رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون في وضع لا يحسد عليه. اضطر الأسبوع الماضي أن يقطع عطلته السنوية ويعود أدراجه إلى لندن ليطلب عقد جلسة طارئة لمجلس العموم ليناقش حوادث الشغب التي اندلعت في عدد من المدن البريطانية. لكن تطور قضية فضيحة التنصت قد تكون هي الأكثر خطورة على حكومته لأنها تشير بأصابع الاتهام نحوه شخصيا بخصوص علاقته السابقة مع إمبراطورية روبرت مردوخ وصحيفتها «نيوز أوف ذي وورلد» التي أغلقت أبوابها بسبب الفضيحة.
وفي الأمس فجر كلايف غودمان، أحد الأشخاص اللاعبين الأساسيين في الفضيحة ومراسل الشؤون الملكية السابق في الصحيفة والذي سجن عام 2007 لقيامه بالتنصت على أفراد العائلة، قنبلة جديدة من خلال نشره رسالة تبين تفشي ممارسة التنصت ومعرفة الكثير من رؤساء التحرير السابقين والتنفيذيين بها. غودمان الذي كان يشار إليه في الفضيحة بأنه «المراسل المارق» تشير رسالته، التي أصبحت في حوزة اللجنة البرلمانية المخولة بالتحقيق في الموضوع والشرطة، إلى أن قضية التنصت نوقشت بشكل مفتوح في الصحيفة وأن كبار المحررين والتنفيذيين كانوا على علم بأنها مورست على شكل واسع. لكن توقف الكلام حول الموضوع بعد أن أمر آندي كولسون رئيس التحرير السابق في الصحيفة العاملين أن يلتزموا الصمت. كولسون أصبح مديرا في مكتب رئيس الوزراء ديفيد بعد استقالته من الصحيفة، رغم التحذيرات بأن توظيفه في مقر رئاسة الوزراء مضر لصورة الحكومة بسبب علاقاته السابقة والإشاعات التي تدور حوله، إلا أن رئيس الوزراء نفى عدة مرات بأن كولسون كان ملوثا بالفضيحة.
واضطر كولسون أن يستقيل من منصبه في مقر رئاسة الوزراء بعد اندلاع الفضيحة ثانية في بداية يوليو (تموز) الماضي بعد أن كشفت صحيفة «الغارديان» بأن «نيوز أوف ذي وورلد» تنصتت على الكثير من عامة الناس منهم المراهقة ميلي داولر التي قتلت في ظروف غامضة.
وقال كاميرون أمام البرلمان بأنه مستعد أن يعتذر علانية إذا أدين كولسون لاحقا. وكان قد اعتقل كولسون مع 12 آخرين من كبار المحررين والتنفيذيين منذ أن تكشفت أمور جديدة بخصوص الفضيحة.
كتب غودمان رسالته قبل 4 سنوات على شكل استئناف ضد قرار طرده من الصحيفة. يقول فيها «هذه الممارسة (التنصت) نوقشت بشكل موسع في الاجتماعات التحريرية للصحيفة إلى أن منع آندي كولسون الجميع من التكلم بالموضوع»، مضيفا أن هذه «الممارسة غير القانونية قام بها عدد من العاملين بالصحيفة».
وقال غودمان، الذي سجن عام 2007 بعد إدانته في المحكمة مع المحقق الخاص غلين مالكلير وطرد من عمله، قيل له آنذاك بأنه يمكن مزاولة عمله في الصحيفة إذا التزم السكوت ووافق على عدم توريط الصحيفة في موضوع التنصت.
وقالت اللجنة البرلمانية أمس إنها قد تستدعي جيمس كاميرون رئيس «بي سكاي بي» والرئيس التنفيذي لـ«نيوز إنترناشيونال» الذراع البريطانية لـ«نيوز كوربوريشن» المدرجة على بورصة نيويورك، للمثول أمامها مرة ثانية للإجابة على هذه الادعاءات. وكانت قد صرحت اللجنة الشهر الماضي بأنها قد تستدعي مردوخ بعد أن أصدر رئيس التحرير السابق كولن ميلر ومحامي الصحيفة توم كرون بيانا يقولون فيه إنهما أخبرا جيمس مردوخ بالأسباب وراء دفع تعويض يفوق عشرات المرات ما قد يحصل عليه في المحاكم لإحدى ضحايا التنصت خوفا من فضح الكثير أمام المحكمة. وغوردون تيلار تلقى أكثر من مليون دولار من الصحيفة مقابل سحب القضية من المحكمة.
وخلال ظهوره أمام اللجنة نفى جيمس مردوخ أن يكون على علم بالسبب وراء دفع هذا المبلغ الضخم. كما نفى أن يكون ميلر وكرون قد شرحا له الأسباب وراء هذه التسوية مع تيلار. وبسبب إفادته أمام اللجنة أصدر الاثنان بيانا يتناقض مع ما قاله مردوخ. وطالبت اللجنة منه توضيحا حول هذا الأمر، لكنه أصر في بيان سابق بأنه يقف إلى جانب ما قاله سابقا أمام اللجنة. وقال مردوخ في رده المكتوب للجنة البرلمانية «لم أطلب أي إثباتات من ميلر وكرون».
وفي الأمس لم تنف «نيوز إنترناشيونال» ما جاء في رسالة غودمان. وقالت «نحن على معرفة بخطورة ما تم كشفه للشرطة واللجنة البرلمانية. ونحن ما زلنا ملتزمين بالتعاون بإيجاب مع السلطات المختصة».
وقال عضو البرلمان واللجنة توم واتسون لتلفزيون سكان «إذا ثبت صحة ما جاء في الرسالة، فإن الدفاع الذي قدمته (نيوز إنترناشيونال) قد انهار».
وكانت عمليات التنصت التي قام بها تحريون خاصون طالت 4 آلاف شخص من شخصيات سياسية وأفراد في العائلة المالكة ومشاهير وضحايا اعتداءات السابع من يوليو 2005 في لندن وتلميذة في الـ13 قتلت في 2002.
واستقال اثنان من أبرز أفراد شرطة لندن بسبب إخفاق مزعوم في التحقيقات الأولية في الاتهامات. وسلطت القضية الضوء على العلاقات بين الإعلام والشرطة والسياسيين. واضطر مردوخ إلى التخلي عن عرض للاستحواذ الكامل على قناة «بي سكاي بي» التلفزيونية الفضائية وهي قناة خاصة رائجة لها 10 ملايين مشترك.
وأعلنت الشرطة اعتقال 12 شخصا من كبار المحررين والتنفيذيين في إطار التحقيق حول عملية التنصت التي مارستها صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد». وأدت هذه الفضيحة إلى إغلاق الصحيفة في يوليو واستقالة عدد من المقربين من إمبراطورية مردوخ، منهم ريبيكا بروكس التي أرغمت على الاستقالة من منصب مديرة فرع مجموعة مردوخ في بريطانيا.
وفي أوج الفضيحة أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (إف بي آي) في 14 يوليو أنه بدأ تحقيقات لمعرفة ما إذا كانت وسائل مماثلة طبقت على عائلات ضحايا لاعتداءات 11 سبتمبر (أيلول). لكن أكدت صحيفة «وول ستريت» يوم الجمعة الماضي أن الشرطتين البريطانية والأميركية لم تجدا أي أدلة على عمليات تنصت على الضحايا.
وبسبب الفضيحة ووافقت الحكومة على نشر تفاصيل كل الاجتماعات الوزارية مع مسؤولين إعلاميين بارزين. وتعرض كاميرون لانتقادات لاستعانته بآندي كولسون رئيس التحرير السابق لصحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» كمستشار صحافي له. وكشف كاميرون في وقت سابق هذا الشهر أنه التقى مديرين تنفيذيين في «نيوز كورب» 26 مرة منذ توليه المنصب في أواخر مايو (أيار) من العام الماضي.
وشن في الأمس زعيم المعارضة أيد ميليباند هجوما على رئيس الحكومة وقال: إن توظيف كولسون في موقعه السابق كمستشار إعلامي لرئيس الوزراء كان «كارثة».
وقال جيمس روبنسون من «الغارديان»، الصحيفة التي فضحت القصة من خلال سلسلة من التحقيقات حول الموضوع، إن الرسالة تشكل دليلا مهما فاصلا للجنة البرلمانية، وإذا تبين أنها صحيحة فإنها تبين أن هناك محاولات مورست على شكل واسع لإخفاء الأدلة.
وعلق جوناثان تونغ أستاذ العلوم السياسية في جامعة ليفربول قائلا في تصريحات لـ«سكاي نيوز» إن كاميرون ألقى خطبة قبل يوم يقول فيها إنه يحاول إصلاح «المجتمع البريطاني المكسور» بعد اندلاع أحداث الشغب... «لكنه وظف شخصا كان مسؤولا عن صحيفة قامت بممارسات غير أخلاقية وهذا يبين التناقض الذي وقع فيه رئيس الوزراء».