بلمار: المتهمون الـ 4 مناصرون لحزب الله ولديهم القدرة على تنفيذ اعتداء إرهابي بغض النظر عما إذا كان لحساب الحزب أم لا

المحكمة تنشر تفاصيل القرار الاتهامي وتعلن أن لدى المدعي العام أدلة كافية لبدء المحاكمة

TT

نشرت المحكمة الخاصة بلبنان، أمس، الجزء الأكبر من القرار الاتهامي في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، الذي فند فيه المدعي العام، دانيال بلمار، أسباب اتهامه كلا من مصطفى بدر الدين، وسليم عياش، وحسين عنيسي، وأسد صبرا، بعملية الاغتيال.

ورغم أن بلمار لم يتهم حزب الله كمنظمة بشكل مباشر بعملية الاغتيال، فإنه ذكر أن المتهمين الـ4 «مناصرون لحزب الله، وهو منظمة سياسية وعسكرية في لبنان»، مذكرا بأنه في الماضي «تورط الجناح العسكري لحزب الله في عمليات إرهابية، والأشخاص الذين دربهم الجناح العسكري لديهم القدرة على تنفيذ اعتداء إرهابي بغض النظر عما إذا كان هذا الاعتداء لحسابه أم لا».

كما تحدث التقرير عن علاقات قربى بالزواج بين بدر الدين وعياش، «وتشمل هذه الصلات بالمصاهرة المدعو عماد مغنية الذي كان مؤسسا لحزب الله ومسؤولا عن جناحه العسكري.. وكان مطلوبا على المستوى الدولي بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية». وأضاف المدعي العام أنه «استنادا إلى خبرتهما وتدريبهما وانتسابهما إلى حزب الله، فإن المعقول الاستنتاج أنه كان لدى بدر الدين وعياش القدرة على تنفيذ اعتداء 14 فبراير (شباط) 2005».

وقال بلمار إن مراقبة الحريري بدأت على الأقل قبل 3 أشهر من اغتياله، وذكر أنه في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2004 نفذ متآمران مجهولا الهوية أول عملية مراقبة للحريري يتم اكتشافها. وأضاف أن مؤامرة اغتيال الحريري نشأت في فترة تمتد على الأقل من 11 نوفمبر 2004 حتى 16 يناير (كانون الثاني) 2005.

وفند المدعي العام في قراره الذي استند فيه على أدلة اتصالات الهواتف الجوالة التي استعملها المتهمون لمراقبة الحريري وللتنسيق لعملية الاغتيال، دور كل من المتهمين الـ4. وقال إن بدر الدين كان المشرف على العملية، وعياش منسق مجموعة الاغتيال، بينما عنيسي وصبرا توليا مهمة إلباس المسؤولية لآخرين. وأكد بلمار أن الاغتيال تم من خلال انتحاري، ولكنه قال إن الانتحاري ليس أبو عدس الذي ظهر في شريط مصور يتبنى الاغتيال، إنه شخص لا يزال مجهول الهوية. وأشار إلى أن أبو عدس، وهو فلسطيني في العشرين من عمره، اختفى منذ ذلك الحين.

ووصل بلمار إلى استنتاجاته من خلال مراقبة شبكات الهواتف الجوالة، وقال إن تحليل الاتصالات أظهر أن وجود عدد من شبكات الهواتف الجوالة المترابطة والمتورطة في عملية اغتيال الحريري، وتتكون كل شبكة من مجموعة من الهواتف التي سجلت عادة بأسماء مستعارة والتي كانت نسبة الاتصال بينها مرتفعة. وقسم المدعي العام الشبكات إلى نوعين؛ «شبكات سرية» لا يتصل أعضاؤها إلا ببعضهم البعض، و«شبكات مفتوحة» يتصل أعضاؤها أحيانا بآخرين من خارج مجموعتهم.

وتوصل بلمار إلى أن «المتآمرين، بمن فيهم عياش وآخرون من أعضاء مجموعة الاغتيال وكذلك مجموعة إعلان المسؤولية زورا، كانوا قد اتخذوا من جنوب بيروت مركزا لهم، ولكن بهدف إيجاد مسار بعيدا عن بيروت، اختار المآمرون طرابلس مكانا للقيام ببعض الأعمال التي يمكن اقتفاء أثرها». وأشار إلى أن فان الـ«ميتسوبيشي» جرى شراؤه في طرابلس «بحيث يمكن اقتفاء أثره» لتضييع التحقيق. وأضاف: «توقع المتآمرون أن المسار الوهمي ومعه إعلان أبو عدس المسؤولية زورا عن الاعتداء قد يحملان السلطات على التحقيق مع آخرين في طرابلس، وأن يؤدي ذلك إلى حماية المتآمرين من الملاحقة القضائية بتوجيه الانتباه بعيدا عن بيروت». وفي الأفعال التحضيرية للجريمة، قال بلمار إنه تم «إيجاد رجل فلسطيني يبلغ من العمر 22 عاما اسمه أحمد أبو عدس أعلن مسؤوليته زورا عن الجريمة المرتقبة».

وكانت المحكمة الخاصة بلبنان قالت في بيان إن قاضي الإجراءات التمهيدية، دانيال فرانسين، «أصدر قرارا يطلب فيه إعلان قراره تصديق قرار الاتهام في قضية اعتداء 14 فبراير 2005 وإعلان قرار الاتهام نفسه». ولفت البيان إلى أن «السرية أبقيت على أجزاء صغيرة من قرار التصديق ومن قرار الاتهام، وعلى أجزاء من مرفقيه، نظرا لارتباطها بمسائل يمكن أن تؤثر في تحقيقات المدعي العام الجارية، وكذلك في خصوصية وأمن المتضررين والشهود». ورأى قاضي الإجراءات التمهيدية، بحسب البيان، أن «المدعي العام قد قدم أدلة كافية بصورة أولية للانتقال إلى مرحلة المحاكمة». لكنه أضاف أن «ذلك لا يعني أن المتهمين مسؤولون، بل يبين فقط توافر مواد كافية لمحاكمتهم. وعلى المدعي العام أن يثبت أثناء المحاكمة، أن المتهمين مسؤولون دون أدنى شك معقول».

وشرح القاضي فرانسين في قرار التصديق «أسباب الإبقاء على سرية قرار الاتهام حتى الآن وهي: أن يحافظ (...) على سلامة الإجراءات القضائية، لا سيما فعالية البحث عن المتهمين واستدعائهم إلى الاستجواب، عند الاقتضاء».

وأعلن بلمار، أمس، الأربعاء، أنه «يرحب» بقرار المحكمة المصادقة على القرار الاتهامي، وقال في بيان إنه «يرحب بقرار قاضي الإجراءات التمهيدية رفع السرية عن قرار الاتهام»، مشيرا إلى أن «هذا القرار سيطلع أخيرا الرأي العام والمتضررين على الوقائع المزعومة في قرار الاتهام بشأن ارتكاب الجريمة التي أدت إلى توجيه الاتهام إلى المتهمين الأربعة». وأضاف أن «رفع السرية عن قرار الاتهام يجيب عن أسئلة عديدة بشأن الاعتداء الذي وقع في 14 فبراير 2005. غير أن الستار لن يرفع عن القصة الكاملة إلا في قاعة المحكمة حيث تعقد محاكمة مفتوحة وعلنية وعادلة وشفافة تصدر حكما نهائيا». وأكد المدعي العام أن «تحقيقاته جارية وأعمال التحضير للمحاكمة مستمرة».

وفي تفاصيل القرار الاتهامي، قال بلمار إن اتهام الأشخاص الأربعة تؤيده «الأدلة المرفقة بقرار الاتهام، التي تعرف بالمواد المؤيدة والتي تقع في ما يزيد على 20000 صفحة، والادعاءات المرتبطة بالوقائع والتهم التالية الواردة فيه».

وقال القرار «في صباح 14 فبراير 2005، غادر رئيس مجلس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، منزله في قصر قريطم، ببيروت، لحضور جلسة لمجلس النواب. وكعادته، تنقل في موكب له. واتخذ أعضاء مجموعة اغتيال، مؤلفة من عياش وأشخاص آخرين، مواقعهم في أماكن عدة يستطيعون منها تعقب ومراقبة موكب الحريري. وكانوا قد راقبوا الحريري في عدة أيام قبل وقوع الاعتداء تحضيرا له. وقبل الساعة الحادية عشرة من صباح ذلك اليوم، وصل الحريري إلى مجلس النواب. وعند الساعة الثانية عشرة غادر مجلس النواب وذهب إلى مقهى (بلاس دو ليتوال) (Café Place de l›etoile) القريب وبقي فيه 45 دقيقة تقريبا، قبل مغادرته عائدا إلى منزله. ونحو الساعة 12:49، صعد الحريري إلى سيارته يرافقه النائب باسل فليحان، وانطلق الموكب من ساحة النجمة. وبدأ الحريري وجهازه الأمني رحلة العودة إلى قصر قريطم في موكب مؤلف من 6 سيارات، سالكين طريقا بحريا مرورا بشارع ميناء الحصن. وفي الساعة 12:52، اتجه (فان ميتسوبيشي كانتر) ببطء نحو فندق الـ(سان جورج) الكائن في شارع ميناء الحصن. وقبل مرور الموكب بدقيقتين تقريبا، تحرك (فان الميتسوبيشي كانتر) إلى موضعه النهائي في شارع ميناء الحصن. وفي الساعة 12:55، عند مرور موكب الحريري مقابل فندق الـ(سان جورج)، فجر انتحاري كمية هائلة من المتفجرات المخبأة في الجزء المخصص للحمولة في (فان الميتسوبيشي كانتر)، فقتل الحريري و21 شخصا، وأصيب 231 شخصا».

وكشف القرار أنه «بعيد الانفجار، أجرى (المتهمان) عنيسي وصبرا، وهما يعملان معا، اتصالات هاتفية بمكتبي وكالة (رويترز) للأنباء وقناة (الجزيرة) في بيروت. ثم اتصل صبرا بـ(الجزيرة) مرة أخرى ليعلمها بمكان شريط الفيديو الذي وضع على شجرة في ساحة الإسكوا في وسط بيروت. وعثر على الشريط والرسالة المرفقة به. وفي شريط الفيديو الذي بث في ما بعد على شاشة التلفزيون، أعلن رجل، يدعى أحمد أبو عدس، زورا، أنه الانتحاري الذي نفذ العملية باسم جماعة أصولية وهمية مشيرا إليها باسم (جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام)».

وأشار القرار إلى أنه «نتيجة للتحقيقات التي أجريت بعد الاعتداء، جمعت كمية كبيرة من الأدلة، بما فيها إفادات الشهود، والأدلة الوثائقية، والأدلة الإلكترونية مثل تسجيلات كاميرات المراقبة وسجلات بيانات الاتصالات الهاتفية، وأدت هذه الأدلة إلى تحديد هوية بعض الأشخاص المسؤولين عن الاعتداء على الحريري. وعلى سبيل المثال، أظهر تحليل سجلات بيانات الاتصالات وجود عدد من شبكات الهواتف الجوالة المترابطة والمتورطة في عملية اغتيال الحريري. وتتكون كل شبكة من مجموعة من الهواتف، التي سجلت عادة بأسماء مستعارة، والتي كانت نسبة الاتصال بينها مرتفعة».

وتوصل التحقيق إلى تحديد 5 شبكات سرية ومفتوحة رمزت بالألوان:

* الشبكة الحمراء: وهي شبكة سرية استخدمتها مجموعة الاغتيال وتتألف من 8 هواتف اتسمت بكثافة الاتصال وكانت هذه الهواتف مستعملة من 4 يناير 2005 حتى توقف استعمالها كليا قبل دقيقتين من وقوع الاعتداء في 14 فبراير 2005. فيما يلي أرقام هواتف الشبكة الحمراء وأسماؤها المختصرة (أبقيت الأرقام والأسماء سرية).

* الشبكة الخضراء: هي مجموعة مؤلفة من هواتف شكلت شبكة سرية من 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2004 حتى توقف استعمالها كليا في 14 فبراير 2005، قبل نحو ساعة واحدة من وقوع الاعتداء. وقد استعملت هواتف الشبكة الخضراء للإشراف على الاعتداء وتنسيقه. وكانت هواتف الشبكة الخضراء تشكل في السابق جزءا من مجموعة مكونة من «عدد من الهواتف أبقي سريا». وفي ما يلي أرقام هواتف الشبكة الخضراء وأسماؤها المختصرة (أبقيت سرية).

* شبكة الهواتف الزرقاء: هي شبكة مفتوحة مؤلفة من (عدد أبقي سريا) هاتفا، استعملت بين شهر سبتمبر (أيلول) 2004 وشهر سبتمبر 2005 والهواتف الزرقاء استعملتها مجموعة الاغتيال لأغراض منها التحضير للاعتداء ومراقبة الحريري.

* شبكة الهواتف الصفراء: هي شبكة مفتوحة مؤلفة من (أبقي العدد سريا) هاتفا شغلت للمرة الأولى ما بين عام 1999 وعام 2003 واستعملت حتى 7 يناير 2005. ثم استعيض بمرور الوقت عن معظم الهواتف الصفراء باستعمال الهواتف الزرقاء.

* شبكة الهواتف الأرجوانية: هي شبكة مفتوحة مؤلفة من (أبقي العدد سريا) هواتف، استعملت استعمالا عاديا، وشغلت للمرة الأولى قبل عام 2003 واستعملت حتى 15 أو 16 فبراير 2005. وقد استعملت الهواتف الأرجوانية لتنسيق عملية الإعلان زورا عن المسؤولية عن الاعتداء.

وأوضحت وقائع القرار أن بعض «مستعملي هواتف الشبكات يحملون ويستعملون عدة هواتف من مختلف الشبكات. ويظهر تحليل سجلات الاتصالات وجود حالات عديدة كان فيها هاتف من هواتف الشبكة الحمراء عاملا مثل هواتف أخرى، منها هاتف من الشبكة الخضراء وهواتف زرقاء، وذلك في المكان ذاته، والتاريخ ذاته، والفترة ذاتها. ومن المعقول الاستنتاج من تلك الحالات أن شخصا واحدا كان يستعمل عدة هواتف معا عندما يلاحظ، على مدى فترة طويلة، أن أنماط الاستعمال لكل هاتف لا تتغير أبدا تغيرا لا يمكن تعليله، وأن هذه الهواتف مسجلة في أبراج الاتصالات الجوالة تسجيلا يشير إلى وجودها معا على مساحات جغرافية شاسعة، وأن هذه الهواتف لا تتصل ببعضها البعض. وهذا يسمى اقترانا مكانيا».

وخلص القرار إلى القول إن «الشبكة الحمراء هي شبكة مجموعة الاغتيال، بحيث شكل مستخدموها، الذين يضمون أشخاصا في حوزة كل منهم هاتف أزرق مقترن مكانيا بهاتف آخر، وقد قاد سليم عياش مجموعة اغتيال الحريري. المكونة من أعضاء، أما الأعضاء الآخرون فهويتهم مجهولة في الوقت الحاضر. وقامت مجموعة الاغتيال بالمراقبة وتنفيذ الاعتداء الفعلي. وكانت الشبكة الحمراء سرية، وعملت بنظام وانضباط بحيث تصل مستخدميها ببعضهم البعض حصرا، وبدأ تشغيل هواتف الشبكة الحمراء للمرة الأولى في منطقة طرابلس على فترات فاصلة بينها تبلغ كل واحدة منها 30 دقيقة، وذلك في 4 يناير 2005، مما يبين أن تشغيل الشبكة كان منسقا، كما سجلت جميع هواتف الشبكة الحمراء بأسماء مستعارة، ويبين مكان وتلازم تحركات هواتف الشبكة الحمراء والهواتف الزرقاء وجود مراقبة للحريري في فترة لا تقل عن 15 يوما قبل 14 فبراير 2005».

وجاء في القرار أن «تحركات هواتف الشبكة الحمراء تعكس تحركات الحريري التي بدأت من جوار منزله في قصر قريطم صباحا، ثم اتجهت إلى جوار مجلس النواب، ثم إلى جوار فندق الـ(سان جورج) حيث وقع الاعتداء. والاتصالات الـ33 الأخيرة لهواتف الشبكة الحمراء بين الساعة 11:00 والساعة 12:35 جرت في معظمها في جوار مجلس النواب وفندق الـ(سان جورج)، وفي الساعة 12:50، اتصل مستخدم أحد هواتف الشبكة الحمراء الموجود في جوار مجلس النواب بمستخدم هاتف من الشبكة الحمراء موجود في جوار فندق الـ(سان جورج)، وهو الوقت ذاته الذي غادر فيه الحريري منطقة مجلس النواب في موكبه، وفي ذلك تزامن مع تحرك (فان الميتسوبيشي كانتر) إلى موضعه النهائي لتنفيذ التفجير».

وأضاف القرار: «في 14 فبراير 2005، اتخذ أعضاء مجموعة الاغتيال المؤلفة من عياش وأشخاص آخرين أماكنهم في مواقع يستطيعون منها تعقب ومراقبة موكب الحريري من منزله بقصر قريطم في بيروت إلى مجلس النواب، وفي طريق العودة إلى منزله، مرورا بمنطقة فندق الـ(سان جورج). وبقي أعضاء المجموعة على اتصال متكرر ببعضهم البعض على هواتفهم من الشبكة الحمراء وهواتفهم الزرقاء وعلى وجه التحديد، سجل 33 اتصالا في إطار الشبكة الحمراء بين الساعة 11:00 والساعة 12:53».