رئيس اتحاد علماء المسلمين: على الدول الإسلامية تأمين وصول المعونات للصومال ولو بالقوة

الشيخ ابن بيه لـ «الشرق الأوسط» : يجب أن تتغلب لغة العقل والمنطق وأن يتحاور الصوماليون لحل مشكلاتهم

عبد الله بن بيه
TT

دعا الدكتور عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رئيس مركز الترشيد والتجديد، حكومات الدول الإسلامية لاستخدام القوة من أجل إيصال المساعدات إلى المنكوبين بالمجاعة في الصومال، لو صدت تلك المعونات من قبل حركة الشباب المجاهدين، حاضا الأمة على أن تبذل أقصى جهدها لنجدة الصوماليين وتحقيق معنى الجسدية والعضوية التي تختص بها الأمة الإسلامية.

وسرد الدكتور عبد الله بن بيه لـ«الشرق الأوسط» عددا من جهود العلماء المسلمين حول العالم للتعاون مع الحكومة الصومالية من أجل الوصول إلى تسوية مع الفرقاء وذلك لإنقاذ البلاد بوجه عام وخاصة في ظرف المجاعة الحالية.

وأكد الدكتور بن بيه الذي حمل عددا من الحقائب الوزارية في موريتانيا منها العدل والتشريع والمصادر البشرية والتوجه الوطني والشؤون الإسلامية والتعليم ونال مرتبة «نائب الرئيس»، على شرعية الحكومة الصومالية، داعيا أفراد الشعب الصومالي إلى الانضواء تحتها وتجاهل كافة الأحقاد التي مزقت الصومال – حسب تعبيره، داعيا إلى الاختلاف السلمي الذي يعتمد على الحوار سبيلا وحيدا ومثاليا لإيجاد الحلول، وفيما يلي نص الحوار:

* كيف تسجل مشاعر المسلم في وقت يتزامن فيه رمضان المبارك مع واحدة من أكبر المجاعات التي مرت بتاريخ الأمة الإسلامية؟

- الحقيقة أنني لا أستطيع الحديث عن مشاعر كل مسلم بمناسبة كهذه على حدة لأن كل واحد يمكنه أن يعبر عنها بالطريقة التي تناسبه والطريقة التي يجدها.

* أقصد يا دكتور ما يجب أن تكون عليه تلك المشاعر؟

- يجب على المسلم أن يتعاطف مع المؤمنين تحقيقا لمعاني الجسدية والعضوية في الأمة، وهذه المعاني تجعل كل المسلمين على وجه الأرض يشعرون بما يشعر به الصوماليون من الجوع والمرض، وهو الجوع الذي استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، ومن الخيانة فإنها بئست البطانة»، وذلك أن الصوماليين يعيشون اليوم حالة معاكسة تماما لما جاء في قول الله تعالى «أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف».

* ما هو نداؤكم للحكومات الإسلامية وللمنظمات الخيرية ورجال الأعمال حيال ذلك؟

- نذكر الأمة أن الأمر لم يعد يتعلق بحرب بين جهات في تلك البلاد، إنما تجاوز ذلك كثيرا، فآلاف من النساء والأطفال والشيوخ يموتون يوميا، ولماذا؟.. فقط لأنهم لا يجدون المأكل أو المشرب الذي يسد رمقهم، وهذه فرصة ليبرهن المسلم سواء كان مسؤولا أو تاجرا أو رجل أعمال أو فردا على إيمانه، فالنبي صلى الله عيه وسلم يقول «الصدقة برهان» وهي برهان على الإيمان والسخاء والكرم والتضامن، فعليهم بهذا أن يقرضوا الله قرضا حسنا ويحيوا تلك الأنفس المؤمنة ليجدوا ذلك القرض في آخرتهم.

* وهل هذا خاص بالمسلمين من الجوعى؟

- النبي صلى الله عليه وسلم أرسل المساعدات إلى قريش، وهي يوم ذاك على الشرك بل كان لها رصيد في إيذائه وصد دعوته.

* ما هو دور حكومات الدول الإسلامية وما يجب فعله والإقدام عليه؟

- واجب الحكومات يبلغ أقصاه في مثل هذه الأوقات، إذ إن عليها فوق إرسال المساعدات والمعونات الغذائية والطبية تأمينها حتى تصل إلى مستحقيها خاصة في حال الاضطراب الذي يعيشه بلد كالصومال، فهو ليس فقط بلدا إسلاميا وعربيا بل هو في عمقنا وعلى بوابة أمننا على الساحل الغربي من البحر الأحمر، وعلى الحكومات ألا تشارك في قتل الصوماليين بتركهم، لأن القتل كما يأتي بالفعل فإنه أيضا يأتي بالترك.

* لكن وصول هذه المساعدات أمر غير وارد إلا بصعوبة بالغة حسبما أطلعتنا في «الشرق الأوسط» عدد من الهيئات الإغاثية والمنظمات الخيرية، وذلك بسبب حركة الشباب المجاهدين التي تقف في وجهها؟

- هنا يجب على حكومات الدول الكبرى منها أن توصل هذه المساعدات ولو بالقوة، وعبر القوات الأفريقية الموجودة هناك، لأن الوضع لا يحتمل فالشعب يموت موتا بطيئا، وقد يتفاقم الأمر لكارثة تاريخية مع قدوم الأيام، كما أن المتبرعين من دول وأفراد ومنظمات، يريدون التأكد من وصول ما يدفعونه لأفواه الصوماليين لا إلى جهات أخرى فعدم تأكدهم سيمنعهم طبعا من دفع الأموال.

* طالما أن الحديث وصل بنا للشباب المجاهدين، ما الرسالة المناسبة للتوجه إليهم؟

- نحن قلنا ولا نزال نقول لهم «ادخلوا في السلم كافة» و«أصلحوا ذات بينكم» ولا تنجرفوا طويلا وراء الحرب، خاصة أن هذه الحرب اليوم وصلت حد القتل السلبي بمنع المساعدات عن مدنيين أبرياء جوعى، وقد وجهناهم ولا نيأس من هذا التوجيه..

* لكن الصومال لا يزال ينهار؟

- الشدائد اليوم والتي تشمل الجميع يجب أن تجمع الشمل وأن تزيل الأحقاد التي ندعوهم لنسيانها، وأن يفكر الجميع في وضع الصومال الذي يموت موتا بطيئا كما أسلفت.

* البعض قد يلوم العلماء وغياب دورهم فيما يتعلق بالصومال طوال العامين السابقين وأثناء استعار الحرب بين الحكومة والشباب المجاهدين ما ردكم على ذلك؟

- لقد بذلنا بالتعاون مع الجهات الإسلامية والدولية المختلفة جهودا عدة حرضنا فيها الصوماليين على تحريم الدم ورمي السلاح وللانضواء تحت الحكومة التي أقرها أهل الحل والعقد في هذه البلاد العزيزة على العالم الإسلامي.

* لكن الحركة ترى أن الحكومة صنيعة غربية وأنها لن تطبق الشريعة الإسلامية ولديها الكثير من التحفظات على علاقاتها الخارجية ما هو رأيكم؟

- لقد عقد المركز العالمي للتجديد والترشيد مؤتمرا عالميا في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة بحضور رئيس جمهورية الصومال وممثلين عن منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة ومؤتمر العالم الإسلامي وجمع من علماء الأمة ومفكريها، في مارس (آذار) عام 2010 وخصص لتدارس وبحث مشكلة الصومال والسبل الشرعية للخروج منها، وقمنا خلاله بالدعوة إلى هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي أوقف الحرب مع أعدائه من كفار مكة ورضي بشروطهم حقنا للدماء ومراعاة لأواصر القرابة والدم حينها، وقال في الحديبية لما رأى وفد كفار مكة قادمين للتفاوض (والذي نفسي بيده لا تسألني قريش اليوم أمرا فيه بر أو صلة رحم إلا أجبتها إليه)، وتحقيقا لمقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لحفظ الأنفس والأموال وقياما بواجب النصح والتبليغ وبيان الحق، علما بأن هذا كان مع الأعداء من الكفار، فكيف بحكومة مسلمة رضي بها أهل الحل والعقد واعترف بها العالم بما فيه جيرانها.

* كيف يجب أن يتعامل الشعب الصومالي المغلوب على أمره مع ذلك؟

- الواجب على الجميع التوحد تحت لواء هذه الحكومة وجهاد النفس على ذلك حتى لا يقع من خالف في الوعيد الشديد الوارد في هذا الباب وحتى لا يوصف الحاملون للسلاح بعد ذلك بالبغاة شرعا.

* لكن هذا الجهد من قبل العلماء لم يكن كافيا للحفاظ على دولة؟

- الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يعني كل العلماء المسلمين بمختلف مذاهبهم وأفكارهم في العالم أصدر أيضا بيانا موقعا من طرف سماحة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي يدعو فيه إلى الالتفاف حول قيادة شريف، وبيانا آخر لفضيلة الشيخ سلمان العودة رئيس مؤسسة «الإسلام اليوم» وغيرهما، ومهما كانت هذه الجهود فإن بعض الفصائل لم تتخل عن فكرة المغالبة بحد السلاح رغم ما أوضحناه من الحجج والبراهين، وهو ما عقد الأمور، وزاد من حاجة الحكومة إلى المساعدات، فكان تصرف هذا الفصيل مخلا بالأمن ووسيلة إلى تدخل الآخرين الذين استجابوا للطلب من جهة وحرصا على مصالحهم من جهة أخرى.

* من وجهة نظركم كيف يمكننا إثبات شرعية الحكومة الصومالية أمام حركة الشباب المجاهدين؟

- باجتماع البرلمان وبعض الوجهاء والقيادات وانتخابها حكومة برئاسة الرئيس شريف رئيس المحاكم الإسلامية وحصولها على دعم مجموعة من الشعب الصومالي، وعلى اعتراف دولي؛ والذي أصبح في الفقه الحديث يمثل الأساس الثاني للشرعية، فإن الحكومة الصومالية حكومة شرعية لا يجوز قيام فرد ولا جماعة ضدها وهي التي ثبت لها عقد بيعة «انتخاب»، ومن يرفض ذلك فقد عرض نفسه للإدانة الشرعية المندرجة تحت مصطلحات «البغي والحرابة».

* لكن المشكلات والعوالق ما زالت موجودة بعد الانتخاب، فالصومال بلد شديد التعقيد وذو رصيد مثقل بالحروب؟

- هنا يجب أن تتغلب لغة العقل والمنطق فيتحاور أهل الصومال لحل مشكلاتهم أو يختلفوا اختلافا سلميا، أما الاستمرار في حرب عبثية ثم حرب عبثية لا نهاية لها، لا يمكن أن يكون أمرا مرغوبا ولا مقبولا، أما الحوار فقد اعتمده أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وسيلة لمن خرجوا عليه، وما قاتلهم حتى هيجوا، ذلك ما ندعو إليه دائما.

* ماذا عن أبرز المقتضيات الفقهية المتعلقة بمواسم المجاعات والقحط خاصة بالنسبة لشهر رمضان المبارك؟

- أهل الصومال لا يجب عليهم الصوم طبعا في وضعهم هذا بل قد يصل درجة التحريم، وهو يسقط عنهم إذا تسبب في المشقة المتوسطة أو الكبرى إذ إنه اجتمع عليهم مرض وجوع، بل إننا نذهب أبعد من ذلك ونؤكد على أن مساعدة الجائعين والمنكوبين والمرضى في الصومال أوجب من صيام شهر رمضان المبارك بالنسبة للعاملين في الهيئات الذين يشق عليهم الصوم.

* هل ثمة كلمة أخيرة؟

أخيرا نقول للصوماليين إن الشجاعة والقوة لا تتمثل أخلاقيا في الجرأة على الحرب، وخوض غمار الحروب، ولكن الشجاعة تتمثل في القدرة على التوقف عن الحرب والتمسك بالسلام ومراجعة النفس والاعتراف بالحق، وترجيح المصلحة العامة على المصالح الأنانية، وندعو الله أن يهدينا ويهديهم وأن يوفقنا ويوفقهم، وأن يؤلف بين قلوبهم، وأن يحقن دماءهم، ودماء هذه الأمة.