ناشطون يؤكدون استمرار قصف مخيم الرمل في اللاذقية.. والفصائل الفلسطينية في دمشق تنفي

عباس يجري اتصالات مكثفة لوقف العنف ضد الفلسطينيين.. وعبد ربه يصف العملية بأنها «جريمة ضد الإنسانية»

مظاهرة في حمص بعد صلاة العصر في صورة مأخوذة من موقع «أوغاريت» أمس
TT

وجه سكان حي الرمل الجنوبي نداء استغاثة عبر ناشطين من خلال موقع «فيس بوك» إلى جميع اللجان الإنسانية والحقوقية للتدخل من أجل إخراج نحو مائة جريح محاصرين، حيث لا يوجد أي مواد طبية إسعافية مع نقص حاد في الدم، وقالت مصادر محلية إن قوات الأمن استقدمت سرية مداهمة وبدأت باقتحام المنازل في الرمل الجنوبي وبدأوا من منطقة الغراف، والبيت الذي لا يفتح بابه يتم هدمه.

وفي حي الصليبة الذي شهد انطلاق الاحتجاجات في اللاذقية منذ مارس (آذار) الماضي، نفذ الأهالي إضرابا عاما تضامنا مع حي الرمل الجنوبي. وشهد يوم أمس إطلاق نار كثيف في فترة بعد الظهر، وكان ناشطون أكدوا في وقت سابق مقتل 6 أشخاص على الأقل مساء أول من أمس في اللاذقية بينهم شخص يدعى أحمد صوفي (22 عاما)، وارتفاع عدد القتلى من المدنيين إلى 34 قتيلا، بينهم طفلة تبلغ من العمر عامين. وقالت مصادر محلية إن قوات الجيش السوري فتحت النار صباح يوم أمس على أحياء سكنية عشوائية في حي الرمل الجنوبي، حيث يقع المخيم الفلسطيني وحي مسبح الشعب. وقال ناشطون إن امرأة فلسطينية قتلت يوم أمس في حي الرمل الجنوبي برصاص الأمن السوري. وقال أحد السكان الذين يعيشون قرب حيين سنيين في اللاذقية لـ«رويترز» عبر الهاتف: «تقصف نيران كثيفة من البنادق والانفجارات حي الرمل الفلسطيني وحي الشعب هذا الصباح. هدأ الأمر وهناك أصوات قذائف دبابات متقطعة الآن». وذكر اتحاد تنسيقات الثورة السورية، وهو جماعة للنشطاء، أن 6 قتلوا في اللاذقية أمس مما يرفع عدد قتلى المدنيين في المدينة إلى 34، بينهم طفلة تبلغ من العمر عامين. وقال أحد سكان اللاذقية لوكالة الصحافة الفرنسية مساء أول من أمس: «إن النظام يهاجم الأحياء السنية من المدينة، مثل الصليبة والرمل والسكنتوري وبستان السمكة. وتم تسليح سكان إحدى الضواحي العلوية من المدينة». وأضاف أن قوات الأمن فتحت النار على حشد كان يشارك في تشييع جنازة. وقال: «أطلقوا النار في الهواء ثم على أرجل المشاركين في التشييع واعتقلوا عددا من الأشخاص».

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان: «سمعت أصوات رشاشات ثقيلة وإطلاق رصاص كثيف اليوم (أمس الثلاثاء) في أحياء الرمل الجنوبي ومسبح الشعب وعين التمرة» في اللاذقية. وأضاف أن «إطلاق النار استمر من الساعة الخامسة فجرا وحتى الساعة الثامنة والنصف»، مشيرا إلى أنه «لم ترد أي أنباء حتى الآن عن سقوط ضحايا».

وأثار نبأ نزوح آلاف الأسر الفلسطينية من المخيم ردود فعل دولية وعربية مستنكرة، وقال مسؤول فلسطيني، أمس، إن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يجري اتصالات مكثفة لوقف أحداث العنف التي يشهدها مخيم الرمل، بينما وصف ياسر عبد ربه، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الهجوم على المخيم بأنه «جريمة ضد الإنسانية».

وطالبت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) السلطات السورية بالسماح لها بزيارة مخيم الرمل بعد تعرضه للقصف، إلا أن تحالف الفصائل الفلسطينية الـ10 الموجودة في دمشق أصدر بيانا استنكر فيه تصريحات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) التي تتحدث فيها عن قصف مخيم الرمل للاجئين الفلسطينيين في اللاذقية، نافيا ما ورد في تصريحات قيادة الـ«أونروا» بأنه تم قصف المخيم.

وقالت «أونروا» إن أحدث تقرير لها يشير إلى أن مخيم الرمل الذي يعيش فيه 10 آلاف لاجئ فلسطيني مسجل أصبح الآن مهجورا تماما تقريبا. وذكرت الـ«أونروا» أول من أمس أن 4 لاجئين قتلوا وأصيب 17 في أعمال العنف، وقالت إن المعلومات التي تفيد بوجود قصف مكثف من جانب قوات الأمن السورية استخدمت فيه زوارق حربية على مخيم للاجئين الفلسطينيين في الرمل في منطقة اللاذقية أثارت بالغ القلق لدى الـ«أونروا».

وقال كريس جانيس، المتحدث باسم الوكالة في القدس: «مبعث خوفنا هو أنه دون إمكانية الوصول إلى هناك فإن العدد قد يكون أكبر لكننا لا نعرف ببساطة». وأضاف: «من الواضح أنه (المخيم) كان مسرحا لعملية أمنية أو عسكرية. ما زلنا قلقين للغاية. الـ(أونروا) بحاجة إلى أن تصل إلى هناك. نحن بحاجة إلى وصول عاجل للعاملين في المجال الإنساني إلى هناك». وقال: «تزداد الأمور قتامة وبعثا على القلق في كل دقيقة. لقد أصبح أناس منسيون أناسا مختفين الآن».

إلا أن الفصائل الفلسطينية في دمشق، نفت في بيانها قصف المخيم، واستنكرت تصريحات قيادة الـ«أونروا» حول ذلك، ودعت إلى «عدم زج الفلسطينيين في الأحداث الجارية في سوريا وعدم توظيف واستثمار ذلك لمصلحة جهات معادية». وأكدت حرص الشعب الفلسطيني وكل هيئاته ومؤسساته على «الأمن والاستقرار في سوريا»، وأعربت الفصائل عن أملها في «الخروج من هذه المحنة بأسرع وقت ممكن».

وفي السياق نفسه، دعا مدير الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب، علي مصطفى، المفوض العام لوكالة الـ«أونروا»، فيليبو غراندي، إلى تصحيح ما ورد في بيان الناطق الرسمي لـ«أونروا»، كريس غانيس، وقال مصطفى في رسالة وجهها لغراندي: «نود إحاطتكم بأن ما ورد في تصريح الناطق الرسمي لـ(أونروا)، كريس غانيس، غير صحيح ولا صحة لهذا الخبر على الإطلاق، والأمر الذي تتم معالجته وتصويبه من قبل السلطات المختصة السورية يقع في المنطقة المجاورة للمخيم»، موضحا أن «الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب مستعدة لتوضيح أي موضوع يتعلق باللاجئين الفلسطينيين ومخيماتهم في سوريا».

أما في الرواية الرسمية، فقد نقل موقع وكالة الأنباء السورية الرسمية عن مصدر سوري مسؤول في اللاذقية أن «قوات حفظ النظام مستمرة في إزالة الحواجز والمتاريس التي أقامتها المجموعات الإرهابية المسلحة على مفارق الطرق والأزقة في حي الرمل الجنوبي في المدينة». وأضاف المصدر في تصريح لوكالة الأنباء السورية (سانا) أن «هذه القوات اعتقلت عددا من المسلحين وفككت عبوات ناسفة وألغاما زرعتها تلك المجموعات الإرهابية المسلحة في شوارع الحي»، وأن «بعض المسلحين هربوا من الحي المذكور إلى بعض الأحياء المجاورة وأطلقوا النار وفجروا أصابع ديناميت، مما أدى إلى وقوع عدد من الإصابات وترهيب المواطنين في تلك الأحياء». وأوضح المصدر أن «قوات حفظ النظام تتعقب حاليا هؤلاء المسلحين في تلك الأحياء من أجل إعادة الهدوء والأمان إليها»، بحسب ما جاء في خبر بثته وكالة الأنباء (سانا).

من جهته، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، في تصريحات إذاعية، أمس، إن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يجري اتصالات حثيثة على مدار الساعة مع مسؤولين عرب ودوليين من أجل توفير الحماية للاجئين الفلسطينيين في مخيم الرمل. وذكر أبو يوسف أن عباس طالب بالتدخل لدى النظام السوري من أجل وقف قصف المخيم وتمكن المنظمات الدولية من الاطلاع على أوضاع سكانه وإعادة اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا منه.

ووصف عبد ربه، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في تصريح لـ«رويترز»، هجوم الأمن على المخيم بأنه «جريمة ضد الإنسانية». وقال عبد ربه: «القصف يجري من خلال البوارج البحرية والدبابات على بيوت من الصفيح وعلى أناس لا مكان لهم يلجأون إليه ولا حتى أي ملجأ يستطيعون الاحتماء به من هذه الأعمال». وأضاف: «هذه جريمة ضد الإنسانية ونحن في الوقت ذاته نشاطر الشعب السوري الأهداف ذاتها.. الرغبة ذاتها في الوصول إلى الكرامة والحرية».

كذلك أدان سليم الزعنون، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، الهجوم المسلح للقوات السورية على مخيم الرمل الفلسطيني، وطالب في بيان صحافي، الهيئات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان وبرلمانات العالم ومجالس الشورى بذل قصارى جهودها لوقف هذا «الاعتداء غير المبرر».

وشدد على أن الفلسطينيين في سوريا «حافظوا على أصول الضيافة ولم يتدخلوا لا من قريب ولا من بعيد في الشؤون الداخلية لسوريا، ولم يصدر عنهم بصفة رسمية أو شعبية ما يشير إلى انحيازهم لطرف دون آخر». وتمنى الزعنون «أن يعم الهدوء والاستقرار ربوع سوريا»، داعيا إلى التصرف بحكمة وروية واحترام خيار الشعب السوري الشقيق. وأكد «ضرورة معالجة الوضع الناجم عن الاعتداء على مخيم الرمل بالسرعة الممكنة قبل أن تتفاقم الأوضاع الأمر الذي لا يتمناه أحد، وبخاصة في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية». وأشار إلى أنه لا يوجد أي اتصالات مع السلطات السورية بشأن هذه التطورات حتى الآن، لكنه لفت إلى وجود جهود كبيرة تبذلها وكالة الغوث الدولية لوقف ما يشهده المخيم من أعمال عنف غير مبررة.

وعلى عكس معظم المدن السورية ذات الأغلبية السنية، فإن اللاذقية بها عدد كبير من العلويين، ومن أسباب هذا أن الأسد ووالده الرئيس الراحل، حافظ الأسد، شجعا العلويين على الانتقال من منطقة الجبال القريبة التي يقطنونها عن طريق عرض أراض بأسعار رخيصة ووظائف في القطاع العام والأجهزة الأمنية عليهم. ولعب ميناء اللاذقية دورا كبيرا في سيطرة أسرة الأسد على الاقتصاد، حيث كان جميل، العم الراحل لبشار، يسيطر فعليا على الميناء. ويتولى جيل جديد من أفراد الأسرة وأصدقائهم السيطرة عليه. وذكرت الوكالة العربية السورية الرسمية للأنباء أن الأسد عين محافظا جديدا لحلب بعدما امتدت احتجاجات تنادي بالديمقراطية إلى عاصمة المحافظة، وهي المركز التجاري الرئيسي في البلاد. وقال ناشط لـ«رويترز»، طلب عدم نشر اسمه: «يلعب نظام الأقلية بالنار. نصل إلى نقطة يفضل فيها الناس في الشارع حمل أي سلاح يمكنهم الحصول عليه والقتال به بدلا من الانتظار حتى يطلق النار عليهم أو يعتقلوا أو يتعرضوا للإهانة». وأضاف: «نرى حربا أهلية في سوريا لكنها من جانب واحد. الأمل هو أن تسقط احتجاجات الشوارع والضغط الدولي النظام قبل أن يقتل المزيد من السوريين ويدفعهم لحمل السلاح».