أرامل الحرب الأفغانيات يشكلن مجتمعا على تل كابل

العاصمة تعج بالمتسولات اللائي يرتدين البرقع ويستجدين داخل وسائل المواصلات

السيدات الأرامل اكتشفن أن بمقدورهن بناء مستوطنة إذا تحلين بالمهارة (واشنطن بوست)
TT

تبدو تلال هذه المدينة أشبه بالنصب التذكارية لمقاتلي الحروب، حيث تعلوها قلاع منهارة ودبابات صدئة وآثار قديمة ومقابر لملوك، لكن يبقى هناك تل مختلف يعرف باسم تابايي زاناباد - وهو تل بنته النساء.

على امتداد العقد الماضي، اجتمعت أرامل الحرب هنا وبنين لأنفسهن أكواخا من الطمي على منحدر يقع بضاحية شرقية في العاصمة الأفغانية. وقد قدمن في بادئ الأمر لهذه المنطقة نظرا لإمكانية استغلال الأرض مجانا مما تناسب مع فقرهن. ومع أن الشرطة كانت تعتدي بالضرب على الرجال لبنائهم مستوطنة على أراض حكومية، فإن السيدات الأرامل اكتشفن أن بمقدورهن بناء مستوطنة إذا تحلين بالمهارة.

وعليه، قدمت للمنطقة مئات الأرامل، حسبما أفاد مسؤولون بمجال الإغاثة، وربما تفوق أعدادهن الآن 1.000 سيدة يعشن على التل والمناطق المجاورة له. وذابت المنازل الأولى المشتتة في مجتمع مزدحم يتميز بإمدادات خاصة به من المياه وإمدادات كهربائية متفاوتة. ولم تنجح غالبية النسوة في الخروج من براثن الفقر المدقع، ومع ذلك نجحن في الفوز بأمر استثنائي في هذه البلاد التي يهيمن عليها الرجال.

عن ذلك، قالت أنيسة، أرملة متقدمة في السن تعيش على التل منذ ثمانية أعوام: «لم تكن السيدات الأرامل يملكن شيئا عندما قدمن إلى هنا. وبمجرد أن عرفنا بعضنا البعض، تولد شعور بيننا بأننا شقيقات».

خلفت أكثر من ثلاثة عقود من الحروب المستمرة في أفغانستان أعدادا ضخمة من الأرامل. وتقدر الأمم المتحدة أن قرابة نصف أطفال كابل فقدوا أحد والديهم. ومن غير المعروف العدد الإجمالي للأرامل بالبلاد، لكن يعتقد أنه يتراوح بين مئات الآلاف ومليونين.

في بعض الأحيان، تظهر الأرامل بوضوح في المشهد العام - حيث تعج كابل بالمتسولات اللائي يرتدين البرقع ويستجدين داخل وسائل المواصلات. غالبا ما تتوارى الأرامل الأفغانيات عن الأنظار، حيث يأمرهن الأقارب الرجال بالبقاء داخل المنزل.

أما الأرامل اللائي لا يتوافر أمامهن أقارب للجوء إليهن، فلا تبقى سوى بضعة خيارات قلائل. ما يزال من العسير على الأفغانيات المنتميات لخلفيات محافظة دينيا العمل، في الوقت الذي تفتقر الحكومة الأفغانية والمتبرعين الأجانب الداعمين لها إلى شبكة أمان واسعة النطاق للنساء اللائي لا يجدن عائلا.

إلا أنه في تابايي زاناباد، عثرت النساء على ما يحتجنه.

قدمت أنيسة إلى التل بعد سقوط حكومة طالبان عام 2001. وقد قتل زوجها، الذي عمل جنديا، قبل ذلك بسنوات أثناء الحرب الأهلية. وفي ثقافة لا تتيح أي خيارات تقريبا أمام الأرملة الفقيرة التي لا يحيطها سوى قليل من الأقارب، اضطرت أنيسة للتنقل من منزل لآخر لأولئك الذين هجروا منازلهم هربا من القتال، لكنها لم تشعر بارتياح قط. ومع عودة اللاجئين لديارهم خلال الأيام الأولى من حكم إدارة الرئيس حميد كرزاي، قررت الرحيل.

وقالت عن الفترة السابقة لانتقالها إلى تابايي زاناباد: «بمجرد أن تتحول المرأة إلى أرملة، تصبح تصرفات الناس غريبة تجاهها. ويتقولون عليها كثيرا من الكلام السيئ. ويساور نساء أخريات القلق من أن تحاول الأرملة الزواج بأزواجهن. ويتحدثن عنها خلف ظهرها. هذه أفغانستان، مليئة بالعيوب. نشعر بارتياح أكبر في الوجود بجانب أرامل أمثالنا».

عثرت أنيسة على طريقها نحو تابايي زاناباد، عندما كان عدد الكلاب الضارية بالمنطقة يفوق عدد المنازل بها. وبالتعاون مع ابن أخيها الذي قالت عنه: «مسموح لي بالعيش مع ابن أخي»، عملت بالمعول والمجرفة وشرعت في تكسير الأحجار وتسوية جدران من الطمي. وقد تعلمت هذه الأمور تحت ضغط الحاجة.

وتجنبا للشرطة، كانت تبني على ضوء القمر، ثم تلقي دثارا فوق الجدران لإخفائها.

وقالت: «كانت الشرطة تأتي وتهدم الجدران. وبمجرد رحيلهم، نشرع في إعادة البناء. كنت أفضل الموت على ترك هذا المكان».

ورفضت العديد من الأرامل في تابايي زاناباد، واللائي ينتمين في معظمهن إلى الطاجيك، الزواج مجددا. بعد موت زوج فاريبة في حادث على الطريق لمدينة جلال آباد منذ عامين، انتقلت الأرملة الشابة لمنزل على التل تشاركت فيه مع شقيق زوجها وأسرته.

ورغم أنه متزوج وله طفلان، فإنه يطاردها يوميا بمطالبتها بالزواج به. وأضافت فاريبة: «إذا قال إنه ليس بإمكانه الرحيل عن المنزل أو السماح لآخر بالمجيء فيه، سألتزم بذلك. لكنني لن أتزوجه أبدا».

في منطقة مرتفعة من التل، عثرت بيبي أمينة، أرملة أكبر عمرا، على السلام في عملها اليومي. كان زوجها الذي عمل بقالا قد لقي مصرعه في هجوم صاروخي خلال فترة الحرب الأهلية قبل حكم طالبان، بجانب 20 من أفراد أسرتها الطاجيكية. وقد حاولت العمل في مجالات الحياكة وصنع الحلي وبسط الصلاة. والآن، تتولى صنع الآجر من الطمي كي تتمكن أرامل أخريات من بناء منازل لهن.

وقالت: «أريد العمل حقا. مر علينا وقت لم نجد فيه عشاء لثلاثة أو أربعة ليال متواصلة، لكنني لم أخرج للتسول قط. لا أحب التسول مطلقا».

في تابايي زاناباد، هناك اتحاد للأرامل يعقد اجتماعات من وقت لآخر، وتحاول الأرامل التعاون فيما بينهن على نحو غير رسمي. إلا أن التل في النهاية لا يوفر لهن ملاذا كافيا، حيث يتحدث عمال الإغاثة عن امتهان البعض للبغاء ومحاولات متكررة من جانب المدينة لهدم المساكن غير القانونية. أما الحكومة فعرضت مساعدة واهنة، تمثلت في 130 دولارا سنويا لكل أرملة، وبطاقة تموينية للحصول على حصص من أرز وزيت.

عندما قتل زوج ميرو غول، عتيق، في تفجير انتحاري منذ ثلاث سنوات، كانت الأسرة تعيش بالكاد على أجره اليومي. وحاولت ابنتهما، روكسار، 15 عاما، معاونة الأسرة عن طريق غسل السيارات، لكن هذا لم يكن كافيا.

في تابايي زاناباد، عثرت الأسرة على أحد المعارف قبل إسكانهم مقابل القيام بأعمال الطهي والتنظيف.

خارج باب غول، يقف أطفال حفاة يضطلعون بعملهم اليومي المتمثل في بيع أكياس بلاستيكية. ونادرا ما تخرج الأم، 54 عاما، المصابة بداء السكري من المنطقة والسير عبر شوارعها المتعرجة، لكنها مجبرة على الخروج منها من وقت لآخر لزيارة عيادة طبية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»