبيا، والبوسنة، ونيجيريا والغابون) الدافعة باتجاه قرار متشدد. وبحسب مصادر متابعة، فإن المجموعة الأولى «لم تغير رأيها»، رغم بيان الإدانة الذي قبلته في الثالث من الشهر الحالي عقب دخول القوات السورية إلى مدينة حماه.

ولأن الوضع في مجلس الأمن يراوح مكانه، فإن الدعوات لفرض عقوبات اقتصادية وتجارية تتناول القطاع النفطي والغازي والمبادلات التجارية والتعامل مع المصارف السورية تتزايد من على جانبي الأطلسي. وفيما تدعو واشنطن، بلسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، إلى فرض حظر على قطاع النفط السوري، فإن دول الاتحاد الأوروبي، التي فرضت ثلاث سلال من العقوبات على شخصيات الصف الأول السوري وعلى عدد محدود من الشركات التي تعتبرها داعمة للنظام، ما زالت مترددة في تبني عقوبات نفطية وغازية ووقف التعامل التجاري مع سوريا، رغم الدعوة الأميركية. وسبق لمسؤولين في المفوضية الأوروبية أن أعلنوا أن الفكرة «مطروحة» ولكن ليس هناك «إجماع» حول تبنيها.

وتلعب ألمانيا دورا رياديا في الدعوة إلى عقوبات اقتصادية شاملة، باعتبار أن العقوبات الفردية التي طالت 35 شخصية بينها الرئيس الأسد (تجميد الأموال ومنع الدخول إلى دول الاتحاد) إضافة إلى عدد محدود من الشركات والهيئات «غير كافية». وأعلن الناطق باسم الحكومة الألمانية، يوم الاثنين الماضي، أن «مد العقوبات إلى القطاع الاقتصادي» موضع تفكير عميق «داخل الاتحاد»، فيما دعا روبرت بولنز، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البوندستاغ (مجلس النواب)، إلى وقف شراء النفط السوري وفرض عقوبات تجارية، باعتبارها «السبيل الوحيدة لإفهام (الرئيس) الأسد أنه يتعين عليه وقف العنف وأن يترك السلطة».

غير أن الموقف الألماني لا يلقى إجماعا أوروبيا. وتقول مصادر دبلوماسية في باريس، إن دعوة واشنطن لمقاطعة القطاع النفطي والغازي السوري «سهلة»، باعتبار أن الشركات الأميركية غائبة عنه. أما أوروبيا، فثمة نوعان من الحجج: الأول يقول إنه يتعين «تجفيف» منابع التمويل التي يعتمد عليها النظام، وأحدها النفط، حيث إن 90 في المائة من النفط السوري يذهب إلى دول الاتحاد الأوروبي، إذا كان الغرض حرمان النظام من العائدات النفطية وتطويق قطاعه النفطي والغازي على غرار الإجراءات التي اتخذت بحق إيران بسبب برنامجها النووي. أما الموقف الثاني فلا يقول إنه ليس ضد العقوبات بالمطلق بل يريد «عقوبات محددة» ليس من شأنها إصابة المواطنين ومفاقمة صعوباتهم الحياتية اليومية بل إصابة النظام وأركانه.

والواقع أن بعض الحكومات تأخذ بعين الاعتبار مصالح شركاتها في القطاع النفطي السوري، حيث إن اثنتين من كبريات الشركات النفطية ضالعتان في هذا القطاع. وبحسب أرقام وزارة النفط السورية، فإن إنتاج البلاد من النفط خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي بلغ 70 مليون برميل من النفط الثقيل (الأكثري) والخفيف بمعدل 378250 برميلا في اليوم، ما شكل زيادة طفيفة قياسا بالفترة عينها من العام الماضي. وأنتجت الشركات السورية الوطنية 52 في المائة من النفط، والباقي بالتشارك مع الشركات الأجنبية العاملة في هذا القطاع، وأهمها شركة «شل» البريطانية - الهولندية، وشركة «الفرات للنفط»، وشركة «توتال» الفرنسية، وشركة «دير الزور للنفط». غير أن شركات صينية: «الوطنية» و«سي إن بي سي» و«ساينوبك»، وروسية: «تاتنفط» و«ستروي ترانز الهندسية»، وهندية: «مؤسسة النفط والغاز الهندية» وكندية: «صنكور أنرجي» وبريطانية: «بتروفاك» و«غلف ساندرز بتروليوم» وكرواتية: «إينا»، تعتبر بديلا عنها.

غير أن صادرات سوريا النفطية التي تتولاها شركة «سيترول» تبقى محدودة. وبحسب الأرقام الرسمية، فإن سوريا صدرت في الأشهر الأولى نحو 27.8 مليون برميل، ما يعادل 152 ألف برميل في اليوم، أكثره من النفط الثقيل المستخرج من حقول دير الزور. وتتكفل الشركة المذكورة بشراء مشتقات النفط من البنزين والديزل، وآخر الصفقات التي عقدتها «سيترول» مع شركتين سويسريتين هما «فيتول» و«ترافيغورا» قيمة كل صفقة 30 ألف طن. ورغم أهمية القطاع الغازي السوري، فإن دمشق لا تصدر أي كميات منه بل إنها تستورد الغاز من مصر لحاجات السوق المحلية.

وترى مصادر نفطية في باريس أنه في غياب قرار من مجلس الأمن، فإن فرض حظر أوروبي على النفط السوري «سيربك» النظام السوري. غير أنه لن يكون له تأثير كبير ومباشر، لأن دمشق ستجد بديلا عن زبائن نفطها في أوروبا. فضلا عن ذلك، فإن دمشق تستطيع الاعتماد على الشركات الصينية والروسية والهندية في حال انسحبت الشركات الأوروبية من قطاعها النفطي والغازي. غير أن إجراء من هذا النوع سيحرم دمشق من 3 أمور أساسية؛ أولها التكنولوجيا الغربية التي تتوافر للشركات العالمية العاملة حاليا في سوريا مثل «دوتش - شل» و«توتال»، وثانيها الاستثمارات التي تستطيع هذه الشركات توفيرها من أجل تطوير قطاعي النفط والغاز السوريين، وثالثها جعل الشركات العالمية مترددة في «المغامرة» بالدخول أو البقاء في السوق السورية مخافة فرض حظر دولي وضياع استثماراتها.