طاهية ثورة يناير .. حديث العوائل المصرية

من منطقة فقيرة وبأطباق طعام رخيصة الثمن حققت النجومية على الشاشة

غالية محمود تنتقي الخضراوات لبرنامجها التلفزيوني في سوق الوراق (واشنطن بوست)
TT

في مصر الحديثة وحدها تستطيع غالية محمود أن تصبح شخصية شهيرة. إنها امرأة محجبة من منطقة فقيرة، وتقوم بالطهي في آنية من القصدير لا مقابض لها على موقد تشعله بأعواد الثقاب داخل مطبخ لا يحتوي على آنية لمعايرة المحتويات. وتستخدم محتويات بسيطة رخيصة مثل الفول والباستا والخضراوات، وهي الأشياء التي يمكنها تحمل سعرها, وباتت اليوم غالية محمود حديث البيوت المصرية في شهر رمضان المبارك لبساطة الاطباق التي تعدها.

في مصر القديمة، كانت محمود تعمل خادمة. ولكن كان هذا قبل الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني)، اليوم الذي وقف فيه الفقراء والأثرياء كتفا في كتف بميدان التحرير بالقاهرة وأطاحوا خلاله بديكتاتور ووضعوا النهاية لنظام كان يحتفي بالنخبة وعانت تحت ظلاله الطبقات الدنيا. وقد أصبحت هذه المرأة التي تبلغ من العمر 33 عاما شخصية أساسية خلال شهر رمضان من هذا العام على قناة تلفزيونية تحمل اسم اليوم الذي بدأت فيه الثورة، وتظهر على القناة لتعلم المصريين كيفية إعداد أطباق يمكن للمصرين تحمل أسعارها.

وبخفة دم وأشياء منزلية بسيطة، تطهو محمود كافة الوجبات بسهولة، وأصبحت رمزا غير محتمل لحركة تستهدف الحافظ على روح التغيير والعدالة الاجتماعية داخل هذه الدولة التي يعيش فيها أكثر من 80 مليون مواطن. ويقول محمد جوهر، وهو إعلامي بارز ومؤسس لقناة «25»، الذي اختار محمود (خادمة أخته) للتنافس مع مسلسلات لها شعبية خلال أيام شهر رمضان.

وفي برنامجها، تقوم محمود بالطهي داخل مطبخ يبدو مثل منزلها، وتقوم بخفق الزبادي المنزلي. وقد كلفت بعمل وجبة تكفي لعائلة جائعة مقابل 4 دولارات، وقامت بذلك بسهولة، مثلما تقوم راشيل راي، مضيفة برنامج السفر لشبكة الغذاء «40 دولارا في اليوم». وتقول محمود لمشاهديها: «تستطيع كافة النساء الطهي، فهن ذكيات، ويستطعن القيام بأي شيء لو حاولن». وداخل المنزل تقوم بإطعام 15 فردا من عائلتها بدخل لا يتجاوز حاليا 200 دولار في الشهر.

وتطهو اللحم مرة واحدة في الأسبوع، لأن هذا ما تستطيع أن تتحمله مع زوجها، وهو سائق حافلة صغيرة. وفي البرنامج لا تطهو اللحم إلا في أيام الجمعة.

عندما كانت صغيرة، كانت تحلم بأن تتزوج وتزف في سيارة مرسيدس جديدة. وانتهى الأمر بأن زفت في سيارة «فيات» وكانت حينها قد تجاوزت العشرين من عمرها. لقد مات والدها عندما كانت طفلة صغيرة، وذهبت مع إخوتها الثمانية للعمل في سن المراهقة لمساعدة العائلة. ذهب أحد أقاربها إلى الجامعة، وتمكن من العمل في أحد محلات كنتاكي من دون أي واسطة. وأمام الكاميرا، تقوم محمود بمعايرة المحتويات بأكواب بلاستيكية رخيصة وتشتري الخضراوات للبرنامج من السوق في منطقة الوراق الفقيرة.

تذكر المواطنين بأكلتهم المفضلة، وخلال أسبوعين زادت شعبيتها على نطاق واسع. وجذبت صفحتها – التي أعدها لها المنتجة حبيبة هشام لأن محمود لا يمكنها تحمل مقابل خدمة الإنترنت أو شراء جهاز – قرابة 4000 متابع خلال أقل من أسبوعين. وترى هشام فيها أوبرا وينفري المستقبل، وهي فتاة فقيرة أصبحت رمزا داخل الولايات المتحدة.

يوجه الأطفال لها أسئلة، ويخبرونها بأنهم يحبونها. وأنشأ أحدهم صفحة أخرى على شبكة الإنترنت يدعو لأن تصبح محمود رئيسة للبلاد.

وفي الأسبوع الماضي نادتها نساء أنيقات من داخل سيارة مرسيدس، من النساء التي اعتادت التظاهر بعدم رؤيتها. سألنها: «سيدة غالية، كيف يمكن أن نعد شوربة العدس؟» ابتسمت، لقد رأت العالم يتغير من حولها.

وتوجد رسائل خفية في برنامجها تحمل دروسا أهم من الطعام، حيث تعد وصفات للمسيحيين الذين يمتنعون عن اللحم ومنتجات الألبان خلال وقت الصيام. وتقول إنها تقوم بذلك لتشير إلى أن الفتن الطائفية ليست موجودة في الأحياء المصرية، معبرة عن اعتقادها بأن الحكومة كانت تقف وراءها. لم تعد محمود امرأة مغمورة. قالت بعد برنامج هذا الأسبوع: «كانت الحكومة تتعامل مع صفة الصفوة في هذا الأمر، ولم يكن الباقي منا ظاهرا. لدي آمال كثيرة، فالدولة ستكون مختلفة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»