مخاوف من «جنون» يدفع القذافي لاستخدام أسلحة كيماوية

طرابلس «المحاصرة» هادئة وتحتفل.. والعقيد «اليائس» يستخدم صاروخ سكود

مقاتل ليبي يرفع شارة النصر عند إحدى بوابات البريقة محتفلا ورفاقه بدخول المدينة (أ.ب)
TT

قد لا يمثل إطلاق صارخ سكود، سوفياتي الصنع، مما تبقى في مخازن الأسلحة لدى نظام العقيد معمر القذافي، تهديدا كبيرا لقوات المعارضة التي باتت تقطع خطوط الإمداد على ما تبقى من النظام الليبي، بعد سيطرتها على 3 مدن وبلدات استراتيجية خلال اليومين الماضيين؛ نظرا لعدم دقته، لكن سكود قد يشكل تحولا لا يخلو من دلالة على ما انتهى إليه حال نظام العقيد ووضع قواته ميدانيا بعد الخسائر المتتالية التي منيت بها في مدن وبلدان الزاوية وصرمان وصبراتة، وفقدانها غريان، وهزيمتها في القسم الأكبر من البريقة النفطية الاستراتيجية.

ونقلت «رويترز» عن مسؤول دفاعي أميركي قوله: إن قوات القذافي أطلقت صاروخ سكود للمرة الأولى منذ بدء الصراع في ليبيا، بعدما عزل تقدم المعارضين صوب طرابلس القذافي في العاصمة.

وقال صحافي من «رويترز»، يعمل في منطقة قريبة من مدينة الزاوية، غرب طرابلس، إنه سمع، أمس، أصوات 4 صواريخ غراد روسية الصنع تسقط في البلدة.

وذكر المسؤول الأميركي، الذي لم يذكر اسمه، لـ«رويترز»، أن صاروخ سكود أطلق صباح الأحد الماضي، من موقع على بعد نحو 80 كيلومترا شرق مدينة سرت مسقط رأس القذافي، وأنه سقط شرق مدينة البريقة الساحلية النفطية التي لا يزال المعارضون يقاتلون للسيطرة عليها.وأضاف المسؤول: إن الصاروخ سقط في الصحراء ولم يصب أحدا. ولم تعلق حكومة طرابلس على الأمر.

بينما فسر شاشانك جوشي، الزميل المساعد في المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة، لجوء نظام العقيد إلى إطلاق هذا النوع من الصواريخ بأنه دليل يأس دب في النظام. وقال: «إنه إشارة واضحة إلى أن النظام (في طرابلس، بات) في وضع صعب للغاية»، فهو، على الرغم من استخدامه صواريخ غراد قصيرة المدى، منذ بدء القتال قبل 6 أشهر، لم ينشر سكود، التي يقدر مداها بنحو 300 كيلومتر، من قبل.

بينما قال مسؤولون في المجلس الانتقالي في بنغازي: إن إطلاق صاروخ سكود هو إشارة إلى أن القذافي سيفعل أي شيء لحماية سلطته.

وقال محمد الزواوي، مسؤول الإعلام في قوات المعارضة: إن قوات القذافي تستخدم سلاحها الأخير. ولم يتردد في اعتبار العقيد «مجنونا»، والخوف من أن يدفعه ذلك إلى استخدام أسلحة كيماوية. ولهذا يحاول المعارضون إنهاء الصراع بأقل عدد من الخسائر البشرية.

واعتبر حلف شمال الأطلسي (الناتو) قيام القوات التابعة للعقيد الليبي معمر القذافي بإطلاق صاروخ سكود محاولة يائسة من قبل القذافي لإثبات أنه لا يزال قادرا على التحرك عسكريا. فقد أجمع كل من كارمن روميرو، المتحدثة باسم الحلف، والعقيد رولان لافوا، الناطق باسم عملية الناتو في ليبيا، خلال مؤتمر صحافي مشترك، على تأكيد إدانة الناتو لمثل هذا العمل غير المبرر، باعتبار «إطلاق مثل هذه الصواريخ من دون أي توجيه كان يمكن أن يؤدي إلى إلحاق الأذى بالمدنيين، ومن هنا ضرورة استمرار عملية الحلف».

من جهتها، أشارت المتحدثة باسم الحلف إلى أن مهمة الناتو لم تخرج عن إطار التفويض الدولي «أما في مرحلة ما بعد القذافي، فإن الأمم المتحدة ستكون هي الراعي الأساسي (...)، وهنا يمكننا تقديم مساعدات متنوعة لليبيين لو طُلب منا ذلك».

من جانبه، أكد العقيد لافوا، الذي كان يتحدث من نابولي، أن قوات الحلف وضعت أمر استخدام صواريخ سكود من قبل القوات الموالية للقذافي في حسابها، فـ«نحن تخلصنا من معظم ترسانة القذافي العسكرية، وهذا أمر إيجابي». ورحب بالتقدم الذي أحرزته قوات المعارضة في الأيام القليلة الماضية، مشيرا إلى أنها أصبحت الآن تتمركز على مشارف العاصمة طرابلس.

ونفى العقيد لافوا أن تكون قوات الناتو قد قدمت مساعدة لقوات المعارضة الليبية، وقال: «نحن نعمل فقط في إطار القرار الأممي 1973 القاضي بحماية المدنيين وتوفير ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية». ورفض لافوا التكهن بطبيعة الوضع على الأرض، واصفا إياه بالمتغير، نظرا لوجود الكثير من المعارك الدائرة حاليا في مناطق قريبة من طرابلس.

وقال ثوار ليبيون إنهم باتوا يطوقون العاصمة طرابلس، بعد أن استولوا على مدينة غريان، كبرى مدن الجبل الغربي (80 كيلومترا جنوب طرابلس) وتمكنوا من الاستيلاء على معسكر كتيبة سحبان، إحدى كتائب العقيد القذافي التي كانت تهاجم الجبل الغربي منذ اندلاع الثورة في ليبيا، ودخلوا مدينتي صرمان وصبراتة الساحليتين في أعقاب بسط سيطرتهم على مدينة الزاوية الاستراتيجية.

من جهة أخرى، قال الثوار إنهم استولوا، أمس، على مدينة غريان بالكامل، حسب وكالة الأنباء الألمانية. التي ذكرت أيضا أن 26، على الأقل، من الثوار سقطوا خلال اشتباكات مع قوات القذافي، وجُرح 40 آخرون. وأوضحت صحيفة «قورينا الجديدة» أن معظم القتلى قتلوا برصاص قناصة، ومعظم الإصابات كانت في الرأس.

واعترف المتحدث باسم الحكومة الليبية، موسى إبراهيم، أول من أمس، بوجود مقاتلين للمعارضة في غريان. وأقر إبراهيم، في تصريحات بثها التلفزيون الليبي الرسمي، بوجود قوات للمعارضة في المدينة، لكنه أصر على أن السيطرة على المدينة لم تزل لقوات الحكومة.

ونقلت «رويترز» عنه قوله: «ما زال الوجود للعصابات المسلحة داخل المدينة (غريان)، ونحن قادرون على دحرهم»، لكن المعارضة قالت إنها سيطرت على البلدة الواقعة جنوب طرابلس أول من أمس.

نجح المعارضون الليبيون في الاستيلاء على مدينة الزاوية الاستراتيجية، ولم يعد يفصلهم عن العاصمة طرابلس أكثر من 80 كم يستغرق قطعها بالسيارة نصف ساعة.

من جانبهم، قلل المسؤولون الليبيون من أهمية هذه التطورات، وتعهدوا بالنيل من أي مكاسب قد يكون المعارضون حققوها.

ومع أن قاعدة قوة القذافي في طرابلس باتت محاصرة الآن، فإن العاصمة لم تشهد خروجا كبيرا منها، أو إسراع مواطنيها في تخزين البضائع تحسبا لفترة حصار طويلة. وقد يشير ذلك، كما تقول «رويترز»، إلى حقيقة أن الكثيرين من سكان المدينة يستعدون للأسوأ منذ بدء الصراع في فبراير (شباط) الماضي، أو أنه لم تعد هناك أماكن كثيرة يمكن الانتقال إليها.

وتسود العصمة الليبية أجواء استرخاء، بل وجرى احتفال في الميدان الرئيسي بطرابلس؛ حيث خرجت العائلات بعد يوم صيام طويل من البيون، ودخن الرجال النرجيلة في المقاهي. ويستبعد محجوب مفتاح، وهو معلم تطوع لحمل السلاح في قوات القذافي، مثل كثيرين، أن تتقدم المعارضة صوب طرابلس، ويعتقد أن ذلك «احتمال بعيد». وقال، متحديا المعارضين: «أتمنى أن يسيروا صوب طرابلس.. أتمنى.. سيموتون كلهم». وتعهد أنصار القذافي في طرابلس، ممن تم تزويد معظمهم بالأسلحة، بالدفاع عن طرابلس في مواجهة المعارضين الذين يصفهم القذافي بأنهم مأجورون.

وعلى الرغم من أن طرابلس عانت في الأسابيع القليلة الماضية انقطاعا كبيرا في الكهرباء ونقصا في البنزين، فإن المدينة لم تشهد احتجاجا على الحكومة. ويبدو أن معظم الليبيين الذين أجرى صحافيون أجانب مقابلات معهم، والذين يرافقهم على الدوام رجال من الحكومة، يلقون باللوم في نقص مقومات الحياة لديهم على الغارات الجوية التي يشنها حلف شمال الأطلسي والمعارضون الذين يدعمهم الحلف.

ومع ذلك، اعترف رئيس الوزراء الليبي بخروج احتجاجات محدودة في طرابلس بسبب تداعي الخدمات العامة، لكنه أصر على أن هذه الشكاوى لا تعكس استياء من الحكومة.

بالمقابل، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن ممثل المجلس الوطني الانتقالي في فرنسا، منصور سيف النصر، قوله أمس: «إننا ندخل مرحلة حاسمة، وقريبا سنحرر جنوب ليبيا برمته. نتأمل الاحتفال بالنصر النهائي مع نهاية شهر رمضان»، أي في أواخر شهر أغسطس (آب) الحالي. وتابع: «إن قواتنا تسيطر بالكامل على الزاوية التي ستفتح الباب إلى طرابلس، مما سيسمح لسكانها أن يثوروا».

وأكد الثوار الليبيون، الاثنين، أنهم يسيطرون على «الحيز الأكبر» من الزاوية التي تقع نحو 40 كم غرب طرابلس، وكذلك على مدينتي غريان وصرمان، اللتين تقعان على التوالي على مسافتي 50 كم جنوب العاصمة و60 كم غربها.

في السياق عينه، قال المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني: «بات واضحا أكثر فأكثر أن أيام القذافي باتت معدودة وأن عزلته باتت تزداد يوما بعد يوم».

كانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قد كررت مثل هذا القول مرتين من قبل، وقالت إن أيام النظام الليبي «معدودة».

وبمناسبة دخول النزاع شهره السادس، نشر ولي العهد الليبي، محمد السنوسي، المقيم في بريطانيا، على موقعه على الإنترنت، نصا يؤكد أن سقوط القذافي «قريب» ووجه تحية إلى مقاتلي الثوار.

وكتب الأمير، وهو ابن شقيق الملك الراحل إدريس السنوسي، الذي أطاح به القذافي عام 1969 «إنهم (الثوار) وطنيون.. إنهم أبطال.. إنهم الشعب الليبي الحقيقي».

ودعا إلى مواصلة الكفاح «من أجل مجتمع جديد يعطي الأولوية للحريات وحقوق الشعوب».