صفة «المرشح المحتمل» لانتخابات الرئاسة المصرية تفقد بريقها في القاهرة والمحافظات

غموض في الخطاب السياسي واسترضاء لتيارات متضاربة مع كثرة الطامحين إلى مقعد الرئيس

المرشح الرئاسي المفترض ياسر فراويلة («الشرق الأوسط»)
TT

يبدو أن الأمر بالفعل أشبه بمسرحية من نوع خاص؛ فـ«رئيس الدولة لا بد أن يراقبه مجلس تشخيص مصلحة النظام»، و«كل وزير لا بد أن يُخصص له كشك في الشارع يدير منه شؤون الوزارة».

يقول ياسر فراويلة، الذي أعلن أخيرا جمع نحو 30 ألف توقيع من الناخبين، مما يؤهله لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر، دون أن يكون لديه تصور واضح عما إذا كان النظام السياسي الذي يتبناه سيشبه نظام الحكم في إيران أو في دولة شيوعية أو في تجمع بشري يعيش فوق القمر.

ويضيف فراويلة الذي استبعد في السابق من الالتحاق بالكلية الحربية بسبب توجهاته الإسلامية: «لا أريد أن أعطي إيحاءات قد تضعني في خانة نظام بعينه. ما أقوله هو تصوري أنا فقط». وقرر فراويلة ترشيح نائب له هو الجهادي الإسلامي علي الشريف، الذي كان معتقلا ومتهما بمحاولة اغتيال الرئيس المصري السابق، حسني مبارك.

ولم يفصح عمرو موسى، الأمين السابق للجامعة العربية، وهو يتحدث في لقاءات دعائية لترشيحه في انتخابات الرئاسة عن توجهات سياسية محددة في الرعاية الصحية والتعليم والزراعة والصناعة وعلاقة الدولة بالإنتاج ومستقبل علاقة مصر مع الخارج. وموسى ومحمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمحامي محمد سليم العوا ذو التوجه الإسلامي، وغالبية المرشحين الآخرين للرئاسة، لا ينتمون لأحزاب سياسية، وليست لهم تكتلات نيابية واضحة يساندونها في انتخابات البرلمان التي سيفتح لها الباب، الشهر المقبل. ويرى مراقبون أن التوجه الذي تسير فيه البلاد لم يأت حتى الآن بالشكل الذي تخيله أولئك المرشحون، وبدأ يظهر شعور بالخيبة بين بعض هؤلاء. وقال البرادعي على حسابه على «تويتر»: «إن الطريق إلى الديمقراطية بدأ يتآكل». وزار موسى والبرادعي والعوا وعشرات المعتزمين الترشح للرئاسة قيادات أحزاب وتيارات شتى، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، لكن المراقبين يقولون إنه لوحظ مغازلة مثل هؤلاء المرشحين لجميع التيارات الدينية والسياسية، دون التمسك بموقف محدد لشكل إدارة الدولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في حال فوز أي منهم بموقع رئيس الدولة.

«نحن لسنا أمام مرشحين من شخصيات دولة يصلحون للترشح». هكذا يقول الدكتور شوقي السيد، ويضيف: «معظمهم يغازل كل التيارات وكل من بيده القرار، وأصبحت المغازلة مكشوفة»، بغض النظر عن الأسماء، سواء المعروفة أو غير المعروفة.

وبعيدا عن هذا، فإن أكثر الأسئلة التي تروجها وسائل الإعلام المحلية، ومطلوب الإجابة عنها في من يريد الترشح لرئاسة مصر: ما الموقف من الحكم بالشريعة الإسلامية؟ وكيف سيكون شكل العلاقة مع إسرائيل؟ ويوجد قسمان من الشخصيات التي تريد الترشح لخلافة مبارك؛ القسم الأول من طبقة السياسيين المحترفين، كموسى والبرادعي والعوا، وهؤلاء معروفون على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام، والقسم الثاني عبارة عن شخصيات مغمورة تعمل على الأرض في عدة محافظات وتبدو أقل حصافة في التعبير عن توجهاتها، مثل فراويلة، وبعضها يبدو هزليا تماما مثل محمد باكوس الذي استضافته قنوات تلفزيون فضائية، وركز برنامجه على تخفيض سعر رغيف اللحم (الحواوشي) لأقل من ربع دولار في المناطق الشعبية. وبعض ممن يعتزمون الترشح لديهم خبرة دبلوماسية يستخدمونها في تقديم خطاب غير محدد المعالم عن المستقبل بالنسبة لمصر وجيرانها والعالم من حولها. وكان من المفترض أن يكون المرشحون الأقل خبرة في لغة البروتوكول، هم الأكثر صراحة، وتحديدا بشأن السياسات التي ستنتهجها بلادهم في ظل واقع محلي وإقليمي ودولي معقد، لكن مسؤولي الأحزاب الأكثر حظا في ترشيح قياداتهم لرئاسة الدولة يقولون إن المنطقي الآن هو التركيز على انتخابات البرلمان، لا غير.

«موضوع الرئاسة سابق لأوانه»، كما أفاد به كل من سيد عبد العال، الأمين العام لحزب التجمع اليساري، وأنور عصمت السادات، نائب رئيس حزب الإصلاح والتنمية الليبرالي. ومنذ بداية الحديث عن خلافة مبارك كان يفترض في الشخصيات غير المخضرمة في مجال السياسة أن تكون أكثر صراحة ووضوحا، حسب المراقبين، لكن حتى هذه الشريحة التي تعمل بجد وإخلاص في الكثير من المحافظات المصرية لم يخرج من بينها على ما يبدو مرشح شعبي ذو كاريزما سياسية له توجهات واضحة، كما يحدث عادة في الدول التي يتشكل فيها الحكم من خلال الانتخابات أو الثورات أو الانقلابات.

وإضافة إلى تحركات لنحو عشر شخصيات من الشخصيات اللامعة إعلاميا، كموسى والبرادعي والعوا، يجوب ما لا يقل عن 15 شخصية مغمورة عدة محافظات، ويقومون أيضا بجمع توقيعات الترشح للرئاسة، مثل فراويلة، المحسوب على محافظة الإسكندرية، ومحمد حسن المحسوب على محافظة أسوان، وأكمل رمضان المحسوب على محافظة المنيا، ونحو عشرة آخرين من أقاليم شتى.

ويشترك أغلب هؤلاء في تقديم أنفسهم باعتبارهم متوافقين مع جميع التيارات السياسية الموجودة في مصر؛ من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين تطرفا. وتمكّن بعضهم من إثارة الجدل بتقديم طروحات سياسية غير مسبوقة، كالدعوة لـ«تأسيس هيئة لرجال الدين توجه رئيس الدولة ويكون ولاؤها لله فقط».

ويقول فراويلة الذي يدعو لهيئة مماثلة تراقب الحاكم: «أنا أقف على مسافات متساوية من جميع التيارات».

ولد فراويلة لأسرة عسكرية في الإسكندرية عام 1967، وشارك بعض أقاربه في معارك سياسية قديما وفي الحروب المصرية حتى حرب 1973، ويبرر دخوله حقل العمل السياسي بقوله إنه يتوارثه أبا عن جد، ويضيف: «تسعة أعشار الشعب المصري طبقة مهمشة، وليس لهم رأي في أي شيء. وأنا أعتبر نفسي مرشح الطبقة المهمشة».

وهل حولك أنصار ومساعدون؟ يجيب فراويلة: «نعم، هناك عامة الناس، خصوصا في المناطق الريفية التي تعتمد على العصبية القبلية وعلى المعارف الشخصية». وينشط فراويلة في محافظات الإسكندرية وكفر الشيخ وجنوب سيناء والعريش والسويس والبحر الأحمر والبحيرة ومطروح، ويقول: «بهذا تمكنت من تجميع الـ30 ألف توقيع المطلوبة للترشح»، مشيرا إلى أنه ظل منذ الصغر على علاقة بالإسلاميين والمسيحيين والاشتراكيين: «أنا داخل في كل هذه الجماعات من أقصى الجماعات المسيحية، مثل جماعة الأمة القبطية، إلى أقصى الجماعات الدينية (الإسلامية)، مثل السلفيين والجهاد والإخوان والتبليغ والدعوة والتوقف والتبين، وكذا مع الاشتراكيين والشيوعيين».

ويعمل غالبية المرشحين المغمورين في مهن ووظائف عادية أو متوسطة، ويتخذ بعضهم من هذا الوضع ميزة، باعتبار أنهم من المنتمين للطبقات الفقيرة التي ظلت مهمشة طيلة حكم مبارك.

ويعمل فراويلة موظفا إداريا بشركة قطاع خاص، ولديه خمسة أبناء في مراحل التعليم المختلفة بالإسكندرية، ويقول: «أمارس حياتي بشكل عادي وآكل الرغيف المدعم وأركب مواصلات عامة»، كما عرف في سنواته المبكرة بين الإسلاميين بالإسكندرية، كخطيب جمعة وملقٍ للدروس الدينية.

ويقدم فراويلة، مثل كثير من المرشحين المغمورين، صورة مثالية وضبابية أيضا لما ينبغي أن يكون عليه الحاكم والوزراء، قائلا: «الحاكم هو شخص تجمع عليه الأمة»، ويراقبه مجموعة من أهل الحل والعقد، مشيرا إلى أن «البرلمان سيكون مجلس عوام وشريكا مع رئيس الدولة في تسيير أمور الدنيا مع الوزراء، أما مجلس تشخيص مصلحة النظام أو مجلس توجيه النظام فيكون من العلماء وأهل الفكر والدعوة»، ويضيف: «أي وزير لن يجلس في مكتبه، بل سيكون له كشك في ميدان عمله.. وزير المواصلات يكون في أي ميدان فيه مواصلات، وكذا وزراء الصحة والسياحة وغيرهم».

وتميز المرشحون المغمورون على اختلاف توجهاتهم بتقديم لمحات في برامجهم أصبحت تعرِّف بهم، وظهر لقب «مرشح الصعيد» على رجل دعا لنقل عاصمة مصر إلى إحدى مدن الجنوب بدلا من القاهرة. وارتبط اسم المرشح الأسواني للرئاسة بالنشيد التي قالت وسائل إعلام محلية إنه ألفه، بعنوان «والله اخترناك»، لبثه في دعايته الانتخابية، بينما جاء في برنامج فراويلة وعده بتوفير بقرة لكل فلاح، على أن تتكفل الدولة بتوفير العلف المدعم لها.

ويبدو من كلام غالبية «المرشحين المحتملين» للرئاسة إما عدم إلمام بالدستور الذي تم تعطيله بعد سقوط نظام مبارك، أو تجاهل للإعلان الدستوري والمبادئ الدستورية التي أشرف على وضعها المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم. ولن يوضع دستور جديد للبلاد إلا بعد ستة أشهر على الأقل، بعد الانتهاء من انتخابات البرلمان في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وإلى أن يأتي ذلك الوقت، ينبغي إمعان النظر في الطريقة التي يفكر بها البعض لإدارة الدولة مستقبلا.

وعلى الرغم من ذلك يملأ المرشحون، الذين أصبح يُطلق عليهم صفة «مرشح محتمل» الفضاء الإعلامي، منهم شريحة «الصفوة» وهذه أصبحت منتشرة على قنوات التلفزيون وصفحات الصحف يوميا بحكم وجود أصحابها في العاصمة، وشريحة «المرشحين المغمورين» بالمحافظات البعيدة عن وسائل الإعلام. وبالنسبة لـ«المرشح المحتمل» فراويلة، فقد اختار نائبا له في حال توليه الرئاسة، هو علي الشريف الذي يقول عنه إنه «رجل من المجاهدين في مصر، وكان قد تم اعتقاله ظلما فيما يعرف بقضايا الجهاد وخلافه».

ومن المعروف أن الشريف كان متهما بمحاولة اغتيال مبارك، لكن فراويلة يقول إن «التهمة ملفقة من النظام السابق، ولم يثبت صحتها».

ويقول المراقبون إن القاسم المشترك بين معظم مرشحي العاصمة والمحافظات تقديم برامج مشوشة وسياسات مشتتة عن المستقبل بزعم توافق كل منهم على حدة مع جميع التيارات، من أقصى اليسار لأقصى اليمين. ويتساءل البعض: لماذا يفعلون هذا؟ ولماذا ينسون أن السياسي ينبغي أن يكون معبرا عن توجه عام، لا توجهات متعارضة ما بين الدولة المدنية والدولة الدينية؟

يجيب الدكتور شوقي السيد، قائلا: «الإجابة سهلة، ومع احترامي للجميع، نحن لسنا أمام خبراء يستأهلون الرئاسة، وبالتالي لا تسمع منهم إجابات محددة لقضايا، وإنما كلها استعراض لدعاية من أجل الوجاهة الاجتماعية والإعلامية والشخصية بكل أسف»، مشيرا إلى أن «معظمهم هذا النوع من المرشحين؛ يغازل كل التيارات حتى أصبحت المغازلة مكشوفة، لكنها لن تأتي بنتيجة. ما يحدث يشبه الاستعداد للدعاية لانتخابات برلمانية أو محلية. ولا يمكن أن يكون على مستوى انتخابات رئاسية».

ويزيد الدكتور السيد قائلا إن «موعد الترشح لانتخابات الرئاسة لن يحل إلا بعد عام ونصف العام على الأقل، وفقا للإعلان الدستوري، هذا إذا مرت الظروف بشكل طبيعي».

ويضيف أن الذين يطرحون أنفسهم تحت اسم «مرشح محتمل» يعرضون أنفسهم على الشعب قبل الأوان، مشيرا كذلك إلى أنه «لم تُشكّل بعد اللجنة التي تعد للأوراق المطلوبة التي ستُطلب من المرشحين».

ويقول الدكتور السيد أيضا: «قد يكون من بين هؤلاء من لا تنطبق عليه شروط الترشيح من الأساس. أعتقد أن سبب انتشارهم حاليا هو أنهم يجدون رواجا في الإعلام للتحدث عن الرئاسة»، مشيرا إلى أن «كل من يريد الظهور يكفيه أن يقول إنه مرشح محتمل وبالتالي يحظى بتغطية إعلامية واستضافات تلفزيونية ومغازلات من تيار مختلفة، بينما الناس أنفسهم لم يكوّنوا رأيا حتى الآن حول شكل الرئاسة، لأنهم يعلمون أن الدستور لم يوضع بعد، ووقت الترشيح لم يأت بعد، والمرشح الحقيقي لم يظهر بعد».