إحالة أسماء محفوظ إلى المحكمة العسكرية تفجر جبل الجليد بين الجيش والشارع المصري

منظمات دولية وقوى محلية طالبت بإسقاط التهم المنسوبة إليها فورا

أسماء محفوظ
TT

رفع قرار القضاء العسكري الخاص بإحالة الناشطة أسماء محفوظ، أمس، إلى المحكمة العسكرية بتهمة إهانة القوات المسلحة من حدة الجدل الدائر بالشارع المصري حول مدى مشروعية مساءلة المدنيين والتحقيق معهم ومقاضاتهم أمام القضاء العسكري على وجه العموم، وفي قضايا الرأي على وجه الخصوص. وبينما دافع البعض عن قرارات الإحالة إلى القضاء العسكري بحجة صون هيبة المؤسسة العسكرية، إلا أن أغلب المصريين رفضوا مثل هذا التوجه، خاصة بعد ثورة «25 يناير».

وأفاد مصدر مسؤول في النيابة العسكرية، أمس، بحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، بأن «القضاء العسكري قرر إحالة المذكورة (أسماء محفوظ) إلى المحكمة العسكرية، وأنه سيتم إخطارها بموعد محاكمتها في القضية رقم 36 لسنة 2011»، مشيرا إلى أن النيابة كانت قد قررت الإفراج عنها بكفالة قدرها 20 ألف جنيه، وذلك بالقضية المتهمة فيها بالإساءة إلى المجلس العسكري وتوجيه السباب إليه، بالإضافة إلى دعوتها للقيام بعمليات مسلحة واغتيالات ضد المجلس العسكري والقضاء.. إلا أن أسماء نفت تسلمها، حتى عصر أمس، إعلان إحالتها إلى المحاكمة العسكرية.

ونفت أسماء أن تكون قد دعت إلى العنف في تدوينتها على موقع «تويتر»، التي جاء بها: «لو أن القضاء لم يحصل على حقنا، محدش يزعل لو طلعت جماعات مسلحة بعمل سلسلة اغتيالات، طالما مفيش قانون، ومفيش قضاء، محدش يزعل من حاجة».. مشيرة إلى أن من يقرأ ما كتبت فسيفهم بالتأكيد أنها تحذر من الفوضى ولا تدعو إلى العنف.

وهو المفهوم نفسه الذي أكدته منظمة العفو الدولية، التي طالبت السلطات المصرية بإسقاط التهم فورا عن المدونة والناشطة أسماء محفوظ، وقالت المنظمة في بيان لها: «إن أسماء تحاكم عسكريا فقط لأنها انتقدت نظام العدالة الذي يعمل به الجيش المصري في تعليقات إلكترونية، ولم يبدُ أنها كانت تحرض على العنف أو تمثله».

وقال مالكوم سمارت، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة: إن قرار السلطات المصرية بإحالة محفوظ إلى المحاكمة العسكرية يمثل «رسالة تحذير مفادها أن انتقاد السلطات لن يتم التسامح معه»، مشددا على ضرورة إسقاط جميع التهم عنها فورا.

ويرى الدكتور بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان، أن تقديم أسماء للمحاكمة هو قمة جبل جليد، ويبشر بمزيد من الإجراءات المشابهة، منوها بأن «أسماء محفوظ لها شخصيتها الاعتبارية كقيادية من شباب الثورة، مما يجعل قضيتها مختلفة عن آلاف الحالات المشابهة التي أحيلت إلى المحاكم العسكرية».

وقال حسن لـ«الشرق الأوسط»: إن تلك الإحالة تتفق مع ما تواجهه بعض الجماعات التي لعبت دورا في الثورة مثل «6 أبريل» و«كفاية»، وهو ما يشي بوجود اتجاه لتشويه هذه الكتل الثورية وقياداتها.

وسبق أسماء الكثير من المصريين إلى طريق العرض على المحاكم والنيابات العسكرية، إلا أن قضيتها استحوذت على مساحة أكبر من رد الفعل في الشارع المصري كونها فتاة، إلى جانب دورها إبان الثورة المصرية، فهي تعتبر قريبة من قلوب المصريين.

واستُدعي للتحقيق من قبلُ أمام النيابة العسكرية كل من: الإعلامية ريم ماجد، والإعلامية بثينة كامل (المرشحة المحتملة للرئاسة)، والإعلامي محمد شرف، والصحافية رشا عزب، والناشط لؤي نجاتي، ومؤخرا المحامية والحقوقية مها أبو بكر (عضو حركة كفاية)، إضافة إلى آلاف آخرين من المصريين غير المشهورين ممن تم توقيفهم وتوجيه اتهامات متباينة لهم، سواء على خلفية اشتراكهم في التظاهر أو الهتاف ضد المجلس العسكري أو الإساءة بأي صورة للجيش.

وعلى الرغم من محاولة بعض المراقبين السياسيين الدفاع عن مسلك الجيش في إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري، محللين ذلك بحفاظ المؤسسة العسكرية على هيبتها، فإن ردود الفعل الغاضبة على تلك الإجراءات توالت من جميع الجهات. كان أحد أسرع ردود الفعل وأكثرها حدة هو ما أعلنه الحقوقي الدكتور حازم صلاح أبو إسماعيل، الداعية الإسلامي الشهير، المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية. وقال أبو إسماعيل، في بيان له أمس: «لقد هالني ما طالعته من أنباء ما جرى للناشطة الأستاذة أسماء محفوظ من شأن إحالتها للنيابة العسكرية والقضاء العسكري والمحاكمة العسكرية». وأكد أبو إسماعيل أنه يختصم الجيش، قائلا: «ما دام المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يزال مستخفا بنداءات العدالة ولا يزال يحيل المدنيين والقضايا السياسية للقضاء العسكري، فأنا خصم له وهو خصم لي حتى يرتدع عن هذه الإحالة ويعيد الناس إلى قاضيهم الطبيعي، خاصة وهو يحمي أفراد نظام مبارك وغيرهم لهذه الإحالة».

وتصدر موقع «تويتر» المشهد مجددا؛ حيث أعاد آلاف الأعضاء من المتعاطفين مع أسماء محفوظ بث تدوينتها على صفحاتهم الشخصية، على الرغم من كون كثير منهم من المخالفين والمختلفين فكريا معها في مرحلة ما بعد الثورة، في تأكيد لوحدة الموقف المصري حيال المحاكمات العسكرية للمدنيين.

وبينما دعا الناشط وائل خليل إلى التروي في التعامل مع الموقف، قائلا: «المجلس العسكري قدم تنازلات، وبدأ في اصطيادنا واحدا تلو الآخر.. لا بد من الرد بهدوء والشرح وكسب الناس مرة أخرى»، أكد الناشط أحمد الشافعي ضرورة التصعيد، بقوله: «لا بد من مليونية لمنع محاكمة المدنيين عسكريا وتحويل من سبق الحكم عليهم للقضاء المدني».

بدوره، علق الدكتور محمد البرادعي، المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، على الموضوع قائلا على موقع «تويتر»: «إن الطريق إلى الديمقراطية يتآكل: محاكمات عسكرية، تقاعس عن حماية التظاهر السلمي، رفض الرقابة الدولية للانتخابات، عدم حسم حق المغتربين في التصويت». و«إلى المجلس العسكري بعد 6 أشهر من الثورة: مطلوب فورا قيادة برؤية واضحة، وخطة محددة وشفافة، وتغيير حقيقي في الفكر والأشخاص قبل فوات الأوان».